< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الرواية الثانية من أدلّة الإستصحاب
2 ـ وروى في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أصاب ثوبي دمُ رعاف ( أو غيرُه ـ يب) أو شيءٌ مِنْ مَنِيّ، فعلَّمْتُ أثرَه إلى أن أصيبَ له الماء، فأصبْتُ وحضرتِ الصلاةُ ونسِيتُ أنّ بثوبي شيئاً وصلَّيت، ثم إني ذكرت بعد ذلك ؟ قال (عليه السلام) : ( تعيد الصلاة وتغسله )، قلت : فإني لم أكن رأيت موضعه وعلِمْتُ أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلَمّا صليت وجدته ؟ قال : ( تغسله وتعيد الصلاة )، قلت : فإنْ ظننتُ أنه قد أصابه ولم أتيقَّن ذلك، فنظرتُ فلم أرَ شيئاً، ثم صلَّيتُ فرأيتُ فيه ؟ قال (عليه السلام) : ( تغسله ولا تعيد الصلاة )، قلت : ولِمَ ذلك ؟ قال : (لأنك كنت على يقين من طهارتك، ثم شككتَ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً )، قلتُ : فإني قد عَلِمْتُ أنه قد أصابه ولم أدْرِ أين هو، فأغسله ؟ قال : ( تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك )، قلت : فهل علَيَّ إن شككتُ في أنه أصابه شيءٌ أن أنظر فيه ؟ قال : ( لا، ولكنك إنما تريد أن تُذهِبَ الشكَّ الذي وقع في نفسك )، قلت : إن رأيتُه في ثوبي وأنا في الصلاة ؟ قال : ( تنقضُ الصلاةَ وتعيدُ إذا شككت في موضع منه ثم رأيتَه، وإن لم تَشُكَّ ثم رأيتَه رطباً قطعت ( الصلاة ـ يب ط) وغسلته، ثم بنيتَ على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك )، ورواها في العلل قائلاً : أبي ره قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) وذكر نحوه[1]، صحيحة السند .
تحليل الرواية :
1 ـ قال قلتُ : أصاب ثوبي دمُ رعاف ( أو غيرُه ـ يب) أو شيءٌ مِنْ مَنِيّ، فعلَّمْتُ أثرَه إلى أن أصيبَ له الماء، فأصبْتُ وحضرتِ الصلاةُ ونسِيتُ أنّ بثوبي شيئاً وصلَّيت، ثم إني ذكرت بعد ذلك ؟ قال (عليه السلام) : ( تعيدُ الصلاةَ وتَغْسِلُه ) لأنه صلّى بنجاسة ناسياً، والنسيانُ لا يصحّح الصلاةَ .
2 ـ قلتُ : فإنّي لم أكن رأيت موضعه وعلِمْتُ أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلَمّا صليت وجدته ؟ قال : (تغسله وتعيد الصلاة ) وذلك لأنّ عِلْمَه بنجاسة بعضه كافٍ في لزوم تركه للصلاة به .
3 ـ قلتُ : فإنْ ظننتُ أنه قد أصابه ولم أتيقَّن ذلك، فنظرتُ فلم أرَ شيئاً، ثم صلَّيتُ فرأيتُ فيه ؟
ما معنى قول زرارة ( فنظرتُ فلَمْ أرَ شيئاً ) هل يعني أنه صار عالماً قاطعاً بعدم النجاسة ؟
الجواب : لا، فعدمُ العِلْمِ لا يعني العلمَ بالعدم، فقد يكون شاكّاً وجاهلاً بإصابة النجاسةِ ثوبَه، وهذا يضادّ تماماً حصولَ القطعِ بعدم النجاسة . لا، بل هو صار شاكّاً فعلاً بدليل قول الإمام ( ثم شككتَ) ممّا يعني أنّ نفسَ الإمام (عليه السلام) فَهِمَ حصولَ الشكّ عنده والجهلِ بوقوع النجاسة على ثوبه، ولذلك قال الإمام تعبيرَه ( ثم شككتَ )، إذن صار زرارةُ بعد البحث شاكّاً بوقوع النجاسة على ثوبه، وليس قاطعاً بعدم النجاسة .
ما هو المفعول به في قول زرارة ( ثم صلَّيتُ فرأيتُ فيه؟ ) هل هو رأى نفس ما كان يشكّ فيه، أم رأى نجاسةً يُحتمل أن تكون جديدة حادثة ؟
كلامُ زرارة يَحتمل الوجهين :
فلعلّ ما رآه زرارة هو نفس ما كان يبحث عنه، خاصةً إذا رأى المنيّ، ذلك لأنّ المنيّ لم يقع عليه أثناء الصلاة قطعاً، وإنما وقع عليه قبل ذلك أي حينما كان نائماً، في الليل مثلاً، إذن كان ظرفُ الشكّ هو ما قبل الصلاة وأثناء الصلاة إلى حين رؤية النجاسة، وما يفيدنا هو أثناء الصلاة فقط، ولذلك كان ظرفُ جريان الإستصحاب فهو فقط أثناء الصلاة، لأنه لا أثر لجريانه قبل أو بعد الصلاة .
ويحتمل أن يكون ما رآه هي نجاسة ثانية ـ غير النجاسة السابقة ـ قد وقعت عليه أثناء الصلاة أو بعدها، كما في دم الرعاف، فيكون ظرفُ الشكّ هو مِن عند الفحص ـ قبل الصلاة ـ إلى أقصى حدّ ممكن بعد الصلاة وقبل رؤيته، طبعاً بما فيه أثناء الصلاة، لكنه قبل الصلاة وبعدها لا ينفعنا في شيء، فإذن يكفي أن نقول بأنّ ظرف جريان الإستصحاب كان أثناء الصلاة فقط . وإنما قلنا ( ويحتمل أن يكون ما رآه هي نجاسة ثانية ) لما قاله الإمام (عليه السلام) في الجواب على السؤال السادس ( وإن لم تشكّ ثم رأيتَه رطباً قطعت الصلاة وغسلته، ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعلّه شيءٌ اُوقِعَ عليك ) .
قال (عليه السلام) : ( تغسله ولا تعيد الصلاة )، قلت : ولِمَ ذلك ؟ قال : ( لأنك كنتَ على يقين من طهارتك، ثم شككتَ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً ) أي أنّ الإمام يقول له أنت كانَتْ وظيفتُك أن تستصحب طهارة ثوبك، فصلّيتَ، فأصَبْتَ وظيفتَك التي كان عليك فِعْلُها . فالإمامُ (عليه السلام) يقول بأنّ الطهارة الظاهريّة هي بمثابة الطهارة الواقعيّة في الصلاة، أي أنّ شرط الصلاة هي أعمّ من الطهارة الواقعيّة .
4 ـ قلتُ : فإنّي قد عَلِمْتُ أنه قد أصابه ولم أدْرِ أين هو، فأغسلُه ؟ قال : ( تَغْسِلُ من ثوبك الناحيةَ التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك) وهذا أمر عقليّ محض .
5 ـ قلتُ : فهل علَيَّ إن شككتُ في أنه أصابه شيءٌ أن أنظر فيه ؟ قال : (لا، ولكنك إنما تريد أن تُذهِبَ الشكَّ الذي وقع في نفسك )، وهذا يعني أنه لا يجب في هكذا شبهات موضوعيّةٍ أن نتفحّص ونبحث .
6 ـ قلت : إن رأيتُه في ثوبي وأنا في الصلاة ؟ قال : ( تنقضُ الصلاةَ وتعيدُ، إذا شككت ـ شكّاً بدْوياً ـ في موضعٍ منه ثم رأيتَه ـ أي إذا رأى نفسَ النجاسةِ التي كان يَشكّ فيها كما لو رأى المنيّ أثناء صلاتِه فإنّ صلاتَه تَبطُلُ وعليه أن يعيدها، وبتعبير آخر : هو لم يكن يعلم بأصل النجاسة، لأنه (عليه السلام) قال ( ثم رأيتَه ) أي ثم عَلِمْتَ به، وأيضاً قولُه ( في موضعٍ منه ) ثم قوله (ثم رأيتَه) إشارةٌ إلى أنّ النجاسة المرئيّة هي نفس النجاسة، وأيضاً قولُه ( تنقضُ الصلاةَ ) يدلّ على أنّ صلاتَه كانت مستحكمة وصحيحة ثم بمجرّد رؤية النجاسة انتقضت ـ وإن لم تَشُكَّ ـ يعني إن لم يحصل عندك شكّ أي كنتَ معتقِداً بالطهارة ـ ثم ـ تفاجأت بوجود نجاسة فـ ـ رأيتَه رطباً قطعت (الصلاة ـ يب ط) وغسَلْتَه، ثم بَنَيْتَ على الصلاة ـ أي يُكْمِلُ صلاتَه مِن حيث قطَعَها ـ لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ـ أثناءَ الصلاة ـ فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك )، ومعنى الرواية أنه إذا علم بسبق النجاسة فقد بطلت صلاتُه، وأمّا إذا احتمل طروء النجاسة أثناء الصلاة فإنه يغسل ثوبه ويكمل صلاته . وكان معنى الفقرة الثالثة السابقة أنه إذا علم بعد انتهاء الصلاة بأنه صلّى بالنجاسة فإنّ صلاته تقع صحيحة، بخلاف ما لو علم أثناء الصلاة بأنه صلّى بالنجاسة فإنها تبطل، ولا تناقض بين الفتوايين كما ادّعى الشيخ الأنصاري رحمه الله .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo