< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كلام السيد الشهيد حول الإستصحاب في الشبهات الحكميّة
يقول السيد الشهيد في (بحوث في علم الأصول) ج 3 ص 116 : ( الصحيح كفاية احتمال بقاء المتيقن في صدق حرمة نقض اليقين بالشك، وهذا حاصل في المقام، بل على هذا الضوء يُعرَفُ اَنّ مقتضى القاعدة جريان الإستصحاب في الشبهة الحكمية حتى ولو احتملنا أنّ الحيثية تقييدية، لأنّ تلك الحيثية التقييدية اِنما يُحتمل دخالتُها في الحكم ولا يقطع بذلك، وهو يساوق دائماً مع احتمال عدم دخالتها واحتمال بقاءِ شخص الحكم حقيقة ودِقَّةً، فلا بد وأن يجري الإستصحاب، وهذا يعني اَنّنا لا بد اَنْ نَسِير على عكس ما صنعه الأصحاب فنفتش عن وجه للمنع عن جريان الإستصحاب في موارد الحيثيات التقييدية المحتمل دخالتها في الحكم )[1].
لا يقال : اِنّ الإستصحاب موضوعُه الشكُّ في البقاء، ومحمولُه التعبّدُ بالبقاء بنحو مُفاد كان التامة، بعد الفراغ عن كونه بقاءً بنحو مفاد كان الناقصة ـ يقصد لا يزال طاهراً ـ، فما يكون بقاء يعبدنا دليل الإستصحاب بثبوته، فلا بد واَنْ يحرَز اَنّ المتعبد به على تقدير ثبوته بقاءٌ للمتيقن على كل تقدير لكي يشمله دليلُ الإستصحاب، ومع الشك فيه تكون الشبهة مصداقية له فلا يمكن التمسك به .
فإنه يقال : التعبد ببقاء المتيقن بنحو مفاد كان التامة يتوقف على صدق القضية الشرطية في مفاد كان الناقصة، أي لو كان المتيقن موجوداً كان بقاء لا القضية الفعلية وهذه القضية الشرطية لمفاد كان الناقصة صادقة في المقام أيضاً، فإنّ شخص الحكم المتيقن لو كان موجوداً في الآن الثاني كان بقاء لا محالة، واِنّما الشك في معقولية بقائه أي إمكان بقائه واستحالته، فإنه إذا كان ثابتاً للمتصف بتلك الخصوصية حدوثاً وبقاءً استحال بقاء شخصه، ومن الواضح ان احتمال استحالة البقاء لا ينافي التعبد به .
الطريق الثاني : إنّ هذا الإشكال ينشأ من الخلط بين عالم الجعل والمجعول، أي لحاظ الحكم بالحمل الشائع ولحاظه بالحمل الأولي، ونوَضِّحُ هذا المطلبَ من خلال مقدّمَتين :
الأولى : اِننا لو لاحظنا عالم المفاهيم فمفهوم الماء والماء المتغير والماء الفاقد للتغير مفاهيم ثلاثة متباينة ليس شيء منها بقاء وامتداداً للآخر، واَمّا إذا لاحظنا عالم المصاديق والوجودات الخارجية فمصداق الماء والماءُ المتغير متحدان، كما أن الماء الفاقد للتغير امتدادٌ وبقاءٌ للماء المتغير، والميزان في جريان الإستصحاب في الشبهة الحكمية ملاحظةُ الحكم بالحمل الأولي، أي بما هو صفة وعرَضٌ لموضوعه الخارجي، لا بما هو مفهوم وجعل بالحمل الشائع، واِلاّ لم يجر الإستصحاب في الشبهة الحكمية رأساً .
الثانية : كما أن الأعراض الخارجية كالحرارة مثلاً، لها معروض هو الجسم، وعلة هي النار أو الشمس، وهي تتعدد بتعدد الجسم المعروض لها ـ فحرارة الخشب غير حرارة الماء ـ ولا تتعدد بتعدد الأسباب والحيثيات التعليلية، فحرارة الماء سواء كانت بالنار حدوثاً وبالشمس بقاء أو بغير ذلك فهي حرارة واحدة لها حدوث وبقاء، كذلك الأحكام الشرعية كالنجاسة مثلاً فإنّ لها معروضاً وهو الماء وعلةً هي التغير، وتعددها يكون بتعدد معروضها لا تعدد الحيثيات التعليلية، وهذا يعني اَنّ الخصوصية التي سبَّب زوالُها الشكَّ في بقاء الحكم إذا كانت على فرض دخالتها بمثابة العلة والشرط فلا يضر زوالُها بوحدة الحكم ولا تستوجب دخالتها كحيثية تعليلية مباينة الحكم بقاء للحكم حدوثاً، واَمّا إذا كانت الخصوصية الزائلة مقومة لمعروض الحكم كخصوصية البولية الزائلة عند تحول البول بخاراً فهي توجب التغاير بين الحكم المذكور والحكم الثابت بعد زوالها .
وهكذا نستنتج على ضوء المقدمتين اَنّه كلما كانت الخصوصية غير المحفوظة في الموضوع أو في القضية المتيقنة حيثية تعليلية فلا ينافي ذلك وحدةَ الحكم حدوثاً وبقاءً، ومعه يجري الإستصحاب، وكلما كانت الخصوصية مقومة للمعروض كان انتفاؤها موجباً لتعذر جريان الإستصحاب لأن المشكوك حينئذ مباين للمتيقن ... لم يَنْتَهِ كلامُ السيد الشهيد رحمه الله تعالى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo