< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد ال‌عبیدان‌القطيفي

قواعد الفقهيه

42/09/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: قاعدة الالزام/ ومقاماتها/

يقع الكلام في قاعدة الالزام وهي من القواعد الفقهية التي اعتمد عليها كثير من الفقهاء وأفتوا على طبقها في بعض الأبواب الفقهية ورتبوا عليها اثرا عمليا كبيرا ولما كان البحث عنها ذا ثمرة عملية كبيرة لما له من مدخلية في استنباط بعض الاحكام الشرعية صار لزاما على الفقيه ان يتخذ رأيا فيها اما بالبناء على ثبوتها ومن ثم ترتيب الأثر على ذلك ضمن الفروع الفقهية المذكورة، او البناء على عدم ثبوتها ومن ثم الالتزام بعدم ثبوت الفروع الفقهية المذكورة من هذا الطريق ولزوم اتخاذ طريق اخر غير هذا الطريق للوصول للنتيجة المبتغات والحديث فيها ضمن مقامات:

المقام الأول: في تاريخ القاعدة وهو يساعدنا كثيرا لمعرفة الحركة العملية للقاعدة في كلمات الفقهاء بل ينفعنا في التعاطي مع النصوص من حيث الاعتبار وعدمه سيما مع مراعات قضية الاعراض وعدمه فان لذلك مدخلية في مثل هكذا امر مضافا الى مقدار ما عمل بيه الاعلام من هذه القاعدة ضيقا وسعتا فضلا عن الاستناد الى دعوى الاجماع لو ادعيت في مقام الاستدلال على القاعدة، وللحديث عن تاريخها مجموعة من الاثار العملية تتضح في طيات البحوث القادمة ان شاء الله

فعلى كلامنا في تاريخها فربما يدعى ان كلمات قدماء الاعلام (رضي الله عن الماضين واطال بقاء الباقين) خالية عن الإشارة للقاعدة من قريب او بعيد فلم تتضمن عبائر الشيخ الكليني (قده) في كتابه الكافي مثلا ولا عبائر الشيخ الصدوق (اعلى الله مقامه) في كتابه الفقيه ولا كتب الشيخ المفيد (قده) سواء منها الاستدلالية او الفتوائية الإشارة من قريب او بعيد الى القاعدة حيث لم يتعرض احد منهم الى القاعدة المذكورة في موارد جريانها بل المعروف عن الكليني والصدوق (قده) العمل بمفاد معتبرة علي ابن حنظلة الواردة في المنع عن ترتيب الاثار على المطلقات ثلاثا في مجلس واحد اثر الطلاق ومعاملتهن معاملة الزوجات لأنهن كذلك وستأتي رواية علي ابن حنظلة ان شاء الله عند استعراض ادلة القاعدة

لكن قد يدعى خلاف ذلك فيقال ببناء الشيخ الكليني على القاعدة المذكورة في الجملة وذلك لان شيخنا الكليني (قده) قد نقل رواية عبد الله ابن محرز الواردة في التعصيب وجواز الاخذ من غير الامامي ما دام الاخر يجيز ذلك وهي أحد النصوص التي تمسك بها القائلون بالقاعدة فلو بني على ان ما تضمنه الكافي من نصوص تمثل اراء الشيخ الكليني فانه سوف يلتزم حينئذ بان الكليني باني على جواز الاخذ بالتعصيب وفقا لما عليه علماء الجمهور فيجوز للشيعي الاستفادة من ذلك وبالتالي يترتب الأثر حينئذ فهذا مدلول قاعدة الالزام

والنتيجة الجزم ببناء الكليني (قده) على القول بالقاعدة من الصعوبة بمكان جدا خصوصا وان هناك احتمال اخر متصور بالنسبة لرواية ابن محرز يمنع من البناء على صلاحيتها للدلالة على مختار القائلين بثبوت القاعدة

أيضا قد يدعى ان الصدوق (رض) من الذين بنوا على جريان قاعدة الالزام في الجملة لانه نقل في كتابه الفقيه نصين وهما:

الأول: روى حفص ابن البختري عن إسحاق ابن عمار عن الامام الصادق عليه السلام ((ان طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم وطلاقهم يحل لكم لأنكم لا ترون الثلاث شيئا وهم يوجبونها))[1]

الثاني: المصدر السابق قال عليه السلام ((من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم))[2] أيضا نفس الكلام على أساس ان الظاهر من هذين النصين ان الصدوق يبني على الزام الاخر غير الامامي بما يلتزم ويجوز للأمامي ان يستفيد من هذا الالتزام فيكون مدلول هذين النصين موافق تماما لما عليه الاعلام في مفاد قاعدة الالزام فيثبت المطلوب

لكن قد يمنع الجزم بذلك ان الصدوق (رض) قد نقل هذين النصين بعدما نقل نصين يدلان على ان المطلقة ثلاثة ذات زوج والنصان هما

أولا: ما ورد عن الامام الصادق عليه السلام انه قال ((اياكم وتزويج المطلقات ثلاثا في مجلس واحد فأنهن ذات ازواج))[3]

ثانيا: ما رواه حفص ابن البختري عن إسحاق ابن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام ((في رجل يريد تزويج امرآة قد طلقت ثلاثا كيف يصنع بها قال يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يأتي زوجها ومعه رجلان فيقول له قد طلقت فلانه فاذا قال نعم تركها ثلاثة أشهر ثم خطبها الى نفسه))[4]

فإننا نلاحظ ان هذين النصين دلا على عدم الاعتبار بالطلاق الواقع ثلاثا والبناء على انه لا يعد طلاق، لكن يمكن القول بالجمع بين النصوص بتخصيص رواية علي ابن حنظلة ورواية ابن البختري بما تضمنه الخبران الاخران فيكون مقتضى الجمع البناء على عدم صحة الطلاق ثلاثا في مجلس واحد منا وصحته لو كان من الاخر الزاما له بما يعتقد بل يمكن القول ان لا معارضة أساسا بين النصوص على أساس ان موضوع رواية علي ابن حنظلة وهي الأولى وموضوع رواية حفص ابن البختري عن إسحاق ابن عمار هو الشيعي الذي طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد ولا نظر فيها أساسا الى الاخر بينما واضح ان مدلول الخبرين الاخرين هو غير الامامي اذا طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد وبناءا عليه سيكون مقتضى هذا الكلام بناء الصدوق على العمل بقاعدة الالزام وعليه سوف يكون اول من تعرض للقاعدة محل البحث هو الشيخ الصدوق (قده)

ومقتضى الحال الظاهر ان الصدوق قد خص جريانها في بابي النكاح والطلاق بينما باقي الاعلام كصاحب الجواهر فانه يقول ان هذه القاعدة جارية في جميع أبواب الفقه خلافا للصدوق

وبعد الصدوق تعرض للقاعدة أيضا الشيخ الطوسي قده في كتابيه الحديثيين التهذيب والاستبصار في موضعين منهما بينما خلت كتبه الفقهية كالنهاية والخلاف والمبسوط من الإشارة اليها وهذا يثير استغراب سيما وان النهاية عبارة عن متون نصوص فلماذا لم يشر الى هذه المسألة الا ان يقال انه لم يكن غرض الشيخ على الاستيعاب لكافة الفروع الفقهية فذاك امر وهو سهل، فالشيخ أشار للقاعدة في موضوعين من التهذيب والاستبصار:

اما الأول فقد ذكر في كتاب التهذيب (ومن طلق امرآته وكان مخالفا ولم يستوفي شرائط الطلاق الا انه يعتقد انه يقع به البينونة لزمه ذلك)[5] فالعبارة واضحة بالالتزام بالزام الاخر بثبوت الأثر حينئذ

اما الثاني في الاستبصار باب ان المخالف اذا طلق امرأته ثلاثا ولم يستوفي شرائط الطلاق كان ذلك واقعا[6] فقد ذكر الشيخ في الموضوع الثاني عند حديثه عن بيان كيفية التوريث وفق مذهب الحق فانه نقل النصوص الدالة على كيفية التوريث على خلاف ذلك فقال في التهذيب هذه الاخبار مخالفة للحق غير معمول عليها عند الطائفة بأجمعها لانه من المعلوم عندهم انه مع الام لا يرث احد من الاخوة والاخوت والوجه في هذه الاخبار ان نحملها على ضرب من التقية لموافقتها لمذاهب العامة وبناءا على هذا الحال سيبنى على عدم التزام الشيخ بقاعدة الالزام وانما القول الثاني هو الذي سيكون دال ويحتمل ان يكون ما ورد انه يجوز ان نأخذ منهم على مذاهبهم على ما يعتقدون كما يأخذونه منا وانما يحرم ان يأخذ بعضنا عن بعض خلاف الحق تهذيب[7] ثم نقل قده النصوص المستند اليها في اثبات قاعدة الالزام

أيضا في الاستبصار في نفس المطلب قال فهذه الاخبار الثلاثة الأصل فيها زرارة والطريق اليها واحد ومع ذلك فقد أجمعت الطائفة على عدم العمل بها لانه لا خلاف بينهم ان مع الام لا يرث احد من الاخوة والاخوات من أي جهة كانوا فالوجه في هذه الاخبار ان نحملها على ضرب من التقية ويجوز ان نقول فيها وجها من التأويل وهو انه وردة الرخصة في جواز الاخذ منهم على ما يعتقدون كما يأخذون منا وانما يحرم الاخذ بها لمن يعتقد بطلانها [8]

وتمامية النسبة المذكورة مبنية على الالتزام بتمامية دلالة النصوص المستند اليها في اثبات القاعدة وعدم وجود محتمل اخر في دلالتها اما لو بني على وجود احتمال اخر في دلالتها وهو ان تكون النصوص ناظرة الى المقاصة النوعية بان يلتزم بانه يجوز للأمامي الاخذ من غيره كما يأخذ غيره منه بحكم غلبة القانون عنده فكما يجوز لغير الامامي الاستفادة من القانون يمكن الى الامامي أيضا الاستفادة من القانون الرسمي الذي يلزمه من باب المقاصة النوعية فلو بنينا على هذا المعنى ستكون النصوص المذكورة اجنبية تماما عن المدعى وبالتالي لن يكون الشيخ الطوسي ملتزم بجريان قاعدة الالزام ، نعم هذا يجري بالنسبة الى الموضوع الثاني من كتابيه التهذيب والاستبصار الوارد في مسألة التوريث اما ما ورد بالنسبة للموضع الأول وهي قضية الطلاق (ومن طلق امرآته وكان مخالفا ولم يستوفي شرائط الطلاق الا انه يعتقد انه يقع به البينونة لزمه ذلك) فلا نتصور جريان المقاصة النوعية وبالتالي سوف يلتزم بدلالة هذه النصوص على جريان قاعدة الالزام ويكون الشيخ ملتزم بجريان القاعدة في الجملة كما عليه الصدوق وقد تقدم

فيتحصل مما تقدم خلو كلمات القدماء من الإشارة للقاعدة بنحو الموجبة الكلية ما تضمنته كلمات بعضهم لم تخرج عن الإشارة لمضمونها لو سلمنا دلالة النصوص على ذلك بنحو الموجبة الجزئية ليس الا فأقصى ما يمكن ان نتصور بناء الاعلام على جريان قاعدة الالزام في الجلمة لا بالجملة وبالتالي عدم امكان الجزم بقول مطلق

نعم اخذت القاعدة حضورها الفعلي في كلمات المتأخرين من الاعلام فقد تعرض لها الشهيد الثاني ره في كتابه المسالك وادعى الاجماع عليها ومن بعده قال بها أيضا الفاضل السبزواري (قده) وصاحب الحدائق وصاحب الجواهر (قده) وقد وسع موضوع جريان القاعدة في كلمات الاعلام حتى عممت لتشمل العقود والايقاعات الفاسدة وفقا لمذهب الحق فيجوز للأمامي الاخذ من الاخر ما دام في ذلك نفع له بل ذهب صاحب الجواهر الى ابعد من ذلك الى امكان الاستفادة منها حتى في الحدود كما لو نصب الوالي شيعي لأجراء الحدود فانه يمكنه اجراء الحد على المخالف وان لم يكن مستحقا له عندنا بل لو بنينا على كلام السيد الخوئي (قده) لم تكون القاعدة مختصة بالمسلم فستجري أيضا في غير المسلمين وبالتالي يكون ملزم لهم فيما يلتزمون

هذا ما يتعلق بالحركة التاريخية للقاعدة وقد يقال ان مقتضى ما ذكرتموه من عدم معروفية القاعدة في كلمات الاعلام حتى القرن الخامس يوجب حجية النصوص المستند اليها لأثبات الحجية فيتحقق الاعراض منهم عنها وقد وقرر في محله ان الاعراض عن الناس مانع عن حجيته

قلت: الاعراض المذكور لو تم فانه من الاعراض الصناعي الناجم من وجود النص المعارض ومع كون هناك خبر معارض يمنع من ترتيب الأثر حينئذ ومن النصوص الدلالة على المعارضة هي رواية ابن حنظلة وهي معتبرة وسيأتي الكلام عنها

أيضا قد يتمسك لعدم تصور الاعراض عن النصوص المذكورة بان بعضها كان معروفا بين القدماء والدليل على ذلك ان احدى هذه النصوص مروية من كتاب العلا ابن رزين او من كتاب محمد ابن مسلم وكلاهما مشهوران فلا مجال لدعوى الاعراض فضلا ان القاعدة لم تكن معروفة الا في زمان الشيخ قده، لكن يندفع بملاحظة مدى دلالة النص المذكور على المدعى لان صحة ما ذكر مبنية على البناء على تمامية دلالة النص على المدعى اما مع منع دلالته لكونه من النصوص المختلف فيها كما سيأتي اذ يحتمل حصوص تصحيف فيه لا مجال للدعوى المذكورة

النتيجة ان كون القاعدة غير معروفة الجذور بين الاعلام او هي مهجورة يعد شاهدا سلبيا على الاعتماد عليها ولذا لا مناص من الحاجة الى التأمل والبحث عن شواهد إيجابية تحصل الوثوق بالقاعدة حتى يركن اليها والا كان مجرد تفرد الشيخ الطوسي (قده) مانع وبشدة عن قبولها في دائرة الحجية

المقام الثاني: والذي نتعرض فيه الى الشواهد القطعية على القاعدة فان القواعد الكبروية العامة او التي يراد الاستفادة منها في الأبواب الفقهية المتعددة تحتاج الى شواهد قطعية للركون والاعتماد عليها في مقام الفتوى وذلك بملاحظة الشواهد من القرآن الكريم او من السنة القطعية او من حكم العقل او من حكم العقلاء على تمامية قاعدة الالزام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo