< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الركن الثاني من أركان الإستصحاب
(2) أمّا الركن الثاني ـ وهو الشكّ في بقاء موضوع الحكم ـ فدليلُه وجهان :
1 ـ اِنّ الإستصحاب حكم ظاهري وهو متقوم بالشكّ، فلا بُدّ واَنْ يُفرَضَ الشكُّ في البقاء لا محالة، وهذا أمر عقليّ محض .
2 ـ التصريح بذلك في أَلسِنَة الروايات المتقدمة .
فإذا عرفت لزومَ بقاء موضوع الحكم، إذن يجب أن يكون المتيقَّنُ والمشكوكُ واحداً، على اعتبار أنّ المتيقّن هو طهارة الثوب سابقاً، والمشكوك هو بقاء الطهارة الآن، ولك أن تقول : يُشترط وَحدةُ القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة، على اعتبار أنّ المتيقّن هو (كان طاهراً) والمشكوك هو (هل لا يزال طاهراً ؟)، ما شئت فعبّر .
ودليلُ اشتراط وَحدة المتيقّن والمشكوك هو أنه مع تغايرهما لا يكون الشك شكّاً في بقاء الموضوع، وإنما يكون الموضوع الجديد مغايراً للموضوع القديم، كما لو صار المنيّ فَرَساً .
ولذلك ما اعتبروه ركناً ثالثاً ـ وهو اشتراط وحدة المتيقّن والمشكوك ـ هو في الحقيقةِ مستنبَطٌ من الركن الثاني السالف الذكر، وليس ركناً جديداً، وذلك لأنّا كنّا نعلم بنجاسة الموضوع الأوّل لكونه مَنِيّاً، وحينما صار فرساً لا مَنيَّ حتى نستصحب نجاسته، وإنما صار الموضوع موضوعاً آخر، مغايراً للموضوع الأوّل السابق، فلا يصحّ عقلاً أن نستصحب بقاء الحكم .
وقد طبق هذا الركن الثاني على الإستصحاب في كلٍّ مِنَ الشبهتين الموضوعية والحكمية، وواجه في كلٍّ مِنَ المجالين بعضَ المشاكلِ والصعوبات كما نرى فيما يلي :

أولاً : في مجال الشبهات الموضوعية
جاء في إفادات الشيخ الأنصاري التعبيرُ عن هذا الركن بالصياغة التالية : ( اِنّه يُعتبر في جريان الإستصحاب إحرازُ بقاء الموضوع، إذ مع تبدل الموضوعِ لا يكون الشك شكّاً في البقاء، فلا يمكنك مثلاً اَنْ تستصحب نجاسة الخشب بعد استحالته وصيرورته رماداً، لأنّ موضوع النجاسة المتيقن لم يبق)[1] (إنتهى) .
ويَرِدُ على هذه الصيغةِ التسالمُ على استصحاب بقاء حياة الزوج الغائب، فلا تعتدّ الزوجةُ، ولا تقسَّمُ تَرِكَـةُ الزوج .
لا، بل تسالم الأصحابُ أيضاً على استصحاب حياة المرجع وعدالته، فيما لو شككنا في بقاء حياته، وفي بقاء عدالته أيضاً، مع أننا لا نعلم ببقاء حياته من الأصل . ولذلك قلنا : نستصحب بقاءَ القضيّة المتيقّنة سابقاً وهي قضيّة (كان زيد عادلاً) .
فلا داعي لِئَنْ نقولَ ما قاله الشيخ الأنصاري من (لزوم أن يكون المستصحَبُ عرَضاً، ولزومِ افتراض موضوع له واشتراط إحراز بقائه)، فإنّ الإستصحاب ليس اِلاّ تعبداً ببقاء القضيّة المستصحَبة، فإذا فرض كون المستصحَب ( كان زيد، وكان عادلاً) المتيقنة سابقاً أمكن التعبد الإستصحابي ببقائه، سواء كان تمامُ الموضوع في ثبوت هذا الأثر عدالة زيد أو كان الموضوع مركباً من وجود زيد وعدالته، فالميزان على كل حال وحدة القضية المشكوكة والمتيقنة المبررة لصدق نقض اليقين بالشك .

وثانياً : تطبيقه في الشبهات الحكمية
وعند تطبيق هذا الركن على الإستصحاب في الشبهات الحكمية ـ على القول بجريان الإستصحاب في الشبهات الحكميّة ـ نشأت بعض المشاكل أيضاً، إذ لوحظ اَنّا حين نأخذ بالصياغة التي اختارها صاحبُ الكفاية نجدُ اَنّ وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة لا يمكن افتراضها في الشبهة الحكمية اِلاّ في حالات الشك في النسخ بمعنى إلغاء الجعل ـ أي النسخ بمعناه الحقيقي ـ واَمّا حيث لا يحتمل النسخ فلا يمكن اَن ينشأ شك في نفس القضية المتيقنة، واِنما يشك في بقاء حكمها حينئذ إذا تغيرت بعض القيود والخصوصيات المأخوذة فيها .
والخصوصيّةُ على نحوين : (اِمّا) بأنْ تكون دخيلةً في حدوث الحكم، ويشك في إناطة بقاء الحكم ببقاء الخصوصيّة، فإذا ارتفعتِ الخصوصيةُ فإنه يُشَك حينئذ في بقاء الحكم، وذلك كما في خصوصيّة حياة المرجع في جواز تقليده، فإنّا نعلم أنّه لا يصحّ تقليد المرجع الميّت إبتداءً، أي أنه يشترط أن يكون المرجع الذي نقلّده ابتداءً حيّاً، فإذا مات حصل عندنا شكّ في بقاء جواز تقليده، وكالشك في نجاسة الماء بعد زوال تَغَيُّرِه، (واِمّا) بأنْ تكون مقوّمةً لموضوع الحكم ـ كما في نقاء الحائض ـ، فإذا ارتفعت خصوصيّةُ الحيض إرتفعت الحرمةُ .
فإذا تردّدنا في الخصوصيّة الزائلة بين كونها من النحو الأوّل ـ وهي ما يعبّرون عنها بالحيثية التعليلية ـ وبين كونها من النحو الثاني ـ وهي ما يعبّرون عنها بالحيثيّة التقييدية أي المقوّمة ـ حصل عندنا شكّ في بقاء الحكم .
كما أنّا حين نأخذ بصياغة الشيخ الأنصاري لهذا الركن نلاحظ اَنّ موضوع الحكم عبارة عن مجموع ما أخذ مفروض الوجود في مقام جعله، والموضوعُ بهذا المعنى غيرُ محرَزِ البقاء في الشبهات الحكمية، لأن الشك في بقاء الحكم ينشأ من الشك في انحفاظ تمام الخصوصيات المفروضة الوجود في مقام جعله والا لم يقع شك في الحكم .
وللإجابة عن هذه الشبهة طريقان :
الطريق الأول : اَنْ يقال بكفاية احتمال بقاء الموضوع السابق، أو قُلْ : يكفي احتمالُ بقاء القضيّة المتيقّنة سابقاً، أي أنه يُشترَطُ احتمالُ بقاء المتيقن، فكُلَّما احتملنا بقاءَ نفس المتيقن صَدَقَ حرمة نقض اليقين بالشك، ومن الواضح اَنّنا في الشبهات الحكمية نحتمل بقاء الموضوع المتيقن، لاحتمال كون الخصوصية دخيلة في الحكمِ حدوثاً، لا أنها دخيلة في الحكم بقاءً . وبتعبير آخر : لو شككنا في كون الزائل هو حيثيّة تعليليّة أو حيثيّة تقييديّة ـ أي مقوّمة للحكم ـ فإنّ لنا أن نستصحب بقاء موضوع الحكم، وذلك لاحتمال كونها حيثيّة تعليليّة، فيبقى الحكم .
وقد أجبنا سابقاً عن هذا التوهّم، وقلنا إنه لا يجري الإستصحاب في الشبهات الحكميّة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo