< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

38/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : سيرة المـتـشرّعة وسيرة العقلاء وسيرة العرف

الفرقُ بـين سيرة المـتـشرّعة وسيرة العقلاء وسيرة العرف

سيرةُ العقلاء هي السيرة الناتجة من عقل العقلاء ، وليست من عرف الناس ، فقد يوجدُ قومٌ تعارفوا على شرب الخمر أو على الفواحش ، فهذه ليست سيرة عقلاء ، وإنما هي سيرة بعض الناس ، وليس هذا هو مقصود العلماء من سيرة العقلاء . ولذلك كانـت سيرة العقلاء حجّة دائماً ، لأنّ الشرع لا يخالف العقل مطلقاً ولا في حالة واحدة .

فإن قلتَ : كيف لا يخالف الشرعُ العقلَ ولا في مورد واحد وقد وردنا في كتاب الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبـيه ، وعن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبـي عمير عن عبد الرحمن بن الحجّاج (ثقة ثقة ثبت وجه) عن أبان بن تغلب (ثقة فقيه جليل القدر عظيم الشأن في أصحابنا) قال قلت لأبـي عبد الله (عليهم السلام ) : ما تـقول في رجل قَطَعَ إصبعاً من أصابع المرأة ، كم فيها ؟ قال : ( عشَرةٌ من الإبل ) ، قلت : قطع اثـنـتين ؟ قال : ( عشرون ) ، قلت : قطع ثلاثاً ؟ قال : (ثلاثون ) ، قلت : قطع أربعاً ؟ قال : ( عشرون ) ، قلت : سبحان الله !! يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ، ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ؟! إنّ هذا كان يـبلغُنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله ونقول : الذي جاء به شيطان ، فقال : ( مَهْلاً يا أبان ، هذا حكمُ رسولِ الله (ص) ، إنّ المرأة تُعاقِلُ الرجلَ إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجَعَتْ إلى النصف ، يا أبان اِنّك أخذتـني بالقياس ! والسُّـنَّةُ إذا قِيْسَتْ مُحِقَ الدِّين )[1] ، ورواها في يـب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبـي عمير ، ورواها في الفقيه بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجّاج مثله ، وهي صحيحة السند .

قلتُ : هذه الرواية لا تـنافي العقلَ أصلاً ، ولسنا هنا في موضع بـيان كيف أنها لا تـنافي العقل ، لأننا لا نعرف كلّ ملاكات الأحكام ، لكن علينا أن ننظر إلى مرتبة المرأة من حيث هي امرأة ومن حيث فطرتها وتكوينها الخُلُقي والعاطفي ومع غَضِّ النظرِ عن إيمانها أو إيمان الرجل أو كفرهما ، فنقول :

نَظْرَةٌ إلى مرتبة المرأة في الإسلام

ما أوَدُّ التوصّلَ إليه في هذه الكلمة هو أنه يجب أن تكون ديّةُ الرجل أكثر من دية المرأة لأنه الأصل في هذه الحياة الدنيا وهو الأساس في الخلق ، وآدم هو المنظور إليه أوّلاً في الخلق ، وإنّ الرجل يشعر أنّ المرأةَ خُلِقَتْ لتـتميم شؤون حياته ، فهي خُلِقَتْ له ، لا أنه هو الذي خُلِقَ لها ، ولذلك كان نظرُ المرأةِ إلى الرجل ، تـتـزيّن له وتـتدلّل ، ولذلك كان البـيتُ هو الموطن الأساسي للمرأة ، تـنجِبُ الأطفال وتربـيهم وتـنظّم أمور البـيت ... وأمّا الرجل فنظَرُه إلى الأرض والتراب ، وهذا أمر وجداني يشعر به الناس ، على أنّنا نرى بوجداننا أنّ الرجل أقرب إلى العقل من المرأة ، والمرأة أقرب إلى العاطفة من الرجل ، لذلك كان (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَالصَّالِحَاتُ قَانـتاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيـب بِمَا حَفِظَ اللهُ ، وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبـيلاً ، إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِياًّ كَبـيراً (34)) [2] . ، وكأنّ عالَمَ الرجُلِ هو تطويرُ هذه الدنيا ـ ولو كانـت المرأةُ مع غيرها تُقَدِّمُ الرجالَ للعالَم ـ ، لكلّ هذا كان لا بدّ أن تكون قيمته كرجل ـ مع غضّ النظر عن إيمانهما وقِيَمِهما الإنسانية ـ أغلَى من قيمة المرأة ، نعم لعلّ الأليق للمرأة ومجاملةً لها أن تساويه في الديّات البسيطة إلى حدّ معين، لكن إذا وصلت إلى هذا الحدّ الخطير فيجب أن تعود إلى نصف ديّة الرجل ، وإنك إنْ تلاحظُ الآياتِ والروايات تجدْ أكمليّةَ الرجل من المرأة عموماً ـ أي إجمالاً ومع غضّ النظر عن كلّ رجل رجل ـ ، بمعنى أنك تلاحظ أقربـيتَه إلى الحقّ والعقلِ من المرأة التي تـتأثر بعاطفتها وحنانها ورأفتها أكثر من الرجل ، ولذلك كانـت المرأةُ لا تُقبل شهادتها في أمور كثيرة ولا يقبل حُكْمُها في القضاء ، تَرَى ذلك في النصوص المعتبرة واضحاً ، فمثلاً إذا نظرت إلى تفسير معنى قوله تعالى ( ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) ـ مثلاً ـ تَرَى في الروايات أنهم النساء والصبـيان ، فقد روى الشيخ الصدوق بإسناده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبـيه عن آبائه عن عليّ (عليهم السلام ) قال : ( المرأةُ لا يوصَى إليها لأنّ الله يقول ( ولا تؤتوا السفهاءَ أموالَكم ) ) ، ورواها الشيخ أيضاً بإسناده عن السكوني مثله . ثم قال الشيخ الصدوق : وفي خبر آخر قال : سُئِلَ أبو جعفر (عليه السلام ) عن قول الله تعالى ( ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أمْوالَكُم ) قال : ( لا تُؤْتُوها شَرَّابَ الخمْرِ ولا النساءَ )[3] ، وفي تفسير علي بن إبراهيم عن أبـي الجارود عن أبـي جعفر (عليه السلام ) ـ في قوله تعالى ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) ـ ( فالسفهاء : النساءُ والولد ، إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة ، وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحداً منهما على ماله الذي جعله الله له قياماً ، يقول : له معاشاً )[4] ، وفي معتبرة عامر بن عبد الله جذاعة قال قلت لأبـي عبد الله (عليه السلام ) : إنّ امرأتي تقول بقول زرارة ومحمد بن مسلم في الإستطاعة ؟! فقال (عليه السلام ) : ( ما للنساء والرأي )[5] ، ولعلّ هذه الفطرة المغروسة فيها خلقها الله عزّ وجلّ فيها لتـنسجم مع أولادها وتصبر عليهم ، وإلاّ فالرجل لكونه بعيداً عن فطرة الأطفال وعقولهم تراه لا يتحمّل الأولادَ كالمرأة ، لأنّ العقل أكثر تأثيراً في الرجال ، لذلك تراه أكثر قدرةً على إدارة الأمور والسيطرة عليها من المرأة ، ولذلك كانـت الحاكميّة من فطرة الرجل ، وكانـت التابعيّة من فطرة المرأة ، وإنك تلاحظ ذلك في الأم مثلاً ، فإنها لا ترضَى أن تكون كِنـتها هي الحاكمةُ في البـيت دون وَلَدِها وتستـنكرُ ذلك أشدّ الإستـنكار لأنها ترجع في هكذا حالة إلى فطرتها الأوّليّة ووجدانها ـ ولو كانـت ترضَى بحاكميّةِ ابنـتها على صهرها !! ـ .

هذا القصور الفطري تشعر به نفس المرأة ـ فضلاً عن الرجل ـ ، فهي ترى نفسها خُلِقت لأشياء وأمورٍ تغاير أمور الرجال ، وهي تشعر بذلك حين تـنجب صبـياً أو تـنجب أنـثى ، وهي تعلم أنه ( ليس الذكر كالأنـثى )[6] في الكثير من أمور الحياة ، ولذلك كان (ادْعُوَهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ)[7] ، ولذلك أيضاً كان جميعُ الأنبـياء وحتى أوصياؤهم ذكوراً ، ولا يناسب فطرةَ الرجلِ أن تكون المرأة نبـيتَه أو وصيّةَ نبـي ، والرجلُ يَعْرِفُ ذلك ، نعم لا شكّ أنّ الله جلّ وعلا خَلَقَ المرأةَ لدورٍ كبـير وخطير كتربـية الأطفال وغير ذلك ، ممّا يقتضي لزومَ قرارهنّ في بـيوتهنّ وتحصينهنّ بالبـيت من أنظار الرجال الطوامح والتستّر وعدم الإختلاط والمكالمة مع الرجال الأجانب ... كلّ هذا اقتضى عدمَ إرجاع أحد من الأصحاب إليهنّ في الإستـفتاء . مع أنها قد تكون وليّةً من أكابر أولياء الله ـ كالسيدة فاطمة ـ أو تكون وصيّةَ إمام ـ لكنْ في الظاهر فقط ـ كما كانـت السيدة زينب ـ بعد واقعة عاشوراء ـ والسيدة حكيمة خاتون ابنة الإمام الجواد [8] عليهم صلواتُ الله وسلامه ، وحشرنا اللهُ معهم ، وقد تكون الأم أكثر إيماناً وتقوى وأخلاقاً وكرامةً عند الله جلّ وعلا من ألف رجل ... لذلك يجب مراعاتُها أكثر من الأب ... لكن كلامنا من حيث العنوان الأوّلي ، لا من حيث الطوارئ العارضة على الرجل والمرأة .

نرجع إلى ما كـُنّا فيه فـنقول : كنّا قد قلنا قبل قليل إنّ سيرة العقلاء هي السيرة الناتجة من عقل العقلاء ، وليست من عرف الناس ، فقد يوجدُ قومٌ تعارفوا على شرب الخمر وعلى الفواحش ، فهذه ليست سيرة عقلاء ، وإنما هي سيرة بعض الناس ، وليس هذا هو مقصود العلماء من سيرة العقلاء . ولذلك كانـت سيرة العقلاء حجّةً دائماً ، لأنّ الشرع لا يخالف العقل مطلقاً ولا في حالة واحدة ، وإلاّ ـ لو لم يكن حُكْمُ العقلِ حجّة ، أي لو يكن القطعُ حجّة ـ لبطلت العلوم كلّها ، ويمثّلون لذلك بالسيرة العقلائيّة على المشي في الأراضي الواسعة الغير مسيّجة والغير مزروعة ،


[4] مستدرك الوسائل :ج13، ب11 من أبواب عقد البـيع، ح5، ص241. و ج14، ب5 من أبواب كتاب الوديعة، ح7 ص18 . وجامع أحاديث الشيعة : ج17، ب11 من أبواب البـيع وشروطه، ح10، ص163
[8] روى الشيخ الصدوق في كمال الدين والشيخ الطوسي في كتاب الغيـبة بإسنادهما عن أحمد بن ابراهيم أنّه قال : دخلْتُ على خديجة بنـت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) في سنة 282 ( وفي كتاب الغيـبة 262 ) بالمدينة، فكلَّمتُها من وراء حجاب وسألتُها عن دِينها فسمّتْ لي مَن تأتمّ به، ثمّ قالت : فلان بن الحسن (عليه السلام) فسمَّته، فقلتُ لها : جعلني اللهُ فداكِ، معاينةً أو خبراً ؟ فقالت : خبراً عن أبـي محمد (عليه السلام) كَتَبَ به إلى اُمّه، فقلت لها : فأين المولود ؟ فقالت : مستور، فقلت : فإلَى مَن تَفْزَعُ الشيعةُ ؟ قالت : إلى الجدّة أُم أبـي محمد (عليهم السلام)، فقلت : أقتدي بمن وصيَّتُه إلى امرأة ؟! فقالت : اِقْتَدِ بالحسين بن علي بن أبـي طالب (عليهم السلام)، إنّ الحسين بن علي أوصَى إلى أُخته زينب بنـت علي بن أبـي طالب (عليهم السلام) في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من عِلم ينسب إلى زينب بنـت علي (عليهم السلام) ستراً على علي بن الحسين (عليهم السلام)، ثمّ قالت : إنكم قومٌ أصحابُ الأخبار، أما رويتم أنّ التاسع من ولد الحسين (عليهم السلام) يقسَّمُ ميراثُه وهو في الحياة ؟! هذه الرواية صحيحة لوثاقة محمد بن جعفر الأسدي وقد عدّه الشيخ في كتاب الغيـبة من الثقات التي كانـت ترد عليهم التوقيعات ونقل توقيعاً في توثيقه . وأحمد بن إبراهيم هذا هو أبو بشر، بقرينة رواية التلعكبري عنه، كما روى عنه هذه الرواية بطريق آخر في كتاب الغيـبة، وهو لا إشكال في وثاقته، كما قال الشيخ والنجاشي والعلاّمة . وورد عن حكيمة عمّة الإمام الحسن العسكري (عليهم السلام) : ( واللهِ إنّي لأراه ـ أي الإمام الحجّة بحسب سياق الحديث الطويل ـ صباحاً ومساءً، وإنّه لينبّئـُني عمّا تسألوني عنه فاُخْبِرُكم ) (ذَكَرَهُ في دليل تحرير الوسيلة، ولاية الفقيه، الإمام الخميني، تأليف علي أكبر السيفي المازندراني ص182 . وهذه الحاشية هي أجمل ما رأيتُ لحدّ الآن في موضوع اشتراط الذكورة في المرجع والقاضي والحاكم . ورَوَى الحديثَ بطوله في بحار الأنوار : ج51، ح14، ص11 ـ 15، وهو المجلد الثالث عشر، في تاريخ الإمام الثاني عشر الباب الأول / ولادته وأحوال أمه صلوات الله عليهما).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo