< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/01/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : في أقسام استصحاب الكُلّي

الجهة الثانية : في أقسام استصحاب الكُلّي
يمكن تقسيمُ الشكّ في بقاء الكُلّي إلى خمسة أقسام :
أحدهما : الشكّ في بقاء الكُلّي الناشئُ من الشك في بقاء أو في انعدام فرده الوحيد، سواء كان الشكّ من جهة الشك في المقتضي أو الشكّ في الرافع ـ ومثالُه اَنْ يُعلم بدخول إنسانٍ إلى المسجد، سواءً كان الداخل والخارجُ شخصاً واحداً أو أكثر ـ ثم يُشَك في بقاء إنسان داخل المسجد . وهنا إذا كان الأثر الشرعي مترتِّباً على الجامع ـ أي الإنسان ـ جرى استصحاب هذا الجامع بلا شكّ، إذ أركان الإستصحاب هنا تامةٌ .
ويُسمَّى هذا القِسمُ في كلماتهم بالقِسم الأول من استصحاب الكُلّي .
القِسمُ الثاني من استصحاب الكلّي : الشكّ في بقاء الكلّي الناشئُ من الشك في أصل حدوث فرده الوحيد، ومثالُه أن يَنذر شخصٌ أن يسبّح الله تعالى طالما في المسجد إنسان، ثم يَعلمُ بدخول إنسان في المسجد، مردّدٍ بين زيد وعمرو، ثم يَعلم بوجود زيد في الخارج، فنشكّ في كونه هو الداخل إلى المسجد ثم بخروجه، أو بعدم دخوله أصلاً، بمعنى أنه إن كان هو الداخلَ فلا إنسان الآن في المسجد، وإن كان الداخل هو عمرو، فلا فرق بين أن نعلم أنه باق أو نشكّ في خروجه، فإنّ الشكّ في بقاء الكلّي مسبَّب عن الشكّ في أصل دخول عمرو، فيجري استصحاب بقاء (الإنسان) بنظر العرف، كما يقول الإمام الخميني.
ولعلّك لاحظتَ أننا مثّلنا في مجال الشبهات الموضوعيّة دون الحكميّة، لأنك عرفت مِنّا سابقاً عدمَ جريان الإستصحاب في الشبهات الحكميّة . إذن القِسمُ الثاني هو أن يكون الشك في أصل حدوث فرد مسبِّب للشكّ في بقاء الكُلّي، فإنّ الشكّ في دخول عمرو مقرون بالعلم الإجمالي بدخول أحدهما . والصحيح ـ كما قلنا ـ هو جريان الإستصحاب في هذه الحالة إذا كان للجامع أثرٌ شرعي، ويسمَّى في كلماتهم بالقسم الثاني من استصحاب الكُلّي.
وقد يُعترَضُ على جريان هذا الإستصحاب بوجوه :
منها : اِنّه لا يقين بأصل دخول عمرو، وزيد هو الآن خارج المسجد، فالركنُ الأوّلُ منْـتَـفٍ قطعاً، لأنك تعتمد في استصحاب كلّيّ (الإنسان) على احتمال دخول عمرو، وهو غير معلوم الحدوث أصلاً، وعليه فاستصحاب بقاء كلّيّ الإنسان باطل قطعاً .
والجواب : إنّ المستصحَب هنا هو كلّيّ (الإنسان) وليس النظر إلى خصوص عمرو أصلاً، وكلّي الإنسان متيقّنٌ حدوثاً، فبذلك تمّ الركنُ الأوّل .
ومنها : إنّ الركن الثاني منْـتَـفٍ، إذ لا شك في البقاء، إذ دخول عمرو مشكوكُ الحدوث أصلاً، فلا نصل إلى مرحلة الشكّ في بقاء عمرو، وزيد الآن خارج المسجد قطعاً، فأين الشكّ في الجامع المكوّن منهما لا غير ؟!
وبتعبير آخر : إنّ الوجود القصير للكُلّي ـ وهو وجود زيد ـ لا يُحتمَلُ بقاؤه، لأنه الآن خارج المسجد، والوجودُ الطويل له ـ المتمثّلُ بوجود عمرو ـ لا فرق بين أن نعلم ببقائه على فرض دخوله، أو نشكّ في خروجه على فرض دخوله، وليس هناك في مقابلهما اِلاّ المفهومُ الذهني الذي لا معنى لاستصحابه أصلاً، لأنه ليس هو موضوعَ وجوب التسبيح، فماذا تستصحب ؟!
والجواب : نحن عندنا علم إجمالي بدخول أحدهما، هذا العلم الإجمالي يكفي في صحّة استصحاب بقاء الجامع عرفاً بل عقلاً، وقد صار في المسجد إنسان قطعاً، وزيد قد خرج قطعاً، وأمّا عمرو، فلو كان هو الداخل فقد نعلم ببقائه وقد نشكّ ببقائه، فيصحّ قطعاً أن نستصحب بقاء كلّي الإنسان، وأنت تعلم أنّ نَظَرَنا هنا إنما هو إلى الجامع، لا إلى الأفراد، فيصحّ أن نقول إنّ الجامعَ ـ أي كلّيّ الإنسان ـ مشكوك البقاء قطعاً .
ولك أن تقول : إنّ الشك واليقين اِنما يعرضان الواقعَ الخارجي بتوسط العناوين الحاكية عنه، فلا محذور في أن يكون الواقعُ بتوسط العنوان التفصيلي مقطوع البقاء ـ كعمرو ـ أو مقطوعَ الإنتفاء ـ كزيد ـ، وبتوسط العنوان الإجمالي ـ ككلّيّ الإنسان ـ مشكوكَ البقاء، ومصبُّ التعبد الإستصحابي دائماً ينظر إلى ذي الأثر الشرعي، ونظرنا في مسألة الإنسان هنا هو إلى جامع (الإنسان) لا إلى الأفراد .
ومنها : أنّ استصحاب الكُلّي يَحكم عليه استصحابُ عدم حدوث الفرد الطويل الأمد ـ وهو عمرو ـ، لأنّ الشك في بقاء الكُلّي مسبَّب عن الشك في حدوث هذا الفرد .
والجواب : حينما يعلم الإنسانُ بالعلم الإجمالي بدخول أحدهما، ثم نعلم بوجود زيد خارج المسجد، فإننا نشكّ في ارتفاع كلّي الإنسان المعلوم الحصول بالعلم الإجمالي، فلا يُنظَرُ حينها إلى الأفراد .
ومنها : إنّ استصحاب الكُلّي معارَض باستصحاب عدم الفرد الطويل إلى ظرف الشك في بقاء الكُلّي، لأنّ عدم الكُلّي عبارة عن عدم كلا فردَيه، والفردُ القصير الأمد معلوم الإنتفاء فعلاً بالوجدان، والفرد الطويل الأمد محرز الإنتفاء تعبّداً باستصحاب عدم حدوثه أصلاً، فهذا الإستصحاب بضَمِّه إلى وجود زيد في الخارج، يشكّلانِ دليلاً على عدم الكُلّي فعلاً، فيعارِض استصحابَ الكُلّي .
والجواب : لا معارَضةَ في البَين، إذ أنّ استصحاب بقاء الجامع صحيح، واستصحابُ عدم دخول عمرو غير صحيح، إذ أنّك إنِ استصحبت عدم عمرو فسوف يعارِضُه استصحابُ عدمِ زيد، فإذن لا يصحّ استصحابُ عدم عمرو أصلاً .
ولكن بعدما وصلت إلى هنا طرأ في نظري أنّ الناذر إذا كان ناظراً إلى الخارج فإنه يصعب الإستصحاب في هكذا حالة ........ وللبحث تتمّة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo