< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الركن الأوّل من أركان الإستصحاب

( أركان الإستصحاب )

للإستصحاب أربعة أركان : ثبوت الحالة السابقة بحجّة شرعيّة، الشكّ في البقاء، وحدة المتيقّن والمشكوك، والأثر الشرعي للإستصحاب .
(1) أمّا الركن الأوّل وهو ثبوت الحالة السابقة، فدليلُه ما رأيتَ في صحيحة عبد الله بن سنان السالفة الذكر التي يقول فيها : سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر : إنّي اُعير الذمّيّ ثوبي، وأنا أعلم أنه يشرب الخمر، ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه ؟ فقال أبو عبد الله : ( صَلّ فيه، ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه )[1]، فإنك تلاحظ أنّ الإمام (عليه السلام) اعتبر نفس ثبوت الحالة السابقة، ولم يعتبر اليقينَ بها، ممّا يعني كفاية تحقّق موضوع الإستصحاب بأي حجّة شرعيّة ـ ولو بخبر ثقة، لقولنا بثبوت الموضوعات بخبر الثقة إلاّ ما خرج بدليل، كما في الزنا والدعاوى ـ . ولهذا نعلم أنّ المراد من اليقين المذكور في الروايات السابقة هو اليقين الطريقي الآلي الكاشف عن إرادة ثبوت الحالة السابقة بأيّ حجّة شرعيّة، وليس لازماً أن تكون الحالةُ السابقة ثابتةً باليقين فقط، أي أنه ليس اليقين المذكور في الروايات المرادُ منه اليقينُ الصفتي أصلاً، وإنما المنظور هو المتيقّن .
إذن، الركن الأوّل هو في الواقع ثبوتُ الحالة السابقة بأيّ دليل شرعي، كما يقول السيد الشهيد الصدر أيضاً، وبتعبير آخر : المراد من اليقين بالحالة السابقة هو الدليل والحجّة الشرعيّة، فتعبّدنا المولى تعالى ـ إن ثبتت الحالةُ السابقة بدليل شرعي ـ ببقائها، وكأنه تعبّدنا بالملازمة ـ ظاهراً ـ بين الحدوث والبقاء .
وحتى لو قلنا إنّ المراد من اليقين في سائر الروايات هو اليقين الصفتي، فخبر الثقة ـ كما قلنا سابقاً ـ يقوم مقام اليقين شرعاً، فهو يحقّق فرداً من أفراد اليقين، شرعاً وتعبّداً، كما يقول المحقّق النائيني أيضاً، ولذلك تكونُ أدلّةُ حجيّة خبر الثقة حاكمة وناظرة إلى اليقين، سواءً الوارد في الإستصحاب أو في غير الإستصحاب ـ كما في دليل قاعدتَي الطهارة والحِلّ ـ فتوسّعه شرعاً وتعبّداً، لاحِظْ قولَه تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [2] فهي تعتبر خبرَ العادل بيّناً أو قُلْ بياناً وعِلْماً، لأنه لا يحتاج إلى تبيّن وتأكّد، بخلاف خبر الفاسق الذي يحتاج إلى التبيّن والتأكّد والإحتياط . ولذلك فإذا اعتمدت على خبر العادل فإن اللوازم الأخرى تترتّب، فمثلاً : لك أن تتّهم قوماً بناءً على قول العادل، وهذا لازم خطير، وهذا ما يعبّر عنه في علم الأصول بتنزيل الأمارة منزلة القطع الوجداني أي الصفتي .
وأمّا في الروايات الدالّة على تنزيل خبر الثقةِ منزلةَ اليقين، أو تنزيل المشكوكِ منزلةَ الواقعِ فهي من قبيل :
1 ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو مِيراث ... قلت : فكيف يصنعان ؟ قال : ( ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضَوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يُقبَلْ منه، فإنما استخف بحكم الله، وعليه رَدَّ .. )[3] فتلاحظُ أنّ الإمام (عليه السلام)نزّل حُكْمَ الحاكمِ الشرعي ـ أي الفقيه المجتهد الصالح ـ منزلةَ حكم الله جلّ وعلا، لا بل نزّله منزلة العارف بأحكامهم عليهم السلام بقوله (عليه السلام) ( وعرف أحكامنا ) فاعتبره عارفاً مع أنه قد اعتمد في 99% من فتاواه على الأحكام الظاهرية، من أمارات واصول عمليّة، وهذا يعني أنّ الشارع المقدّس نزّل الإحتمالَ الناشئ من الأمارة الحجّة أو من الأصل العملي منزلةَ العلم، إذن هناك تنزيلان .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن محمد بن عبد الله الحِمْيَري ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن إسحاق(الرازي ثقة رضيَ اللهُ عنه) عن أبي الحسن(الهادي) (عليه السلام) قال : سألتُه وقلتُ : من أعامل ؟ وعمَّنْ آخذ ؟ وقولَ مَن أَقبَلُ ؟ فقال : (العَمْري ثقتي، فما أدَّى إليك عنّي فعَنّي يؤدي، وما قال لك عني فعَنّي يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون )، قال : وسألت أبا محمد (عليه السلام)عن مثل ذلك فقال : ( العَمْرِيُّ وابنُه ثقتان، فما أدَّيا إليك عَنّي فعَنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان )[4](صحيحة من الصحيح الأعلائي) فإنّ الإمام (عليه السلام) هنا أيضاً نزّل كلام ثقته منزلة كلامه بنفسه .
إلاّ أنه يبقى في النفس شيء وهو أنّ مورد الروايتين هما ثقتا الإمامين حشرنا الله معهما وهي في مقام إفادة النيابة الخاصّة، لا في مقام تنزيل كلام مطلق الثقة منزلة كلام المعصوم عليهم السلام جميعاً .
3 ـ وفي الفقيه : قال عليّ (عليه السلام) : ( قال رسول الله (ص) : ( اللهم ارحمْ خلفائي )[5] [6]قالها ثلاثاً، قيل : يا رسول الله، ومَن خلفاؤك ؟ قال : ( الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسُنَّتي )، وهنا أيضاً نزّل (ص) الروايةَ منزلةَ نفس حديث نفسه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo