< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الإستدلال على حجيّة الإستصحاب

البحث الثالث : حجيّة الإستصحاب على أساس الأخبار
وَرَدَ في جملة من الأخبار ما يفيد حجيّة الإستصحاب، نذكرها روايةً رواية :
1 ـ ما رواه في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له الرجل ينام وهو على وضوء، أتُوجِبُ الخفْقَةُ والخفقتان عليه الوضوء ؟ فقال : (يا زرارة، قد تنام العَين ولا ينام القلب والاُذُن، فإذا نامت العَين والاُذُن والقلب وجب الوضوء )، قلت : فإنْ حُرِّكَ على جنبه شيءٌ ولم يَعلم به ؟ قال : ( لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيئ من ذلك أمْرٌ بَيِّنٌ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك، وإنما تنقضه بيقين آخر )[1] .
وتمام بيانها وتقريب الإستدلال بها يظهر من عدّة نقاط :
ـ في بيان الإستدلال بالرواية على الإستصحاب وإفادة أنها كبرى كليّة تجري في كلّ الموارد لا في خصوص الوضوء فنقول :
لا شكّ أنّ الرواية صريحة في إفادة الإستصحاب، وهذا لا يحتاج إلى بيان وتوضيح، فإنّ الإمام يريد أن يقول لزرارة : إنه لا اعتداد بشكّه، حتى يستيقن يقيناً أنه قد نام، وإلاّ فإنه بنحو التأكيد قد كان على وضوء، ولا يصحّ ـ عقلائيّاً ـ لمن كان على وضوء أن ينقض يقينه السابق بالشكّ اللاحق، وإنما عليه أن ينقض اليقين باليقين، فقدّم الإمامُ (عليه السلام) هذا الكلامَ ببيان الصغرى بصورة عقلائيّة ومنطقيّة، كأنه يريد أن يثير في زرارة حسّ الإرتكاز العقلائي بالإستصحاب، وأنه من الخطأ عقلائيّاً أن يأخذ الإنسانُ بالشكّ وينقض اليقين القطعي .
ثم لا شكّ أن الرواية غير مختصّة بباب الوضوء، وذلك لعموم التعليل في قوله (عليه السلام) ( وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك، وإنما تنقضه بيقين آخر ) [2]وهي كلمات تفيد ـ بنظر كلّ الناس ـ العمومَ والكُلّيّة، فإنّ قوله (عليه السلام) ( وإلا فإنه على يقين من وضوئه ) واضح في التعليل العقلائي، كما تقول ( لا تشربِ الخمر فإنه مسكر ) أو كما يقول الطبيب لمريض القرحة ( لا تأكل هذه الرمّانة فإنها حامضة )، فهنا كلّ الناس تعمّم الحرمةَ لكلّ مسكر ولكلّ حامض على مريض القرحة، وهكذا الأمر في الرواية تماماً، وإلاّ فلو كان التعليلُ في الرواية ناظراً إلى خصوص الوضوء فلا معنى ح لهذا التعليل العقلائي، لأنه لا يوجد في ارتكاز العقلاء هكذا كبرى في خصوص الوضوء، إنما الإرتكاز عامٌّ شاملٌ لكلّ الموارد . نعم نحن لا نقول بحجيّة الإستصحاب على أساس ارتكاز العقلاء، وإنما نقول بوجود الإستصحاب في ارتكازهم بشكل إجمالي فقط، كما في حالات الإطمئنان والغفلة والعادة ونحو ذلك، فإنّ العقلاء يميلون بطبعهم إلى بقاء الحالة السابقة، وهذا الميل ليس دليلاً شرعياً على الإستصحاب، لكنه موجود في ارتكاز العقلاء إجمالاً، وفي كلّ الموارد، ولهذا استدلّ الإمامُ (عليه السلام) بهذا الإرتكاز الإجمالي الموجود في كلّ الموارد عند العقلاء .
وببيان آخر : يَفهم الناسُ من هذه الرواية أنّ الإمام (عليه السلام) يريد أن يقول الشكل التالي :
هو على يقين من وضوئه (الصغرى)
ومَن كان على يقين سابق لا ينبغي أن ينقض يقينه أبداً بالشكّ اللاحق (الكبرى)
إذَنْ لا ينبغي أن يَنقض يقينَه السابق بالوضوء بالشكّ اللاحق (النتيجة)
وبالتالي تكون الكبرى هي قوله ( ولا تنقضِ اليقينَ أبداً بالشك).
فإذا عرفت هذا تعرفُ أنّ اللام في قوله (عليه السلام)( ولا تنقضِ اليقينَ ) تدلّ على جنس اليقين، لا على خصوص اليقين بالوضوء .
بل لا وجه لتخصيص قاعدة الإستصحاب بباب الوضوء، ذلك لأنّ الإستصحاب قد ورد في عدّة موارد متفرّقة .
بعدما عرفتَ صراحة دلالة هذه الرواية على الإستصحاب وأنها شاملة للوضوء وغيره علينا أن ننظر إلى تعيين المستصحب فنقول :
لا شكّ أنّ الظاهر من النصوص أنّ المستصحب هو (عدم طروء العارض المشكوك عروضه على الموضوع)، كالنجاسة المشكوكة العروض على الثوب، لا أنّ المستصحب هو الحالة السابقة المتيقّنة كالطهارة المعلومة الثبوت سابقاً .
دليلُنا على ذلك عقلائي وروائي :
أمّا العقلائي، فلا شكّ أنك علمت أنّ الإمام قد استعمل دلالة الإرتكاز العقلائي دليلاً على ما يريد البرهنة عليه، والإرتكاز العقلائي ينظر إلى منشأّ الشكّ، وإلى العلّة والسبب في تغيّر الحالة السابقة .
وأمّا الدليل الروائي، فلا بأس أن تلاحظ قول الإمام ( لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيئ من ذلك أمْرٌ بَيِّنٌ ) فإنه (عليه السلام) يفيدنا بصراحة أنّ المستصحب هو (عدم طروء العارض المشكوك) وهو النوم، وأنّ نظره هو إلى (سبب الشكّ)، لذلك يجب ـ إنسياقاٌ مع تعليل الإمام ـ أن نقول بأنّ المستصحب حقيقةً هو (عدم العارض المشكوك) .
ثم إنه سيأتيك بعد قليل صحيحةُ عبد الله بن سنان الذي يقول فيها : سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر : إنّي اُعير الذمّيّ ثوبي، وأنا أعلم أنه يشرب الخمر، ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه ؟ فقال أبو عبد الله : (صلّ فيه، ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه )[3] وهو كلام صريح فيما نقول، فإنّ الإمام (عليه السلام) يستصحبُ (عدم طروء النجاسة المشكوكة) على الثوب، وذلك لأنه يصرّح بذلك بقوله ( ولم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه )، فإذا استصحبنا عدمَ طروء الطارئ فإنه تلقائيّاً ستبقى الحالة السابقة تعبّداً .
2 ـ وروى في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال قلت : أصاب ثوبي دم رعاف ( أو غيرُه ـ يب) أو شيءٌ مِنْ مَنِيّ، فعلَّمْتُ أثرَه إلى أن أصيبَ له الماء، فأصبْتُ وحضرتِ الصلاةُ ونسِيتُ أنّ بثوبي شيئاً وصلَّيت، ثم إني ذكرت بعد ذلك ؟ قال (عليه السلام) : ( تعيد الصلاة وتغسله )، قلت : فإني لم أكن رأيت موضعه وعلِمْتُ أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلَمّا صليت وجدته ؟ قال : ( تغسله وتعيد (الصلاة - صا خ) )، قلت : فإنْ ظننتُ أنه قد أصابه ولم أتيقَّن ذلك، فنظرتُ فلم أرَ شيئاً، ثم صلَّيتُ فرأيتُ فيه ؟ قال (عليه السلام) : (تغسله ولا تعيد الصلاة )، قلت : ولِمَ ذلك ؟ قال : ( لأنك كنت على يقين من طهارتك، ثم شككتَ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً )، قلتُ : فإني قد عَلِمْتُ أنه قد أصابه ولم أدْرِ أين هو، فأغسله ؟ قال : ( تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك)، قلت : فهل علَيَّ إن شككتُ في أنه أصابه شيءٌ أن أنظر فيه ؟ قال : ( لا، ولكنك إنما تريد أن تُذهِبَ الشكَّ الذي وقع في نفسك )، قلت : إن رأيتُه في ثوبي وأنا في الصلاة ؟ قال : ( تنقضُ الصلاةَ وتعيدُ إذا شككت في موضع منه (فيه ـ خ صا) ثم رأيتَه، وإن لم تَشُكَّ ثم رأيتَه رطباً قطعت ( الصلاة ـ يب ط) وغسلته، ثم بنيتَ على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك )، ورواها في العلل قائلاً : أبي ره قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) وذكر نحوه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo