< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : آخر الكلام في الركن الثالث
(3) وأمّا الركن الثالث فهو (وجود أثر شرعي) لاستصحاب موضوع الحكم، وإنما قلنا "لاستصحاب موضوع الحكم" لما قلنا سابقاً مِن أنّ مِنَ الخطأ إجراءَ الإستصحاب في نفسِ الحكم مع غضّ النظر عن سببه وموضوعه، والمرادُ بـ "الأثر الشرعي" هو إثبات الحكم الشرعي الوضعي التنجيزي ـ وليس التكليفي ـ، والمقصود بـ "الحكم الشرعي الوضعي" هو الموضوع الشرعي للحكم الشرعي ـ كطهارة الماء فإنها موضوع شرعي لجواز شرب هذا الماء ـ أو شرط متعلّق الحكم الشرعي ـ كطهارة ثوب الصلاة ـ ونحو ذلك .
وقلنا "تنجيزي" لأنّ مورد جريان الاُصول العمليّة هو دائماً الشكّ، وأنت تعلم أنّ الإستصحاب لا يجري في الشبهات الحكميّة، وإنما يجري في خصوص الشبهات الموضوعيّة فقط، ففي كلّ موارد الشكّ في الشبهات الموضوعيّة يجب أن يكون مورد جريان الاُصول العمليّة هو الشكّ الفعلي المنجّز، ولذلك الأثر الشرعي لجريان الإستصحاب ـ كطهارة الثوب الخارجي ـ يجب أن يكون حكماً شرعيّاً منجّزاً، بل يجب أن يكون هذا أمراً واضحاً عند عوامّ المتشرّعة فضلاً عن علمائهم .
هذا الركنُ الثالث دليلُه وجهان[1] :
الأوّل ثبوتي : وهو حكم العقل بلزوم أن يترتّب على الإستصحاب أثر شرعي، وإلاّ إذا لم يترتّب أثرٌ شرعي ـ كأنْ يترتّبَ أثرٌ غيرُ شرعي ـ فلا يمكن جريانُ الإستصحاب ثبوتاً وعقلاً .
والوجه الثاني إثباتي، وهو أنّ أدلّة الإستصحاب ـ مثل "لا تنقضِ اليقينَ بالشكّ" ـ منصرِفةٌ متشرّعيّاً إلى ما له أثرٌ شرعي . ومثالها ما لو استصحبنا طهارةَ الثوب فالأثر الشرعي هو صحّةُ الصلاة بالثوب، وكذا لو استصحبنا طهارة الماء فإنّ الأثر الشرعي هو جوازُ شربِ الماء، وهكذا يفهم المتشرّعة من التعبّد بالإستصحاب .

* إذن، بعدما رأيتنا نبحث في هذا الركن الثالث في مثبَتات الإستصحاب وغيرها صار من الواجب علينا أن نبحث في كلّ ما يتعلّق بالركن الثالث وهي النقاط التالية :

1 ـ مثبتات الأمارات والأصول
لا شكّ أنك تعلم أنّ مثبتات الأمارات حجّة، بخلاف مثبتات الاُصول العمليّة التي كنّا نتكلّم فيها حتى الآن، أمّا وجه حجيّة اللوازم في الأمارات فقد أفاد المحقّق النائيني أنّ المولى تعالى حينما تعبّدنا باعتبار الأمارة علماً فإنّ هذا يعني أنه تعبّدنا بحجيّة الأمارة بكلا مدلوليها المطابقي والإلتزامي، وذلك لكون كلا مدلولي العلم حجّة، فكذا كلا مدلولي الأمارة حجّة . وهذا الكلام لا بأس به، بناءً على مسلكه الذي تبنّيناه وهو مسلك الطريقيّة، وقد أوضحنا دليلنا على هذا المسلك سابقاً .
هذا التنزيل بلحاظ المداليل الإلتزامية غير موجود في الأصول العمليّة، ذلك لأنّ الأصول العمليّة تَعبّدنا الشارعُ المقدّس فيها بخصوص المدلول المطابقي، ولم يتعبّدنا بالمدلول الإلتزامي ـ كنبات اللحية في المثال المشهور ـ .
مثال آخر : إذا بنينا على طهارة مدفوع حيوانٍ شَكَكْنا في كونه مأكولَ اللحم ـ كي يكون مدفوعُه طاهراً ـ أو محرّمَ الأكل ـ كي يكونَ مدفوعُه نجساً كالسباع ـ فإنه ليس لنا أن نبنيَ على حليّة أكله بذريعة الملازمة بين بنائنا على طهارة مدفوعه وحِلّيّة أكْلِه شرعاً، لأنّ قاعدة الطهارة تفيدنا جوازَ البناءِ على الطهارة وما يترتّب على الطهارة من آثار شرعية كجواز شرب الماء الذي بنينا على طهارته، ولا تفيدنا البناءَ على لوازم الطهارة من حلّيّة أكله، وذلك لأنّ حِلِّيَّة الأكل مرتّبةٌ على نفس الحيوان، لا على طهارة مدفوعه، أي أنّ حليّة الأكل من لحم هذا الحيوان ليست من آثار طهارة مدفوع هذا الحيوان، وإنما حليّة الأكل هي من آثار نفس الحيوان وجنسه، فلو أردنا أن نُثبِتَ حِليّةَ الأكلِ يلزم علينا أن نثبت جنس الحيوان أوّلاً، ثم يترتّب على جنس الحيوان حليّةُ أكله، وطهارةُ المدفوع لا تُثبِتُ جنسَ الحيوان، أي أنّ قاعدة الطهارة لا تثبت آثاراً غير شرعيّة . وأنت تعلم أنه ليس للمولى تعالى أن يتعبّدنا بغير الآثار الشرعية في الأصول العمليّة .. سواءً كان للأثر العقلي أثرٌ شرعي أم لم يكن .
فإن قلتَ : كيف تقول هذا الكلام وأنت بنفسك تقول بأنّ المولى تعالى نزّل مشكوك الطهارة منزلة الطاهر الواقعي ؟!
قلتُ : هذا التنزيل المصرّح به في موثّقة عمّار الساباطي إنما هو بلحاظ الآثار الشرعيّة فقط، كالصلاة والطواف، فمن صلّى بثوب طاهرٍ ظاهراً ـ أي قد نزّله المولى تعالى منزلةَ الطاهرِ الواقعي ـ تكون صلاته صحيحةً واقعاً، ويكون طوافه صحيحاً واقعاً، ولكنْ هذا التنزيلُ لا يفيدنا إثبات أنّ جنس الحيوان هو من مأكول اللحم .



[1] يمكن الإستفادة في هذا المطلب من مباحث الاُصول لاُستاذنا السيد كاظم الحائري : ج 5 من القسم الثاني تحت عنوان (الأصل المثبت)، ص 428 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo