< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/02/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الإستصحاب التعليقي

الإستصحاب التعليقي

مِثالُه : إن كانت القضيّةُ الشرعيّة هكذا "العصيرُ العنبي إن غَلَى فإنه يحرم" ثم جفّ العنب ويبس ، وغليناه ، فهل تبقى هذه القضيّةُ الشرطية أم لا ؟

الجواب : لا شكّ ـ في المثال المذكور ـ في لزوم البناء على بقاء موضوع الحكم وهو بقاء العِنَبِيّة ، وذلك لاحتمال عدم دخالة اليبوسة في موضوع الحكم ، أي يجب أن نجري الإستصحاب في الموضوع ، ما أمكننا ذلك ، طبعاً بعد فرض عدم العلم بتغيّر الماهيّة والحقيقة ، وإلاّ فلا شكّ في عدم جريان الإستصحاب حينئذ . والأثرُ الشرعي لهذا الإستصحاب الموضوعي هو أننا نطبّق صغرى غليان الزبيب على كبرى (بقاء الحكم الشرعي تعبّداً وظاهراً بوجوب البناء على حرمة العصير العنبي إذا غلى) فنخرج بنتيجة واضحة وهي حرمة هذا الزبيب المغلي .

بتعبير آخر : لو قُدِّرَ لك أن تسأل الله جلّ وعلا عن حكم الزبيب إذا غلَى لأجابك ( إبني على بقاء الموضوع ما أمكن ، حتى تعلم بتغيّر حقيقة العنب) .

وقد ذهب بعض علمائنا إلى القول بجريان الإستصحاب في الأحكام المعلّقة كالشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية والمحقّق العراقي ، وأنكر صحّتَه البعضُ الآخر كالمحقّق النائيني والسيد الخوئي .

وقال اُستاذنا السيد أحمد المددي حفظه الله في محضر الدرس : إنّ إسم الزبيب هو غير إسم العنب ، كالحُصْرُم تماماً ! ولذلك إذا حلف الإنسان أن لا يأكل العنب فله أن يأكل الزبيب ، وذلك لأنّ الأحكام تتبع المسمّيات ، وتغيّرُ الأسماءِ إشارةٌ إلى تغيّر الحالات ، فكيف تستصحبُ ؟! على أنّ الإستصحاب أمْرٌ عقلائي ، وهل العقلاء يستصحبون الموضوع أو الحكمَ في هكذا حالة ؟!

قلتُ : نحن لا نستصحب الإسمَ ، إنما نستصحبُ بقاءَ ماهية العنب وحقيقتها ، ولا دخل لنا بالإسم ، فمع الشكّ في تغيّر الحقيقة والماهيّة علينا أن نتمسّك بـ (لا تنقضِ اليقين بالشكّ) ، حتى مع علمنا بتغيّر الحالة ، فليست كلُّ حالةٍ علةً لتغيّر الحقيقة والماهية . على أنّ العقلاء يستصحبون بقاءَ الماهية والحقيقة ما أمكن ، بل هذا هو دور الإستصحاب بالدقّة .

نعم ، لو تغيّر شيءٌ أساسي في الموضوع ـ كما في موت المرجع أو في نقاء الحائض من الحيض ـ لقلنا بأنّ هذه الشبهة حكميّة ، فلا يجري الإستصحاب حتماً ، لأنّ الأصل ح لزومُ الرجوع إلى العمومات الفوقانية كالبراءة والحليّة ، لكن في مثال العنب فإنه يمكن استصحاب بقاء نفس الموضوع ، كما في عمي المرجع .

إذن ، إذا شككنا في تغيّر الموضوع فعلينا أن نستصحب بقاءَه ، وإن علمنا بتغيّر الموضوع فلا يجري الإستصحاب ، لعدم انحفاظ المستصحَب .

من هنا تعرف أنّ نظرنا كان ـ دائماً ـ إلى الموضوع ، وليس إلى القضيّة السببيّة ، التي هي جعْلٌ ، وأنت تعلم أنّ الإستصحاب لا يجري في الجعولات ـ أي في الأحكام ـ لأكثر من سبب ، فإنّ الأصل عدم الجعل ، وح يكون المرجع هي العمومات الفوقانيّة ، كما في موت المرجع ، فإننا لا نستصحب بقاء جواز تقليده ، وإنما نرجع إلى عموم عدم جواز التقليد ، وكما في نقاء الحائض ، فإننا لا نستصحب حرمة مقاربتها ، وإنما نرجع إلى عموم عدم الحرمة ، أو قل لأنّ الأصل جواز مقاربة الزوجة ... وإنما يجري الإستصحابُ في الموضوعات فقط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo