< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : إستصحاب بقاء الشرائع السابقة

إستصحاب بقاء الشرائع السابقة وعدمُ نسْخِها

موضوع البحث هنا هو فيما إذا شُكّ في نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة فهل يصحّ استصحاب بقائها ، للعمل بها أم لا ؟

الجواب أوّلاً باختصار : لا شكّ أنّ أحكام الشرائع السماويّة هي المناسبة ـ عقلاً وتكويناً ـ لموضوعاتها ، ولا يفرق الحال بين كون الإنسان يعيش في الكهوف ويركب الدوابّ كما كان منذ آلاف السنين وإلى يومنا هذا في بعض الأدغال الأفريقيّة ، أو يعيش في القصور ويركب السيّارات والطيّارات ، وذلك لأنّ القوانين تنزل لتعالج أمور الإنسان من حيث هو إنسان ومن حيث هو عبد لله سبحانه وتعالى ، فترى اللهَ تبارك وتعالى يقول في القرآن الكريم [ يا أيّها الإنسان ] و [ يا أيّها الناس ] فهو يخاطب الناس ، كلّ الناس ، أينما كانوا وكيفما كانوا ، ولذلك لا ترى في القرآن الكريم آيةً تشير إلى وجود تغاير بين شرائعهم وشريعة الإسلام الحنيف ولو في حُكْمٍ واحد . فالأصلُ أنها باقية ما بقي الدهر من عصر آدمt إلى قيام الساعة ، ولذلك فلا يُعقَلُ التغييرُ فيها أو قُلْ لا مقتضِي للتغيير إلاّ إذا اقتضت الظروفُ القاهرةُ تغييرَ بعضِها ـ كما في عقوبات الله تعالى لبني إسرائيل ـ فيُقتصَرُ التغييرُ على هذا الحكم الذي تغيّر موضوعُه ـ أي ظروفه ـ ولكننا نحتاج إلى دليل على التغيير ، إذن فهي المرجع حيث نحتاج إلى مرجع شرعي ، ويكون الإستصحاب الشرعي تأكيداً لأصالة بقائها العقليّة .

تفصيلُ ذلك : لا شكّ في كمالِ اللهِ تبارك وتعالى ، وفي أنه لا يسهو ولا ينسى ولا يخطئ ، ولا شكّ في أنّ الإنسان في أوّل الخلق كالإنسان في آخر الخلق ، من حيث عقله وفطرته ومصالحه الإنسانية والعبوديّة ، حتى وإن تغيّرت أساليب حياته فصار عنده سيّارات وطيّارات وكمبيوتر ، لكن هذا لا يغيّر من وحدة عقله وكونه عبداً لله يجب أن يعبد الله ويطيعَه بالطريقة التي يراها الله مناسبة ، كما أنه يبقى العدل عدلاً والظلمُ ظلماً حتى وإن انتقل الإنسان من المغارة إلى قصر جميل . كما لا شكّ انّ الباري سبحانه وتعالى حينما يريد أن يقنّن القوانين فإنه يضع الأحكام المناسبة ، فإذا كان المقنّنُ واحداً ، والإنسانُ واحداً ، فيجب أن تكون الشرائع السماويّة هي نفسها من حين أنزل الله أوّل إنسان على هذه الأرض إلى آخر إنسان فيها ، ولذلك كان الأصلُ هو بقاء الشرائع السماويّة كما هي ، من أوّل البشريّة إلى آخرها ، ولا دليل على ادّعاء (أصالةِ نسْخِ كلّ الشرائع السابقة) أصلاً .

حتى لو اختلفت بعض الظروف المغايرة للظروف الحديثة فإنّ المقنّنَ الحكيمَ جلّ وعلا يضع أحكاماً لها ، وهذا ليس تغييراً للأحكام السابقة ، لا ، وإنما هي موضوعات مغايرة للموضوعات السابقة . وعليه فالأصلُ بقاء الشرائع الإلهيّة كما هي ، ولا يمكن عقلاً أن تكون باطلةً أو خاطئة ، وإن أردت إجراء الإستصحاب فلا مشكلةَ ثبوتاً ـ أي عقلاً ومتشرّعيّاً ـ في القول بصحّة استصحاب بقاء بعض أحكام الشرائع السابقة مع عدم العِلْم بنسخها بالشريعة الإسلاميّة ، لكنْ ـ قطعاً ـ يجب الفحص أوّلاً في شريعتـنا الغرّاء لاحتمال وجود تغيير فيها ، وذلك لوجود عِلْمٍ بنسخ بعض أحكام الشرائع السابقة ، وليس النسخ هو من باب نسخ الخطأ بالصحيح ، وإنما هو من الحسن إلى الأحسن ، وهذا هو مرادنا بالنسخ ، فما لم يثبت النسخُ والتغييرُ فلا مشكلة ـ ثبوتاً ـ في إجراء استصحاب بقاء بعض أحكام الشرائع السابقة ، لكنْ هذا الإستصحابُ ـ بما أنه أصلٌ عمليٌّ ـ يكون جارياً في حال الشكّ فيما قلناه ، إذن فليُعتبَرْ الإستصحابُ دليلاً آخر على أصالة بقاء الشرائع السابقة ، أو قُلْ : هذا نور على نور ، وبهذا الإستصحاب قال بعض العلماء كالشيخ الأعظم الأنصاري وصاحب الكفاية[1] .

وخالف في ذلك جمعٌ آخرُ كالمحقق الحلّي في الشرائع وصاحبَي القوانين والفصول على ما حكي عنهما ، وكذلك أنكر الشيخُ ناصر مكارم الشيرازي حفظه اللهُ صحّةَ جريان استصحاب بعض أحكام الشرائع السابقة فقال : (في جريان استصحاب الشرائع السابقة نقاش ، من ناحية عدم صحّة جريان لا تنقضِ اليقينَ بالشكّ ، وإنما انقضه بيقين آخر ، فالشريعة عندما تُنسخ فإنّ جميع قوانينها وأحكامها سوف تنسخ !! لا أنّ أصل الشريعة يقع في دائرة النسخ باستثناء بعض أحكامها !! ولذا كان المسلمون ـ في الصدر الأوّل للإسلام ـ ينتظرون الوحيَ الإلهي في كلّ مسألة من المسائل ، ولم يتمسكوا بأحكام الشرائع الماضية)(إنتهى)[2] .

أقول : لم يأتِ سماحةُ الشيخ بدليلٍ على ما يقول ، إن هي إلاّ ادّعاءات ، وأمّا انتظارهم نزول الوحي فهذا لا يلغي مشروعيّة استصحاب بقاء بعض الأحكام السابقة ، على أنّ انتظار نزول حكم في الحوادث الواقعة هو أمر فطري ، لكن بعد وفاة رسول الله الأعظمw وعدمِ عِلْمِنا بتغيير الحكم في شريعتنا الخاتمة ، في المورد الفلاني ، فما المانعُ من الرجوع إلى ما نعرفه من أحكام في الشرائع السابقة ، كقضيّة القرعة التي طبّقها أنبياءُ الله كزكريّا ويونسo ، وكحرمة الربا ، فعلى فرض عدم ورود حرمة الربا في الشريعة الإسلاميّة ما هو المانع من التمسّك بقوله تعالى[ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ الله كَثِيراً وأَخْذِهِمُ الرِّبَا وقَدْ نُهُوا عَنْهُ ، وأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً ] [3] ، وكجواز الجهالة الجزئيّة في مقدار الجعل ، استشهاداً بقوله تعالى ـ في حكاية قصة مؤذن يوسف على نبينا وآله وعليه السلام ـ [ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ ، وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)] [4] ، لا بل العقل الصافي يقبل الجهالة الجزئيّة في مقدار الجعل ، لأنه أشبهُ بالهديّة ، والعامل لم يسأل عن مقدار الجعل بالدقّة، فإقدامُه كافٍ في إلزامه بأقلّ ما يصدق عليه الجعل المعروض.

لا ، بل لا يجوز ـ إثباتاً ـ إنكارُ شرائع الله السابقة إلاّ بدليل على النسخ ، بل المقتضي لجريان الإستصحاب في الشرائع السابقة هو إطلاق أدلّة الإستصحاب ووجود أركانها ، والمانع مفقود .

لا ، بل لك أن تستدلّ بما هو أقوى من الإستصحاب وهو الإطلاق الأزماني لتلك الأحكام بعد عدم وجود مقيّد بتلك الأزمان والأشخاص ، فإذا شككنا في تقييد هذا الإطلاق بزمان فعلينا أن نتمسّك بالإطلاق ، والإطلاق أمارة تقدّم على الأصل العملي ، ولذلك قدّمنا الإطلاقَ على الإستصحاب لكونه وارداً عليه

بل لك أيضاً أن تؤيّد الإستصحابَ بظهور ثبوت الأحكام في الشرائع السابقة بنحو القضية الحقيقية لعامّة المكلفين لا لخصوص تلك الملة السابقة ، فإنه من البعيد جداً أن يقول المعصوم (إنّ الإستفادة من القرعة أو من الحكم بحرمة الربا أو من الحكم بجواز الجهالة الجزئيّة بمقدار الجعل ـ في الجعالة ـ إنه في شريعتنا (هذه الأحكام خطأ ، لا تعملوا بها)" !! وأنت تعلم أنّ هذا الظهور هو أيضاً أقوى من الإستصحاب لأنه أمارة ، والإستصحابُ أصل عملي .

1 ـ فإنْ قلتَ : لكنْ يوجدُ علمٌ إجمالي بارتفاع بعضها !

قلتُ : هذا العلم الإجمالي منحلّ بالأحكام الكثيرة المعلومة لدينا ، فلا يبقى عندنا علم بمغايرة بعض أحكامهم ـ التي نحن بصدد الإستفادة منها ـ عن الأحكام المجهولة عندنا .

وإن قلتَ : هذا استصحاب في الشبهات الحكميّة ، وأنت لا تقول به !!

قلتُ : نحن هنا إنما نستصحب عدمَ طروء النسخ على الأحكام المرادِ استصحابُها لا أكثر ، وبالتالي نبني على بقائها ، وهذا لا إشكال فيه أصلاً ، وليس هذا من قبيل نقاء الحائض التي تغيّرت حالتها المحتملُ دخالتُها في موضوع الحكم . ونحن إنما ننكر جريان الإستصحاب في مثل مسألة الحائض التي نـَقَت والمرجع الذي مات ، لا في حالة احتمال بقاء الحكم الشرعي ونسخه ، ولذلك نحن نستصحب بقاء الأحكام الواردة في شريعتنا التي نشكّ في نسخها بلا أي إشكال في ذلك .

وإن قلتَ : الثابتُ في أحكام الشرائع السابقة هو أنها نزلت لأُولئك الأناس الذين كانوا موجودين في تلك المرحلة الزمنيّة السابقة ، ولم يُعلم بنزولها لنا نحن أيضاً ، أي لم يُعلم بشمولها لنا أيضاً ، فكيف تستصحبها وأنت لا تعلم بأصل ثبوتها لاُمَّتِنا هذه ولزماننا هذا ؟! أي كيف تستصحب والركنُ الأوّل للإستصحاب غيرُ موجود ؟! وبتعبيرٍ آخر : ألا تحتمل دخالةَ الزمان السابق في الحكم السابق ؟!

قلتُ : نحن نفرض الآن أننا لا ندّعي العلم الوجداني بشمول تلك الأحكام لهذه الاُمّة وإلاّ لانتفى أصل البحث ، ولكننا نشكّ ، فنـتمسّك بظهور إطلاق وشمول تلك الأحكام لكلّ زمان ومكان ، وهو ما يطلق عليه بـ (الإطلاق الأزماني) ، إذ يفهم الناس مِن ذِكْرِ القرعةِ في القرآن الكريم ـ والذي نزل لهداية البشر ـ وأنها فَعَلَها الأنبياءُ iيفهمون من هذه القرائن أنها مشروعة لكلّ زمان ومكان ، ويفهمون من جواز الجَهالة الجزئيّة في مقدار الجعل ـ كما في قصّة يوسف t ـ أنها مطلقة حتى لزماننا ، لأنّ ذِكْر اللهِ تعالى لها يشير إلى تشريع هذا الحكم مطلقاً أي حتى في زماننا ، وكأنه يدعونا إلى ذلك ، ولا أقلّ أنه يوهم عوامّ الناس بجواز الجهالة في الجعل بمقدار جزئي ، مع عدم التنبيه على خطأ ذلك في الروايات ، وكذا لو ورد بعض الأحكام الشرعيّة من الشرائع السابقة على ألسنة أئمّتنا المعصومين i، فالمتبادر عند المتشرّعة جوازُ أو وجوب اقتدائنا بالأنبياء السابقينi بدليل أنّهم يرَون أنّ دين الله واحد إلاّ ما ظَهَرَ تغييرُه ، وأنّ الأصل هو أنها حقّ كلّها ، بل عين الحقّ ، على ما هي عليه ، لكلّ زمان ومكان ، لأنها صادرة من ساحة الألوهيّة المقدّسة ، وأنّ الأصل هو عدم المقتضي لتغيير الأحكام الإلهيّة ، فالمتشرّعة يرون أنّ دين الله منذ أن جعل آدم نبيّاً هو دين المؤمنين في كلّ زمان ومكان ، قال الله تعالى[وَمَا أُمِرُوا ـ أي تلك الملل السابقة ـ إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ] [5] أي دِين المِلّة القَيِّمَة على الملل ، أو : وذلك هو دين العدالة القيّم على الناس وعلى قوانينهم الوضعيّة لكونه من الله عزّ وجلّ ، ويحتمل أن يكون المعنى هو أن القرآن فيه الكتب السماوية القيمة السابقة لأنه يضم جميع محتوياتها وزيادة .

وأمّا احتمالهم دخالةَ الزمان السابق في الحكم السابق ، فنقول : شأنُ الاستصحاب إلغاءُ هذا الإحتمال .

المهمّ هو أنه إذا انتقل الإنسان من المغارة إلى قصر جميل وصار عنده كمبيوتر وسيّارة وزُفّتت الطرقات فهذا لا يقتضي تغييرَ حُكْمِ الجعالةِ ـ مثلاً ـ وأنه بعدما كان جائزاً أن يكون الجعلُ مجهول المقدار جزئيّاً صار من المحتمل أن لا يجوز ذلك ، فأيّ ربط بين الكمبيوتر والجعالة ؟! أو أنه بعدما كانت القرعة هي تفويض الأمر إلى الله في اختيار الأصلح للإنسان صارت القرعة باطلة شرعاً ولا يُعتمَدُ عليها ؟! فأيّ ربط بين العيشة الجميلة والعيشة في الكهوف بالقرعة ـ مثلاً ـ أو بقضيّة حرمة الربا ؟! لذلك كان الأصلُ عدمَ النسخ أصلاً ، إنما قد تـتغيّر بعضُ الظروف فاقتضَى الأمرُ أن تـتغيّر الأحكام بحسبها . ولذلك إذا عرفت أيّ حكم من أحكام الشرائع السابقة لا تراها متغايرةً مع أحكام شريعتـنا ، نعم هناك عقوبات لبعض الناس اقتضت أن يحرّم اللهُ عليهم بعضَ الأمور ، لكن هذه عقوبات مؤقّتة طالما كانوا على المعصية ، هذه العقوبات أوهمت بعض الناس أنّ الشرائع السابقة قد نسخت ، لاحِظْ قولَهQ[ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ البَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِـبَغْيِهِمْ ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ] [6] ، فإذاً هذا ليس حكماً مؤبّداً ، وإنما هذا عقاب ، أي طالما كانوا على البغي . هكذا آياتٌ أوهمَتْ بعضَ الناس بأنّ الإسلام نَسَخَ ما قبله حتى اشتهر على ألسنة الناس من غير دليل ولا أساس ، وإلاّ فلا دليل على أنّ صلاتهم كانت غير صلاتنا ، أو صيامهم غير صيامنا ، أو حجّهم ، أو خمسهم ... لاحِظْ كلّ ما ورد في كتاب الله تعالى في أحاديثه عن شرائع السابقين ترى أنه لا دليل على وجود اختلاف فيها عن شريعتنا حتى بمقدار شعرة ، اُنظر مثلاً قولَ اللهِ تعالى لمريم u[يَا مَرْيَمُ اقْـنـُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ] [7] وكما في آيات الحجّ الواردة مع نبيّ الله ابراهيمt كما في قوله تعالى[ وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ] [8] وكما في الكلمات التي نطق بها عيسى بن مريم oعند ولادته قال[ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ ] [9] ، كلّ هذا يعني أنّ شرائعهم كانت نفس شريعتنا ، إلاّ أنهم حرّفوها كما حرّف الفسّاق في زماننا بعض شريعتنا ، ولولا الأئمّة المعصومون وعلماؤنا المجاهدون لما وصلت إلينا شريعة رسول الله صافية نقيّة ، وتلاحظ أيضاً مِن وَحدةِ هذه الآيات مع ما هو في شريعتنا أنّه إذا صار عندنا سيّارات وطيّارات فالعبادات لا تختلف ، لاحظ الآيات السابقة تعرف أنهم كان عندهم ـ بالترتيب ـ قنوت وسجود وركوع حتى في صلاة الجماعة ، والكعبة المعظّمة كانت لهم مرجَعاً يثوب إليها الناس أي يرجعون إليها بعد ذهابهم عنها مرّةً بعد اُخرى ، ويجتمعون فيها بعد التفرّق عنه ، يقال (ثاب فلان إلى الله) أي تاب إلى الله وأناب إليه وعاد ورجع إلى طاعته ، ويقال أيضاً ثاب الناسُ أي اجتمعوا وجاؤوا ، وثابَ الماءُ إذا اجتمع في الحوض ، وكان عندهم صلاة وحجّ بما فيه من طواف واعتكاف في المسجد الحرام ، وكان عندهم زكاة ... ولذلك فالحقّ أنّ الإسلام أكمل ما قبله ، لا نَسَخَ ما قَبْلَه ، وأقصى حدّ لك أن تذهب في القول إلى أنّ الناس قديماً كانوا لا يتحمّلون التفصيل في العبادات والمعاملات فاُعطوا ما يتحمّلونه فقط .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo