< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : مسلك جعل الحكم المماثل

بعدما عرفت ما ذكرنا تعرف أنّ النظر في الآثار العقليّة إنما هو ثبوتها على نحو الصفتية، لا على نحو التعبّديّة، كما كان الحال في استصحاب طهارة الثوب والماء، فقد كان ثبوت الطهارة منظوراً إليه على نحو التعبّد الاُصولي، أمّا نبات اللحيّة وموتُ زيد فإنّهما منظورٌ إليهما على نحو الثبوت الوجداني الصفتي، بمعنى أنّ نبات اللحية منظور إليه بنحو الثبوت الوجداني الصفتي، لا بنحو التعبّد المحض، وتقسيم تركة زيد واعتداد زوجته يترتّبان عقلاً وشرعاً على موت زيد . نعم، لا شكّ في كفاية البيّنةِ شرعاً في إثبات اللوازم العقلية والتكوينية، لأنّ المولى تعالى نزّل البيّنةَ ـ كما قلنا عدّة مرّات ـ منزلة العلم الصفتي الوجداني، كما نزّل مؤدّاها منزلة الواقع، بما فيهما من المدلولين المطابقي والإلتزامي .

2 ـ لزوم أن يترتّب الأثر الشرعي عقلاً على الإستصحاب، لا على المستصحَب
قد يقال بأنه لا فرق بين أن تقول بلزوم أن يترتّب الأثر الشرعي على الإستصحاب، وبين أن تقول بلزوم أن يترتّب على المستصحب ..
فأقول : إنه حتى على القول الثاني إنما يترتّب الأثرُ الشرعي على الإستصحاب عقلاً .
فإنْ قلتَ : إنّ الأثر يترتّب ـ في استصحاب عدم بلوغ الصبيّ ـ على نفس (عدم البلوغ)، فيترتّبُ عدمُ تنجّز التكاليف الشرعيّة عليه،
قلتُ : عدمُ تنجّز التكاليف ترتّب على نفس (الإستصحاب)، لأنه ترتّب عقلاً على (استصحاب عدم البلوغ) ...
فإن قلتَ : لكنْ لا يصحّ تطبيقُ (لا تنقض اليقين بالشكّ) إلاّ فيما إذا استصحبنا (عدمَ بلوغ الصبيّ) فإنه هو المعلوم سابقاً، وهو الذي لا ينبغي لنا أن ننقضه، وكذا (عدم النوم)، فيجب أن نستصحب (عدم النوم) ليترتّب عليه (لزومُ البناء على بقاء الطهارة) . لاحِظْ مثلاً قولَ الإمام (عليه السلام) ( لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيئ من ذلك أمرٌ بَيِّنٌ ) فهو يعني أنّ لزوم البقاء على الطهارة مبتنٍ على (المستصحَب والذي هو عدم طروء النوم)، ذلك لأنّ معنى الروايات هو ( إبْقَ على المستصحَب إنْ كان للمستصحب أثرٌ عملي ) . إذن الركن الثالث يجب أن يكون (لزوم أن يترتّب على المستصحب ـ كعدم البلوغ وعدم النوم ـ أثرٌ شرعي).
قلتُ : ما ذُكِرَ غير صحيح، فإنّ (عدمَ تنجّز التكاليف على الصبيّ) ترتّب على (استصحاب عدم بلوغه)، و(البناءُ على بقاء الطهارة المعنويّة) ترتّب على (استصحاب عدم طروء النوم)، وإلاّ فما هو دور استصحاب عدم طروء النوم ؟!
وكذا لو قال المولى ( إنْ علمْتَ ببقاء زيد في البيت فلا تتركِ البيتَ ) واستظهرنا الطريقيّةَ من هذا العِلم الموضوعي، أي فهمنا أنّ المراد هو : إنْ ثَبَتَ بقاءُ زيدٍ في البيت ـ بأيّ دليل، ولو بدليل تعبّدي ـ فلا تتركِ البيتَ)، فإنْ عَلِمْنا سابقاً بوجود زيد في البيت فإنّ علينا أنْ نستصحبَ بقاءَه، فيتحقّق موضوعُ الحكم السابق ـ وهو ثبوت وجود زيد في البيت تعبّداً ـ ويتنجّز ح التكليفُ بعدم جواز ترك البيت . ففي هكذا مثال تترتّب حرمة ترك البيت على (استصحاب بقائه) .
وقد تقول : لو استصحبنا عدمَ طروءِ النوم، فإنّ الأثر الشرعي ـ وهي الطهارة ـ تَرَتَّبَ على (المستصحَب وهو عدم طروء النوم) . أقول : حتى هنا يجب أن نقول بأنّ الطهارة ترتّبت على (استصحاب عدم طروء النوم) لأنّ هذا هو دور الإستصحاب ووظيفتُه .
كلّ هذا يعني أننا يجب أن نقول بلزوم أن يترتّب الأثر الشرعي عقلاً على نفس الإستصحاب، ولكن مع ذلك ليس من الخطأ الفاحش أن تقول بلزوم أن يترتّب أثر على المستصحَب، لكن الأولى جدّاً أن تقول بلزوم أن يترتّب الأثر الشرعي على نفس الإستصحاب كما اتّضح لك في كلّ الأمثلة، فإنّ المولى تعالى حينما يتعبّدنا بالإستصحاب يجب أن يترتّب أثر شرعي على (نفس الإستصحاب) لا على متعلّق الإستصحاب .

3 ـ ما هو المستصحَب ؟
لا شكّ أنه لا داعي للقول بلزوم أن نقيّد المستصحبَ، فنشترطَ فيه أن يكون موضوعاً للحكم الشرعي كطهارة الماء، ذلك لأنه قد يكون المستصحب كطهارة الثوب مثلاً، وهي شرط في الصلاة، وليست موضوعاً لحكم شرعي، لأنّ الصلاة ليست حكماً شرعيّاً، وإنما هي متعلّق الحكم الشرعي . إذن المهم أن يكون لنفس الإستصحاب أثرٌ شرعي، كما قلنا قبل قليل .

4 ـ مسلك جعل الحكم المماثل
حينما شرّع المولى عزّ وجلّ الإستصحابَ، واستصحبنا طهارةَ هذا الماء الخارجي، فقلنا : بناءً على قاعدة الإستصحاب، هذا الماءُ طاهرٌ، ظاهراً، فالسؤال هو أنّ حُكْمَنا بأنّ (هذا الماءُ الخارجيّ طاهرٌ ظاهراً) هل يعني أنّ الباري سبحانه وتعالى قد جعل هنا حكماً ظاهريّاً آخر غير قاعدة الإستصحاب إعتَبَر فيها أنّ هذا الماء طاهر، وهذا ما يطلق عليه (مسلك جعل الحكم المماثل) أم ليس هناك اعتبار آخر غير قاعدة الإستصحاب ؟
لا شكّ في أنه ليس هناك اعتبار آخر، لأنه سوف يكون لغواً محضاً، نعم أنت لو قُدِّر لك أن تسأل الباري عزّ وجل عن حُكْمِ هذا الماء الذي استصحبتَ طهارتَه لقال لك هو طاهر ظاهراً، أقول : ولكنْ هذا لا يعني أنه جلّ وعلا جَعَلَ الطهارةَ مرّة ثانية ـ أي إضافةً إلى تشريع قاعدة الإستصحاب ـ وإنما هو تطبيق ـ لا أكثر ـ لنفس قاعدة الإستصحاب، ولذلك لا يصحّ القولُ بـ جعْلِ الحكمِ المماثل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo