< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/02/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الإستصحاب السَّبَبي والإستصحاب المسبّبي
الإستصحاب السَّبَبي والإستصحاب المسبّبي
لعلّك تتذكّر أنّ الإستصحاب السببي هو الذي يعالج الموضوع في مرحلة السبب، وأنّ الإستصحاب المسبّبي يعالج الحكم في مرحلة متأخّرة . مثال ذلك : لو استصحبتَ كريّةَ الماءِ الموجود في الخزّان على السطح، وفتحتَ حنفيّةَ الخزّان على طشت في المنزل، ووضعتَ ثوباً متنجّساً فيه لتطهّره، فأنت حينما استصحبتَ كريّةَ ماء الخزّان، فأثرُ هذا الإستصحاب هو اعتصامُ ماءِ الطشت، وعليه فإذا دلّكتَ الثوبَ في الطشت حتى ذهبت النجاسةُ فقد طَهُرَ الثوبُ بلا شكّ . إستصحابُك لكريّة ماء الخزّان هو (إستصحاب سببي)، واستصحابُك لنجاسة الثوب هو (استصحابٌ مسبّبي)، فالسؤالُ هنا هو :
هل لك أن تُجري استصحابَ نجاسة الثوب بذريعة أنّ الثوب كان متنجّساً، ولم نعلم بطهارته، لأنّ استصحاب كريّة الماء، وبالتالي اعتصام ماء الطشت، ثم الحكمُ بطهارة الثوب، هي اُمور تعبّديّة، لا تكوينيّة، ولذلك فنحن نشكّ ـ بالفعل ـ بحصول طهارة الثوب، فلماذا ـ إذن ـ لا نستصحب نجاستَه، مع أنّ قاعدة الطهارة تقول "كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمتَ فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك شيء"، وأنا لا أعلم بطهارة ماء الطشت واقعاً !!
الجواب : عرفتَ في الأبحاث السابقة مفصّلاً أنّ معنى اشتراط الطهارة في الصلاة هو ثبوتها ولو بنظر الشرع، أي حتى ولو ثبتت الطهارة بأمارة أو بأصل شرعي، ولذلك حينما تأمرنا الروايات بإجراء استصحاب كريّة الماء ـ مثلاً ـ فلا فائدة من ذلك إلاّ ترتيبَ آثار هذا الإستصحاب، من صيرورة ماء الطشت معتصماً وحصول طهارة الثوب ... وبتعبير آخر : أنت تفهم من أدلّة الإستصحاب أنها تنزّل المشكوكَ النجاسةِ منزلةَ الطاهرِ الواقعي ظاهراً أي تعبّداً، فأنت إذَنْ عالِمٌ شرعاً وتعبّداً بكون ثوبك طاهراً، فـتـنـزّل قاعدةُ الإستصحاب المستصحَبَ مَنزلةَ الطاهرِ الواقعي بوضوح . وبتعبير ثالث : لا شكّ أنّ الأحكام الظاهرية ـ مع فقدان العلم بالأحكام الواقعية ـ وظيفتها تنجيز التكليف والتعذير عنه، فقاعدة الإستصحاب في الواقع تأمرك بأن تعتبر ثوبك ـ شرعاً ـ طاهراً، حتى ولو كان متنجّساً واقعاً، فهي توسّع الطهارة المأخوذة في الصلاة والطواف وغيرهما، ولذلك أسموها (حاكم)، فهي حاكمة على اشتراط الطهارة في الماء الذي نريد شربه وحاكمةٌ على اشتراط الطهارة في الثوب الذي نريد الصلاة فيه، فكأنها تقول "هذا الثوب هو طاهر شرعاً، وعلى هذا اعمل". المهمّ هو أنّ ثوبك طاهرٌ بنظر المولى تعالى، فإذن لك أن تعتبره طاهراً وتصلّي فيه، أو قُلْ : هذا الثوب هو مصداقٌ للطاهر .
ولا بأس أن تراجع أبحاثَ تنزيل الأصول العمليّة للموضوعات منزلة الواقع، فلا نعيد .
فإذا عرفت ما نـقول تعرف أنّه لا يبقى محلّ لإجراء استصحاب نجاسة الثوب، بعدما حكمنا باعتصام ماء الطشت وبصيرورة الثوب طاهراً . وهذا معنى قول علمائنا بتقدّم الإستصحاب السببي على الإستصحاب المسبّبي، بمعنى أنّ الإستصحاب المسبّبي لا يجري من الأصل، لا أنه يجري ثم يسقط .
لا بل إنّ كلّ علمائنا يُجْرُون قاعدةَ الطهارة في ماء الإناء ـ فيما لو لم نعلم بحالته السابقة ـ ويرتّبون على ذلك طهارةَ الثوب، ولا يجرون استصحابَ نجاسة الثوب أصلاً، وذلك لنفس قاعدة تقدّم الأصلِ السببي على الأصل المسبّبي، ويقولون بأنّ ما يُفهم من قاعدة الطهارة ونحوها من الأصول العمليّة هو تنزيل مؤدّاها منزلة الواقع شرعاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo