< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : هل يجب الفحصُ والتعلّمُ قبل حلول الوقت أم لا يجب ؟

الأمر الثالث: لزوم الفحـص في الأمارات قبل إجراء الاُصول المؤمّنة
والكلام هنا يقع في جهات ثلاثة :
الاُولى في الفحص عن جهة السند والصدور
الثانية في الفحص عن جهة الدلالة والظهور
والثالثة في وجوب الفحص والتعلّم قبل الوقت مع الخوف من عدم التمكّن منه أثناء وقت الفريضة المؤقّتة

وأمّا الجهة الثالثة فيقع الكلامُ فيها في السؤالين التاليين :
الأوّل : هل يجب الفحصُ والتعلّمُ قبل حلول الوقت فيما إذا علم المكلّفُ أن لا يستطيع على الفحص والتعلّم أثناء وقت الواجب المؤقّت أم لا يجب ؟ مثلاً : هل يجب الفحصُ والتعلّمُ قبل حلول وقت الفريضة المؤقّتة فيما إذا علم المكلّفُ أن لا يستطيع على الفحص والتعلّم أثناء وقت الفريضة أم لا يجب ؟
الجواب : قد تقول لا يجب الفحصُ والتعلّمُ، وذلك لعدم حلول وقت الفريضة، فلا يجب عليه في الذمّة شيءٌ، لا إلزام فعلي ولا إلزام في تحصيل مقدّمات الوجوب ولا مقدّمات الواجب .
لكن الصحيح هو أنّ العقل يحكم بوجوب الفحص والتعلّم لأنّ ذلك يكون من قبيل مقدّمات الحجّ، فإذا لم يهيّئ مقدّمات السفر من جواز سفر وتأشيرة دخول وغير ذلك فإنه قطعاً لن يحجّ حاجٌّ في شرق الأرض ولا في غربها، وهذا مرفوض شرعاً وعقلاً قطعاً، وهذا ما يطلقون عليه اصطلاح (المقدّمات المفوّتة)، وهنا الأمْرُ كذلك تماماً، لكن هذا الكلام صحيح ولا إشكال فيه عند أحد فيما لو كان الواجب المؤقّت يتوقّف دائماً على مقدّمات مفوّتة .
لكنّ الكلام فيما لو كان الواجب المؤقّت يتوقّف أحياناً على مقدّمة إن لم نقم بها قبل الوقت لربّما وقعنا في عدم القدرة على الواجب في وقته، أو لَعَلِمْنا قطعاً بعدم إمكاننا على أدائه في وقته، فما الموقف في هكذا حالة ؟ مثال ذلك : ما إذا كنّا قادرين على الفحص عن الماء في النهار، أو كنّا نحتمل أو نعلم بوجوده في مكان معيّن، لكن بعد أذان المغرب لن نستطيع أن نذهب في الليل لنأتي بالماء، لبُعده عنّا ولاحتمال وجود بعض السباع أو المجرمين في الليل ونحو ذلك، فهل يجب الفحص في النهار أم لا، وهل يجب جلب الماء في النهار أم لا ؟ ومثلها ما لو كنّا نعلم بعدم استيقاظنا على الصلاة فيما لو لم نربط المنبّه . وكذا لو كان يمكن معرفة القبلة في النهار، لكن إذا غربت الشمس لا يمكن لنا معرفة اتّجاه القبلة، ولن نستطيع أن نصلّي للإتجاهات الأربعة لسببٍ ما، فهل يجب الإستفسار عن القبلة نهاراً أم لا ؟ وكما فيمن سيبلغ في هذه الأيام، فإن لم يتعلّم على الصلاة قبل البلوغ فلن يستطيع أن يتوضّأ ويصلّي بشكل صحيح في أوّل يوم بلوغه .
لا يبعد أنه يجب ـ بحكم العقل ـ أن يهيّئ الإنسانُ مقدّماتِ الواجب قبل الوقت في الحالات المذكورة، كما ذهب إلى ذلك السيد الشهيد[1] رغم القول المعروف بأنه لا يمكن تقدّم الوجوب الفعلي على زمان الواجب، لكن هذا في الحالات العاديّة، لا في حالة المقدّمة المفوّتة التي يفوت الواجب في وقته بالتقصير في التعلّم والفحص والبحث قبل وقته . فلا أحد يقول

بوجوب الوضوء قبل الأذان في الحالات العاديّة، لكنْ إن توقّفت (الصلاة عن طهارة) على (الطهارة قبل الوقت) فلا يبعد أن يَحكم العقلُ ح بوجوب التطهّر قبل وقت الفريضة، وبوجوب التعلّم أو الفحص قبل الوقت ... ولا أقلّ من إمكان التمسّك بإطلاق الأمر بالتعلّم بما يشمل ما قبل وقت الفريضة، وإمكان التمسّك بإطلاق قول الله تعالى [ قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ )[2] فقد يقول لنا الله تعالى في الآخرة : لِمَ لَمْ تتعلّم أو لَمْ تفحص قبل وقت الفريضة وهكذا .. فيُفْحِمُنا ..

توضيح ذلك : لو قال لك المولى العرفي ـ كرَبّ العَمَل مثلاً ـ : إفعل لنا غداً سفرةً كبيرةً جيّدة للضيوف، وافعلِ الأكلاتِ المتعدّدةَ الفلانية، وكانت بعضُ الأكلات متوقّفة على بعض الأفعال في اليوم السابق، لِعِلْمِك بأنك لن تستطيع غداً أن تقوم بكلّ الأعمال المطلوبة في اليوم الثاني، وإنما يجب أن تشتري بعضَ الخضار في اليوم السابق وتَفْرُمَها وتُهَيِّئُها ... ولكنك قصّرت في اليوم السابق عمداً، فهل ترى لك من عذرٍ إن قصّرتَ في اليوم الثاني ولَمْ تفعل ما أمرك به مولاك ؟! أليس له حقّ المعاقبة ؟! أو قُلْ أليس له الحجّةُ البالغة في معاقبتك ؟! فإذا كان الأمْرُ بهذا الوضوح في المولى العرفي، فما بالُك في المولى الحقيقي ؟!

والثاني : هو نفس السؤال السابق، لكنه في مقام احتمال الوقوع في المشكلة ـ لا كما في السؤال السابق الذي كان في مقام العِلْم بالوقوع في المشكلة ـ فهل يجب الفحصُ والتعلّم فيما لو احتملنا أن نقع في المسألة ـ أي نبتلي بها ـ أوْ لا يجب الفحصُ ولا التعلّم في هكذا حالة ؟ مثال ذلك : لو احتملنا أن نبتلي في بعض أحكام الشكّ، أو احتملنا أن نبتلي بصلاة الزلزلة مثلاً، فهل يجب علينا أن نتعلّمها أو لا ؟
قد تقول : لا يجب، لاستصحاب عدم الإبتلاء، وهذا الإستصحاب هو شبهة موضوعيّة، وبالتالي لا يَثبت تكليفٌ في عهدة الشخص، أو قل لا دليل على وجوب الفحص والتعلّم في هكذا حالة .
أقول : رغم ذلك، إن كان يَظنّ المكلّفُ أنّه قد يقع في المشكلة الشرعيّة في وقتها وقد يخالف الواقع، فعليه بحكم العقل أن يتعلّم، ولو من جهة العلم الإجمالي بوقوعه عادةً في هكذا مسائل ومشاكل في حياته، وأيضاً : من جهة كثرة الروايات الآمرة بتعلّم الأحكام الشرعية . ولو فَتَحَ الفقيهُ البابَ للناس بعدم وجوب التعلّم في هكذا حالات لبقي الإنسان العامّي في جهالة، ولوَقَعَ كلُّ الناسِ أو جلّهم في مخالفة الواقع، بل من المحتمل أيضاً أن تصل بنا الحال إلى انطفاء شعلة الإسلام في مجتمعاتنا الإسلامية .


[1] مباحث الاُصول، لاُستاذنا السيد كاظم الحائري حفظه الله، ج4، ص477، من القسم الثاني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo