< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

38/02/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : ثمرة القول بالترتّب

ثمرة القول بالترتّب هو وجوب فِعْلِ الأهمّ أوّلاً ، فإذا تركه عَصَى واستحقّ العقابَ عليه ، ويجب ح أن يفعل المهمّ ، فإذا ترك المهمّ أيضاً عَصَى واستحقّ العقاب على تركه أيضاً ، وإذا ترك الأقلّ أهميّة فكذلك عصى واستحقّ العقاب . وبالتالي لو تَرَكَ كلّ الواجبات ـ الأهمّ والمهمّ والأقلّ أهميّةً ـ لاستحقّ ثلاثةَ عقابات على تركها ، وهذا أمْرٌ واضحٌ عقلاً وعقلائيّاً .

إقتضاءُ الحُرْمَةِ لبطلانِ العِبادَة

النهيُ عن شيء في العبادة أو المعاملة إن كان إرشاداً إلى اشتراط العبادة أو المعاملة بشرط معيّن ـ كما لو قال المولى لا تُصَلّ من غير وضوء ولا تشترِ من الصبيّ غير المميّز ـ أو إن كان إرشاداً إلى كون المنهيّ عنه مانعاً عن صحّة العبادة أو المعاملة ـ كما لو قال لا تـتكلّمْ في الصلاة ولا تأكلوا أموالَكم بـينكم بالباطل ـ فلا شكّ ح في بطلانهما ، إنما الكلام الآن في أنّ النهي عن العبادة ذاتاً ـ كالنهي عن الصيام في يومَي العيدين ـ هل يقتضي بطلانَها أم لا ؟

الجواب : المعروف بين العلماء أنّ النهي عن العبادة يقتضي بطلانَها ، سواءً كان النهيُ عن ذات الفعل لمبغوضيّته ، أو كان النهيُ عن الفِعْلِ بسبب الإبتداع والتشريع ـ لا بسبب المبغوضيّة الذاتيّة للفعل ـ وذلك لأنّ قوام العبادة بمحبوبـيّتها عند المعبود ، ويجب عقلاً أن تكون العبادة كما يريد المعبود ، لا كما يريد العابد ، فكيف إذا نَهَى المولى تعالى عن عبادة معيّنة كصلاة الحائض وصيام العيدين وأيام التشريق[1] لمن كان في مِنَى ، وكذا العباداتُ المبتدَعة كصلاة التراويح وكمَن يُصَلّي في المسجد رِئاءَ الناسِ أو صلّى في أوّل الوقت رياءً أو توضّأ الإنسانُ رياءَ الناس فهذا الوضوء يجب أن يكون باطلاً لأنه منهيّ عنه ، وقد استـفاضت الروايات في ذلك ، قال الله تعالى ﴿ .. فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ (7) ﴾[2] ، فمِنَ الواضحِ عقلاً منافاةُ العبادة مع الرياء ، لا بل الرياءُ ـ بصريح الآية الكريمة ـ منهيٌّ عنه ، المهمّ أن تكون العبادةُ خالصةً لوجهه الكريم ، وتكون العلّة التامّة والوحيدة لعبادة المولى تعالى هو أمْرُ الله وإرادةُ عبادته فقط لا غير .

المهم هو أنّ النهي عن العبادة يستلزم عقلاً فسادَها وبطلانَها ، إذ أنّ قوام العبادة أن تكون محبوبةً ومطلوبةً من قِبَلِ المعبود . ولا شكّ أنه لمجموع ذلك أجمع علماؤنا على بطلان العبادة التي يأتي بها الإنسان رياءً ([3] ) . أمّا البكاء رياءً والخشوع رياءً وغيرُهما فهي أمور خارجةٌ عن ماهيّة الصلاة ، فلا تضرّ بصحّة الصلاة .

وكذلك الأمر فيما لو كان الرياءُ في الأجزاء المستحبّة ، فإنّ الرياء فيها وإن كان يـبطلها ولكن هذا الرياء في الأجزاء المستحبّة لا يضرّ في صحة الصلاة ولا يفسدها ، وذلك كما لو قَنـت رياءً أو سبّح في الركوع أو السجود كـثيراً ، رياءً ، وذلك لأنّ الأجزاء المستحبّة في الصلاة خارجةٌ عن الماهيّة الواجبة ، بدليل عدم انـتـفاء الماهيّة بانـتـفائها ، فتكون الصلاة ظرفاً فقط لهذه الأجزاء المستحبّة . ولا دليل على بطلان الصلاة في هكذا فرض بعد أن كانـت كلّ أجزائها الواجبة وشرائطها صحيحة .

فإن قلتَ : إنكم قلتم بتعلّق الأوامر بالطبائع ، أي بطبـيعة الصلاة ، فافرُضْ أنّ المرأةَ الحائض قد صلّت ، وحقّقت هذه الطبـيعةَ بهذا المصداق ، فما المانع من القول ح بصحّة صلاتها ؟!

قلتُ : صحيح ، لا شكّ أنّ الأوامر متعلّقة بالطبائع ، لكن حينما يَنهَى المولى تعالى عن عبادةٍ معيّنة فإنها تخرج بالتخصيص عن إطلاق الأمر بطبـيعة الصلاة .

المهمّ هو أنّ العقل يستكشف بوضوح ـ من خلال قبح العبادة المنهيّ عنها ـ أنها باطلة لا محالة ، إذ أنّ القبـيح يكون مبعّداً لا مقرّباً للمعبود .

من خلال ما ذكرنا تعرفُ أنّ العبادة المنهيّ عنها بما أنها مبغوضة عند الله تعالى فلا يمكن أن تكون صحيحة حتى في حال الجهل بالحكم أو النسيان ، كما في أكل الـمَيتة وشرب الخمر تماماً ، فلا يمكن أن تكون مقرّبةً للمولى تعالى ، من دون دخالة للعلم أو الجهل أو النسيان أو التعمّد في ذلك . صحيح أنّ الناسي والجاهل يمكن له قصدُ التقرّب إلى الله تعالى ، لكن ليست المشكلة في ذلك فقط ، إنما المشكلة في كون ذات المبغوضِ عبادةً ، حتى ولو كانـت عبادةً غيريةً كالطهارات الثلاثة في حال الضرر الخطير .

ثم إنه قد يتعلّق النهيُ عن وجود جزء معيّن في العبادة ـ كقراءة إحدى سور السجدة على المشهور وكفِعْلِ ركنٍ زائد وكالتكلّم العَمْدي ـ أو عن إيجاد جزء مبتدَع ـ كقول آمين ـ أو عن إيجاد كيفيّة مبتدَعة ـ كالتكـتـّف ـ فلا شكّ في بطلان الجزء المنهيّ عنه ، لما ذكرناه من عدم إمكان أن يكون عبادةً ، لأنّ العبادةَ لا ينبغي أن يكون منهيّاً عنها ـ أي مبغوضة ـ ، وعليه فإن اقتصر على قراءة سورة السجدة ـ رغم النهي عنها كما في الرواية ـ فإنّ صلاته سوف تكون باطلةً لا محالة .

وأمّا مثل التكتّف في الصلاة ـ المعبّر عنه بالتكفير ـ فقد يقال بأنّ النهي عنه في الروايات لم يتّضح منه إبطالُه للصلاة ، فأقصى ما يمكن أن يقال بأنه بذاته حرام ، وأمّا إبطالُه للصلاة فلا دليل عليه ، فيُرجَعُ إلى أصالة البراءة من التـقيّد بعدمه .

 


[1] أي الثلاثة أيام بعد عيد الأضحى، وسُمّيت بالتشريق لأنهم كانوا يشرّقون لحمَ الأضاحي التي ذبحوها يوم العيد في مِنَى، فقد كانوا يشرّقونها في الشمس لتجفّ ولا تخرب .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo