< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

36/12/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الركن الثاني من أركان الإستصحاب

 

2 أمّا الركن الثاني ـ وهو الشكّ في بقاء موضوع الحكم بسبب احتمال طروء ما غيّرَه ـ فدليلُه وجهان : عقلي ونقلي :

أمّا العقلي ، فإنّ الإستصحاب حكم ظاهري وهو متقوم بالشكّ ، فلا بُدّ اَنْ يُفرَضَ الشكُّ في البقاء لا محالة .

وأمّا النقلي فللتصريح بذلك في أَلسِنَة الروايات المتقدمة .

ولا بأس أن نُعْطِي بعضَ أمثلةِ الشكوك :

لو علم شخصٌ أنّه قد أحدث ، إمّا بالأصغر وإمّا بالأكبر ، فتوضّأ فقط ولم يغتسل ، فهل يجوز له الصلاة أم لا ؟ قطعاً لا ، وذلك لأنه يجب أن يستصحب بقاءَ طبيعي الحدث .

وهل يجوز له مسُّ المصحفِ الشريف ؟ أيضاً لا ، وذلك لنفس السبب السابق وهو لزوم استصحاب كلّيّ الحدث ... وهكذا .

ولو حصل عندنا علم إمّا بطروء النجاسة على الثوب قبل ساعة ثم طهّروه ، وإمّا بطروء النجاسة عليه قبل بضع دقائق ولم يطهّروه بعد ، فإنه بلا شكّ تجري قاعدة الطهارة ـ ولا يجري استصحاب النجاسة ـ وذلك لطروء إمّا الطهارة عليه أخيراً وإمّا النجاسة ، وبتعبير آخر : لتوارد إحدى الحالتين عليه ، إمّا الطهارة قبل ساعة وإمّا النجاسة قبل دقائق .

ولو كنّا نعلم سابقاً بطهارة الإناءين ، ثم علمنا بطروء نجاسة على أحدهما ، فإننا لا يصحّ لنا ـ عقلاً ـ أن نُجري استصحابَ الطهارة في أيّ واحد من الإناءين ، فضلاً عن كليهما ، وذلك لانصراف أدلّة الإستصحاب ـ عُرْفاً ـ عن حالات الإبتلاء بالعلم الإجمالي ، وثانياً ـ على فرض جريان الإستصحابين في موارد العلم الإجمالي ـ لتعارض الإستصحابين ، وذلك لِعِلْمِنا بنجاسة أحدهما .

* فإذا عرفت لزومَ بقاء موضوع الحكم ، إذن يجب أن يكون المتيقَّنُ والمشكوكُ واحداً ، على اعتبار أنّ المتيقّن هو طهارة الثوب سابقاً ، والمشكوك هو بقاء الطهارة الآن ، ولك أن تقول : يُشترط وَحدةُ القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة ، على اعتبار أنّ المتيقّن هو الطهارة ، والمشكوك هو أيضاً الطهارة .

ودليلُ اشتراط وَحدة المتيقّن والمشكوك هو أنه مع تغايرهما لا يكون الشك شكّاً في بقاء الموضوع ، وإنما يكون الموضوع الجديد مغايراً للموضوع القديم ، كما لو صار المنيّ فَرَساً ، فلن يعتبر الشكّ شكّاً في الموضوع المتيقّن ، ولن يعتبر النقض نقضاً لليقين السابق .

ولذلك ما اعتبروه ركناً ثالثاً ـ وهو اشتراط وحدة المتيقّن والمشكوك ـ هو في الحقيقةِ مستنبَطٌ من الركن الثاني السالف الذكر ، وليس ركناً جديداً ، وذلك لأنّا كنّا نعلم بنجاسة الموضوع الأوّل لكونه مَنِيّاً ، وحينما صار فرساً ـ لا مَنيَّ حتى نستصحب نجاسته ، وإنما صار الموضوع موضوعاً آخر ، مغايراً للموضوع الأوّل السابق ـ فلا يصحّ عقلاً أن نستصحب بقاء الحكم .

وقد طُبِّق هذا الركنُ الثاني على الإستصحاب في كلٍّ مِنَ الشبهتين الموضوعية والحكمية ، وواجه في كلٍّ مِنَ المجالين بعضَ المشاكلِ والصعوبات كما نرى فيما يلي :

 

أولاً : في مجال الشبهات الموضوعية

جاء في إفادات الشيخ الأنصاري التعبيرُ عن هذا الركن بالصياغة التالية : ( اِنّه يُعتبر في جريان الإستصحاب إحرازُ بقاء الموضوع ، إذ مع تبدل الموضوعِ لا يكون الشك شكّاً في البقاء ، فلا يمكنك مثلاً اَنْ تستصحب نجاسة الخشب بعد استحالته وصيرورته رماداً ، لأنّ موضوع النجاسة المتيقن لم يـَبْقَ )[1] ، ولذلك قال الشيخ الأنصاري (بلزوم أن يكون المستصحَبُ عرَضاً ، ولزومِ افتراض موضوع له واشتراط إحراز بقائه)[2] (إنتهى) .

ويَرِدُ على هذه الصيغةِ التسالمُ ـ عند الأصحاب وعند الشيخ الأنصاري ـ على استصحاب بقاء حياة الزوج الغائب ، فلا تعتدّ الزوجةُ ، ولا تقسَّمُ تَرِكَـةُ الزوج ، مع أننا نشكّ في أصل بقاء حياة الزوج .

لا ، بل تسالم الأصحابُ أيضاً على استصحاب حياة المرجع وعدالته ، فيما لو شككنا في بقاء حياته ، وفي بقاء عدالته أيضاً ، مع أننا لا نعلم ببقاء حياته من الأصل . ولذلك قلنا : نستصحب بقاءَ القضيّة المتيقّنة سابقاً وهي قضيّة (كان زيد عادلاً) .

فإنّ الإستصحاب ليس اِلاّ تعبداً ببقاء القضيّة المستصحَبة ، حتى ولو كان الشكّ في بقاء أصل الموضوع ، فإذا فُرِضَ كونُ المستصحَب ( كان زيدٌ ، وكان عادلاً) المتيقنة سابقاً أمكن التعبد الإستصحابي ببقائه ، سواء كان تمامُ الموضوع في ثبوت هذا الأثر عدالة زيد أو كان الموضوع مركباً من وجود زيد وعدالته ، فالميزان على كل حال وحدة القضية المشكوكة والمتيَقَّنَة المبرِّرَة لصدق نقض اليقين بالشك .

 

وثانياً : تطبيقه في الشبهات الحكمية

وعند تطبيق هذا الركن على الإستصحاب في الشبهات الحكمية نشأت بعض المشاكل أيضاً ، إذ من المعلوم أنّ الموضوع في الشبهات الحكميّة قد تغيّر قليلاً ، لكن هذا الشكّ القليل أورث عندنا شكّاً في مقوّميّة الزائد على الموضوع أو الناقص منه وعدم مقوّميّته للموضوع ، ولهذا حصل شكّ في بقاء الحكم . وبتعبيرٍ آخر : دخَلَ بعضُ التغيّر على الموضوع ، ولا ندري أنّ الداخل فيه أو الخارج منه هل هو مقوّم لموضوع الحكم السابق أو لا ؟ وأنت تعلم لزوم وحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة ، كما قلنا قبل قليل ، فهل نستصحب ـ رغم هذا التغيّر ـ أم لا يصحّ أن نستصحب ، لاحتمال تغيّر موضوع الحكم ، وبالتالي يحتمل تغيّر الحكم ؟

والخصوصيّةُ الداخلة على الموضوع أو الزائلة عنه على نحوين : (فإمّا) بأنْ تكون دخيلةً في حدوث الحكم فقط دون الحاجة إلى بقائه ، وذلك كما في خصوصيّة حياة المرجع في جواز تقليده ، فإنّا نعلم أنّه لا يصحّ تقليد المرجع الميّت إبتداءً ، أي أنه يشترط أن يكون المرجع الذي نقلّده ابتداءً حيّاً ، فإذا مات حصل عندنا شكّ في بقاء جواز تقليده ، (واِمّا) بأنْ تكون الخصوصيّةُ مقوّمةً لموضوع الحكم ـ كما في نقاء الحائض ـ ، فإذا ارتفعت خصوصيّةُ الحيض إرتفعت الحرمةُ .

فإذا تردّدنا في الخصوصيّة الداخلة أو الزائلة بين كونها من النحو الأوّل ـ وهي ما يعبّرون عنها بالحيثية التعليلية ـ وبين كونها من النحو الثاني ـ وهي ما يعبّرون عنها بالحيثيّة المقوّمة ـ حصل عندنا شكّ في بقاء الحكم ، فما هو الموقف اتّجاه هذه المشكلة ؟

وقد قدّم علماؤنا بعضَ الأمثلة في المقام فقالوا :

هل أنّ المولى تعالى أجاز لنا تقليد المرجع بشرط أن يكون حيّاً وواعياً ـ أي غير مغمى عليه ـ وعاقلاً ـ لم يطرأ عليه الجنون ـ أم أجاز لنا تقليده حتى فيما لو طرأ عليه الموت بعد المرجعية أو طرأ عليه الإغماء ، ولو بسبب أننا نقلّد كتبه ، وكُتُبُه باقية ؟

وهل أنّ المولى عزّ وجلّ حَرَّمَ وطْءَ الزوجةِ إذا حاضت حتى تغتسل ، أو أنه جلّ وعلا حرّم وطأها إذا كانت فعلاً حائض، بحيث لو نقت لكان وطؤها جائزاً حتى ولو لم تغتسل ؟

وهل أنّ حكم الماء الذي تغيّر بالنجاسة هو نجس ـ حتى ولو نقى تماماً وصار صالحاً للشرب ـ حتى يزول التغيّر ويتّصلَ بماء معتصم ، أو أنّ المولى تعالى حكم بنجاسته طالما هو متغيّر بالنجاسة فقط ، بحيث لو زال التغيّر لصار طاهراً من دون حاجة إلى اتّصاله بالماء المعتصم ؟

وهل أنّ الكلب الذي وقع في المملحة سنين طويلة يبقى نجساً حتى يفنى بالدقّة العقليّة أو أنه يحكم بطهارته إذا صار ملحاً بالنظر العرفي ؟


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo