< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد ال‌عبیدان‌القطيفي

قواعد الفقهيه

42/09/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: قاعدة الالزام/ وفيها مقامات/ المقام الثالث

المقام الثالث: مفاد قاعدة الالزام رخصة ام ان مفادها عزيمة فقد يتصور البعض ان مفادها هو العزيمة فينبغي الالتزام بمؤداها والحق على خلاف ذلك فان مفادها هو الرخصة فيجوز للإنسان البناء على ذلك والالتزام بما الزم غير الامامي نفسه به لا انه يجب على الانسان البناء والالتزام بذلك.

والسر في كون قاعدة الالزام رخصة وليست عزيمة هو: ان هذه القاعدة من القواعد التسهيلية الامتنانية التي جعلت تخفيفا وتسهيلا على المكلفين ولهذا يتنافى مع كونها عزيمة فان مقتضى كونها عزيمة يوجب كلفة ومشقة لان فيها الزاما على المكلف ان يمتثل ويلتزم وهذا لا ينسجم مع كونها تسهيل وتخفيف

ثانيا ان كلمة الزموهم بما الزموا به انفسهم وان كانت صيغة امر الا انها وردة مورد توهم الحاضر بل وردة بعد الحظر وفقا لمذهب الحق فلا تفيد حينئذ اكثر من الاباحة والجواز نظير قوله تعالى ﴿ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما﴾[1] قالوا هناك في مدلول الآية ان الوارد فيها انما هو في مقام دفع توهم الحظر ومقتضى كونها كذلك اقصى ما تدل عليه هو الجواز والاباحة اما افادة الوجوب يحتاج الى دليل اخر فيكون المقام من هذا القبيل ان القاعدة وردة في مقام دفع توهم الحظر او بعد الحظر

وأيضا السر في انها واردة في مورد توهم الحظر هو ان الطلاق ثلاثا الصحيح عند غير الامامي باطل عند الامامي ومقتضى ذلك عدم الزواج من مطلقته فيكون حينئذ مع ورد الامر بجواز الزواج منها في موضع توهم الحظر وكذا بقية موارد جريان القاعدة

وبناءا على هذا يكون مورد القاعدة الرخصة وليس العزيمة وربما كان منشأ توهم كون القاعدة عزيمة وليست رخصة هو ظهور صيغة ألزموهم في الامر وهو ظاهر في الوجوب فيكون قاضيا بهذا المعنى مضافا الى ابقائها على معناها اللغوي وهو اجبر يعني ملزم بالإتيان وهو ظاهر في الوجوب، ولكن قد عرفت انها واردة في مورد دفع توهم الحظر فلا دلالة لها على الوجوب من قريب او بعيد.

المقام الرابع: وهو عبارة عن مدرك القاعدة فقد استدل لها بمجموعة من الأدلة نشير اليها:

أولا: الاجماع وقد ادعى ذلك غير واحد من اصحابنا الامامية على صحة هذه القاعدة وإمكان التمسك بها من خلال الاجماع

ولا يخفى ضعفه فقد اتضح من خلال الإشارة اجمالا في تاريخ القاعدة المانع من التمسك به فإننا قلنا ربما يكون الشيخ الكليني ملتزم بمدلول القاعدة في الجملة وكذا الشيخ الصدوق، واول من يمكن البناء على التزامه بالقاعدة هو الشيخ الطوسي (قده) تقريبا في القرن الخامس وكتب الشيخ المفيد والسيد المرتضى على ما يبدوا خلية تماما من الإشارة للقاعدة من قريب او بعيد فاذا قبلنا بهذا المعنى فيكون الشيخ هو اخر القدماء فكيف يكون اجماعا فلو سلمنا ان في البين اجماعا محصلا او منقول يدل على التزام اعيان الطائفة بالقاعدة المذكورة ولكنه أيضا ليس بحجة لاحتمال المدركية فيه المانع من كونه اجماع تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم لكي يصح الاعتماد عليه.

ان قلت: لم لا تستفيدون من حساب الاحتمال الرياضي وبالتالي يرتب أثر

قلت: لا اشكال عندنا في حساب الاحتمال الرياضي كبرويا خلافا لما عليه الأستاذ الوحيد دام ظله الا اننا لا يمكن ان نستفيد منه في المقام وذلك لان المفروض ان تطبيق حساب الاحتمال الرياضي على الاجماع سيؤدي بنا على الكشف عن دليل شرعي او ارتكاز متشرعي ومع وجود النص الموجود في المقام يصعب ترتيب أثر حينئذ فيبقى الامر غير واضح فلا مجال للبناء على حجية الاجماع المدعى في المقام

لكن السيد السبزواري قده أجاب على اشكال احتمال المدركية في الاجماع المذكور فقال ان غالب الاجماعات بل جميعها يكون موردها حديث معتبر كذلك ولو اعتمدنا على هذه المناقشة لسقط اعتبار الاجماع مطلقا بل ظاهر الاجماع هو الاعتبار الا إذا ثبت استناده الى خبر معتبر بقرائن معلومة.

والانصاف ان هذا الكلام غير مقبول أولا لا مانع من الالتزام بسقوط الاجماع عن الحجية في كل مورد تضمن وجود خبر احتملنا الاستناد اليه من المدعين للأجماع لان المدار عندنا في حجية الاجماع بلحاظ كاشفيته لا انه دليل تعبدي في نفسه ومع وجود النص الذي يحتمل الاستناد اليه يصعب احراز الكاشفية وبالتالي لا مجال لترتيب الأثر

ثانيا: ان الاجماع في بعض موارده يكشف عن دليل معتبر فيكون حجة لكاشفيته عن الدليل مالم يظفر بالدليل لا انه حجة في نفسه وليس معنى هذا ان في كل مورد وجدت دعوى اجماع دل على وجود دليل معتبر فيها وقد حصل خلط في كلامه قده بين الموردين فلاحظ

ثالثا: ان ما ذكره اعلى الله مقامه في اخر كلامه من انه في كل مورد ثبت استناده الى خبر معتبر بقرائن معلومة يسقط الاجماع عن الحجية ينافي ما ورد في اول كلامه والعصمة لأهلها

فالنتيجة: ان دليلي الاجماع مما لا يمكن اعتباره او البناء عليه في مقام الاجماع

الدليل الثاني: التسالم والمقصود به رتبة اعلى من الاجماع –وان كنت غير مقتنع بهذا المعنى- فهم يعبرون بتعبيرين لا خلاف والاجماع ويفرقون بين التعبيرين بالتالي فاذا عبروا بلا خلاف فذاك يشير ان المسألة لم تعنون في كلمات جميع اعيان الطائفة وانما عنونة في كلمات بعضهم ومن عنونة المسألة في كلماتهم متفقون عليها اما اذا قيل بالإجماع فالمفروض ان المسألة معنونه في كلمات الكل والكل متفقون او الاغلب متفقون على الحكم

ثم ان الفقهاء متسالمون خلفا عن سلف بالعمل على طبق هذه القاعدة والالتزام بمؤداها وهذا غير الاجماع

والجواب عن هذا الدليل ما قدمناه في المقام الأول عند تعرضنا لتاريخ القاعدة فمن يرجع يرى مدى وهن هذه الدعوى وان عهدتها على مدعيها

الدليل الثالث: وهو العمدة هي النصوص ويمكن ان تقسم الى طوائف ويمكن استعراضها اجمالا ولكن لابد ان نقف على النصوص سندا ودلالة

تنبيه: لابد قبل البدء ان نشير الى ان السيد السيستاني اطال الله عمره الشريف في ما قُرر لأبحاثه في قاعدة الالزام أشار الى رواية قد تفيد مفهوما كليا وهو ما نقله الشيخ الطوسي ((الحسن ابن محمد ابن سماعة عن عبد الله ابن جبلة عن عدة من أصحاب علي ولا اعلم سليمان الا انه اخبرني به وعلي ابن عبد الله عن سليمان أيضا عن علي ابن ابي حمزة عن ابي الحسن ع انه قال: الزموهم بما الزموا انفسهم))[2] فلو كنا وهذا النص لقلنا انه يفيد مدلولا كليا وعنوانا عاما ان كل من يلتزم شيئا يكون ملزما به والبناء على هذه الرواية من الصعوبة لأنها ليست مستقلة وهذا هو الذي أشار اليه السيد وانما هو نص مقتبس من مجموع روايتين

الرواية الأولى: وهي رواية علي ابن ابي حمزة البطائني عنه محمد ابن الحسن الطوسي بأسناده عن الحسن ابن محمد ابن سماعة عن جعفر ابن سماعة عن عبد الله ابن جبلة وفي التهذيب[3] احكام الطلاق وعنه الحسن ابن محمد ابن سماعة عن جعفر ابن سماعة عن عبد الله ابن جبلة عن (غير واحد) في المصدر (حدثني غير واحد) عن علي ابن حمزة انه ((سأل ابا الحسن (عليه السلام) عن المطلقة على غير السنة ايتزوجها الرجل؟ فقال: ألزموهم من ذلك ما الزموا أنفسهم وتزوجوهن فلا بئس بذلك))[4] وتقريب دلالة الرواية على المدعى ان يقال ان الامام ع قد أجاز الزواج من المرآة التي طلقة على غير السنة بان أوقع طلاقها ثلاثا في مجلس واحد مثلا او طلقها في طهر قاربها فيه او طلقها في غير طهر فهذا كله يندرج تحت عنوان الطلاق البدعي، فالإمام أجاز الزواج منها اعتمادا على هذه القاعدة ونجد ان الامام ع أشار الى كون ذلك نوع من أنواع التطبيق لهذا المورد لانه احد مصاديقها.

ثم اننا نحتاج الى دراسة الرواية سندا وبعد ذلك نلاحظ دلالتها قبولا وردا ففي السند ثلاثة مشاكل بحاجة الى حل ففي الرواية واضح انها مشتملة على مجموعة من الواقفة كعبد الله ابن جبلة

المشكلة الأولى: الراوي المباشر للرواية وهو علي ابن حمزة البطائني والكلام فيه طويل الذيل فنذكر ثلاثة اقوال في علي ابن حمزة البطائني:

الأول: البناء على عدم وثاقته وعلى عدم اعتبار مروياته وقد اختار ذلك سيدنا الخوئي قده في المعجم وهو المختار

الثاني: البناء على قبول رواياته والالتزام بمفاده والحق خلافه

الثالث: التفصيل بين ما رواه قبل الوقف فيعول عليه ويأخذ به وما رواه بعد الوقف فلا يأخذ به ولا يعول عليه ومن الطبعي ان يرد سؤال عن كيف الطريق لنا ان نميز قبل الوقف وما وراه بعد الوقف

أقول: يمكن جعل نكتة التميز تدوين الاصحاب للنص في مصادرهم الحديثية فان اصحابنا لن يلونوا شيء من مرويات هؤلاء المنحرفين فمن الطبيعي ان الموجود في مصادرهم انما هو ما كان قبل الانحراف، ولكن الجزم بهذا في غير محله ولكن الحق كما قررناه البناء على عدم اعتبار مرويات البطائني فتكون هذه المشكلة مما لا علاج له

المشكلة الثانية: اختلاف التعبيران ففي الوسائل (عن غير واحد) وفي التهذيب (عن غير واحد من أصحاب علي ابن ابي حمزة) فلو كان التعبير في الرواية عن غير واحد يمكن البناء على اعتبار الرواية بدعوى ان غير واحد عدد لا يقل عن ثلاثة استغنى الراوي عن ذكرهم بسبب الكثرة ومن المستبعد عادة ان لا يكون بين الثلاثة شخص ثقة فلا يكون الامر موجب للأرسال او موجب للأسقاط والضعف خصوصا اذا التفتنا ان من طلاب علي ابن حمزة والذين روى عنه ابن ابي عمير فيحتمل انه واحد منهم وانما لم يذكر اسمه بسبب الوقف والانحراف العقائدي الذي حصل الى علي ابن ابي حمزة

لكن المشكلة في نسخة التهذيب فقد اشتملت على التالي (عن غير واحد من أصحاب علي ابن ابي حمزة) وليس معهودا إطلاق مفهوم أصحاب علي على مثل ابن ابي عمير واضرابه من الثقات المعتمدين بل لعل التعبير المذكور يوحي ان المقصود من ذلك من كان مع علي ابن ابي حمزة في الوقف وبالتالي أصحاب علي عنوان مبهم ولا نحرز بينهم شخص ثقة فيبقى الامر مشكل في ترتيب الأثر والتعويل

والنتيجة انه يصعب التعويل على الرواية من حيث السند والالتزام بمضمونها وبالتالي الرواية من ناحية السند ساقطة عن الاعتبار

ويمكن إضافة اشكال ثالثا: وهو ان الرواية انفرد بذكرها الشيخ الطوسي وهذا يعني ان الكليني اعرض عنها خصوصا إذا التفتنا الى ان التهذيب كتبه لعلاج التعارض ولذا نقل الروايات التي اعرض عنها العلمان الكليني والصدوق لانه بصدد علاج المعارضة الموجودة بينها وبين النصوص التي دونها العلمان فهذه من الرواية المنقولة في مقام المعارضة التي تحتاج الى معالجة وما شابه

واما من حيث الدلالة فان دلالتها على المطلوب أيضا غير تامة وحتى لو سلمنا بتماميتها فان اقصى ما يمكن ان يستفاد منها انها ناظرة الى صورة الطلاق البدعي فبالتالي تفيد قاعدة الالزام في خصوص هذا المورد ولا يمكن التعدي عنها لغيرها الا بوجود قرينة دالة على ذلك وهي مفقودة في المقام

وهناك جواب افاده السيد السيستاني مد ظله يوجب منع دلالة هذه الرواية أساسا حتى على هذا الامر قال السيد ان الرواية لا ربط لها بمسألة إلزام المخالف فيكون للموالي الاستفادة من ذلك بملاحظة الرواية (الزموهم من ذلك ما الزموا انفسهم) والضمير في (الزموهم) راجع لمن طلق زوجته على غير السنة والدليل على ذلك نكته تاريخية موجودة عندنا أشار لها صاحب الغدير قده وذلك ان هذا المضمون طبقه الرجل الثاني في زمانه فقد كثر الطلاق في زمان الرجل الثاني فأراد ان يحد من هذا الامر فصدر امر كل من طلق طلاقا زوجته انفصلت منه واما الامام يريد ان يشير الى كل من تعمد الطلاق غير مستجمع لشروط الطلاق رتبنا اثر الطلاق وبناءا على هذا ستكون الرواية اجنبية على المدعى ولم تكون دالة على قاعدة الالزام وهل ما افاده السيد مقبول او لا يقل؟


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo