< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد ال‌عبیدان‌القطيفي

قواعد الفقهيه

42/09/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة الالزام/دلالة الروايات/

وقبل التعرض الى الروايات الصالحة لمعارضة المدعى المتقدم والمانعة من الاستناد اليه نشير الى امر ذكره السيد السيستاني (دام ظله) وهو عبارة عن النصوص التي قد يستند اليها في اثبات قاعدة الالزام مع ان موضوعها ليس غير الامامي المسلم بل موضوعها غير المسلم وقد قسمها سماحته الى قسمين وقد أشار الى ان ممن بنى على مدلول هذه النصوص صاحب الشرايع فقد قال في بحث المهر (ولو عقد الذميان على خمر او خنزير صح لانهما يملكانه)[1] وقد علق عليه صاحب الجواهر (صح العقد والمهر حكما اذا كان كذلك في دينهم بمعنى اقرارهم على ما في أيديهم وعدم التعرض له والزامهم بما الزموا به انفسهم)[2] فان تعبيره (الزامهم) إشارة الى الاستناد الى قاعدة الالزام فهو يقرر ان القاعدة تعم الكفار أيضا وليست مختصة بالمسلمين

من هنا استدعى الامر ملاحظة النصوص التي يمكن ذكرها في المقام للدلالة على القاعدة المذكورة ولذا جعل السيد النصوص على طائفتين

الأولى: النصوص التي دلت على صحة الأسباب التي يتوسلون بها الى حصول الملكية وما يلحق بها من الروابط بين الشخص والمال مع ملاحظة ان هذه الروابط ليست مشروعة للمسلمين فهنا هل يحكم بالصحة الواقعية كما يظهر ذلك من عبارة صاحب الشرايع قده او يحكم بالصحة من حيث انه يصح للمسلم ان يتعامل مع الروابط الحاصلة بالأسباب المشروعة حسب الأديان الأخرى معاملة الصحة ولابد من احترام هذه الروابط وتنزيلها منزلة الواقعية ولذا لو استبصر الذمي يعامل مع ما صدرت منه من المعاملات على الصحة

الثانية: وهو الروايات الواردة في الروابط الزوجية والتي يعبر عنها بالسبب في كتاب الميراث في مقابل النسب، فلو لم نتمكن من استفادة قاعدة الالزام من هذه النصوص على فرض تماميتها واستفيد منها قاعدة أخرى فيأتي بحث هل يمكن تعميمها بالنسبة للمخالفين أيضا؟

اما الطائفة الأولى من النصوص في مدلولها احتمالان

الأول: ان تكون ناظرة الى اثابت الصحة الواقعية للمعاملات الصادرة من الكفار

الثاني: البناء على ان هذه المعاملات فاسدة بالعنوان الاولي لكنها صحيحة بالعنوان الثانوي بمعنى انها تصح ممن يعتقد صحتها لا مطلقا

فالطائفة الأولى: من الروايات التي تشتمل على مجموعة من النصوص منها محمد ابن يعقوب عن علي ابن إبراهيم عن ابيه عن حماد ابن عيسى عن حريز عن محمد ابن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صدقات اهل الذمة وما يأخذ من جزيتهم من ثم خمورهم وخنازيرهم وميتتهم قال: عليهم الجزية على او موالهم تؤخذ من ثم لحم الخنزير او الخمر فكل ما اخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم وثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم)[3] تدل هذه الرواية على جواز اخذ المسلم ثمن الخمر او الخنزير الذي باعه الذمي من باب استيفاء الدين الذي للمسلمين على الذمي او من باب الجزية التي يلزم بها الذمي للمسلمين، والقدر المتيقن من هذا النص دلالته على معاملة الغير مع المعاملات الفاسدة الصادرة من الذمي معاملة الصحة واحترام الروابط الحاصلة لهم بعدها ملك لهم

اما استظهار ان ما يدفعه ملك له يعني البناء ان العقد الصادر منه عقد صحيح فلا يمكن استفادة ذلك من الرواية وبالتالي لا يرتب الأثر فأقصى ما تدل عليه هذه الرواية دلالتها على جواز اخذ المال منهم لكن ترتيب اثار الصحة على ما يؤخذ منهم هذا غير واضح

ان قلت الا يستفاد من قوله (عليه السلام) (عليهم الجزية من أموالهم تؤخذ من لحم الخنزير او خمر الخ) ان الخنزير والخمر واشباه ذلك يعتبر مملوكا لهم وذلك لان الامام ع عبر عن ذلك بقوله في أموالهم) فيدل ذلك على ثبوت الصحة الواقعية

قلت: استفادة هذا المعنى من النص مشكل جدا فالذي يجب عليهم هو إعطاء الجزية وهي مجعولة في أموالهم ويجوز اخذها منهم من كل ما يكون تحت ايدهم سواء كان ممن حصل بالأسباب الصحية عندنا ام بالأسباب الفاسدة عندنا نظير استيفاء الانسان دينه فيأخذ ما له من الذمي لا انه اخذ ثمن الخمر او الخنزير أيضا عندما نأخذ منه الجزية كذلك وليس لنا علاقة بمنشأ هذه الأموال فلا دلالة للتعبير المذكور على ان المقام مقام ملكية او صحة واقعية هذا اولا

وثانيا: ان المال المضاف إليهم لا يدل على ذلك المعنى لان المقصود من المال بمعنى الشيء المملوك والاضافة للإنسان من باب اعتقاده بملكيته لهذا المال او من باب ان العقلاء يتعاملون مع الانسان تجاه هذا المال معاملة الملك وليس الملكية الواقعية ويؤكد هذا المعنى ما اشتمل عليه ذيل الصحية (ووزر ذلك عليهم) فالتصرفات الخارجية في هذه الاعيان ذنب وخطيئة لان ثمنها سحت

فالنتيجة اقصى ما يستفاد من هذه الرواية هو امضاء الامام ع ملكيتهم وبالتالي الملكية حكم وضعي منتزع من الحكم التكليفي او في عرضه وبالتالي يترتب الأثر فلا دلالة في الرواية على الصحة الواقعية وانما دلالة الرواية على الاحتمال الثاني التي تمت الإشارة اليه وهو عبارة ان هذه المعاملة صحيحة ممن يعتقد صحتها وان كانت فاسدة بالعنوان الاولي.

الرواية الثانية وهي معتبرة منصور ابن خالد (قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) لي على رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر والخنزير وانا حاضر فيحل لي اخذها؟ فقال ع انما لك عليه دراهم)[4] فهو يدل على المطلوب أيضا

الرواية الثالثة: صحيحة محمد ابن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) (قال: في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمرا وخنازير وهو ينظر فقضى فقال: لا بئس اما للمقتضي فحلال واما للبائع فحرام)

وأيضا معتبرة البزنطي عن داود ابن سرحان وصحيحة زرارة عن (ابي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا وخنزيرا فقال لا بئس او قال خذها) فالمقام يدل على جواز الاخذ ولو قيل ان هذه الروايات الأخيرة اشتملت على كلمة (الرجل) وبالتالي يتصور على الحمل المطلق على مقيد فيقيد الرجل المذكور في هذه النصوص بخصوص الذمي بقرينة الروايتين المتقدمتين

الا ان هذا الكلام في غير محله وذلك لان تقيد النصوص المذكورة فرع البناء على انها متعارضة والحق انها غير متعارضة فهي مثبته وبما انها كذلك فلابد من البناء على تحقق الملكية

فنخرج بنتيجة على ان مدول هذه الروايات هو الاحترام والتعامل مع أموال الذمي معاملة الصحة

ومن النصوص الواردة في المقام ما دلت على ان الذمي إذا باع خمرا او خنزيرا فأسلم جاز له قبض الثمن منها موثقة عمار ابن موسى في حديث طويل عن (ابي عبد الله (عليه السلام) عن رجلين نصرانيين باع أحدهما من صاحبه خمرا او خنزيرا ثم أسلما قبل ان يقبضا الدراهم هل يحل له اخذ الدراهم قال: لا بئس) وهذه مردها الى جواز معاملة المسلم مع المعاملة الفاسدة الواقعة منه في حال الكفر معاملة الصحة وانه يحكم بملكيته الواقعية بعد اسلامه، ولكن هذا لا يقتضي ان تكون المعاملة صحيحة واقعا حال كونه كافر

وأيضا رواية علي ابن جعفر عن أخيه (موسى (عليه السلام) قال سألته عن رجلين نصرانيين باع احدهما خنزيرا او خمرا الى اجل فأسلما قبل ان يقبضا الثمن هل يحل لهما ثمنه بعد الإسلام قال: انما لهم الثمن فلا بئس ان يأخذه) وتدل هذه الرواية ان بعد الإسلام لا يمكن ان يرتب على تلك المعاملة الصحة الواقعية ولكن هذه الرواية ضعيفة سندا لأنها واردة في كتاب قرب الاسناد وطريق قرب الاسناد الى علي ابن جعفر يمر بعبد الله ابن الحسن وهو يحتمل قويا انه حفيد علي ابن جعفر لكن لا يوجد في أيدينا ما يمكن البناء على وثاقته واعتبار مروياته لكن يمكن ان قول انه حفيد للأمام جعفر الصادق ونشأ في ذلك البيت العلوي وهذا ما يوجب حسن المعتقد ولكن الجزم بهذه الكلام من الصعوبة بمكان

أيضا الرواية منقولة من كتاب علي ابن جعفر وهنا عندنا احتمالان اما ان نقول النسخة التي وصلت الى صاحب الوسائل من كتاب علي ابن جعفر هي جزما كتاب علي ابن جعفر كما يصر على ذلك الامام الخوئي قده فهنا يمكن ان نبني على اعتبار الرواية سندا وان لم يذكر صاحب الوسائل في مشيخته في نهاية الكتاب طريقا الى كتاب علي ابن جعفر وذلك لان للشيخ الطوسي قده طريقا لكتاب علي ابن جعفر ولصاحب الوسائل طريق الى الشيخ وبناءا على طريق التعويض نلتزم ان مرويات الصاحب الوسائل من كتاب علي ابن جعفر بالإجازة وهو كلام صحيح

ولكن المشكلة في الاحتمال الثاني وهو ما نستظهره ان كتاب علي ابن جعفر لم يصل للشيخ الحر بالإجازة وانما وصله بالوجادة فان نفس الكتاب اعتمده المجلسي واجاز احدهما الاخر والغريب انهما اختلفا في انسبة الكتاب الذي أجاز كل منهم الاخر إياه فنسب الحر قده الى علي ابن جعفر ونسبه المجلسي قده الى محمد ابن يحيى ابن عمران الاشعري وبالتالي يصعب ترتيب الأثر على هكذا كتاب بهكذا سند فالرواية ضعيفة

ومن الروايات الموجودة في المقام أيضا ما دلت على ضمان المسلم اذا اتلف خنزير الذمي معتبرة غياث عن جعفر عن ابيه في حديث ان علي ع ضمن رجل أصاب خنزيرا لنصراني) وهنا لا ينبغي ان يتوهم احد ان النصراني مالك للخنزير واقعا بل ان التضمين ما باب اقدام المسلم على مخالفة قوانين الذمة وبما ان النصراني في ذمة المسلمين فلا يجوز اتلاف ما يراه ملك له اما انها تدل على الملكية الواقعية والتصرف فيه حلال فغير ظاهر في الرواية

ومن النصوص الواردة في المقام حكم لو جعل الذمي او اهل الحرب المهر خمرا او خنزيرا كما في رواية عبيد ابن زرارة (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا خمرا وثلاثين خنزيرا ثم اسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها؟ قال ينظر كم قيمة الخنازير وكم قيمة الخمر ويرسل به اليها ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول) وهذه الرواية يمكن ان تناقش سندا كما عن السيد الخوئي قده لانه اشتمل على القاسم ابن محمد الجوهري وهو ممن لم تثبت وثاقته بالتوثيق الخاص ولكن بناءا على المختار من تمامية رواية المشايخ الثقات عن شخص فنبني على وثاقة القاسم ابن محمد الجوهري كما ذكرنا ذلك في محله

النتيجة ان هذه الرواية واضرابها يستفاد منها وقد عرفت ان المستفاد من روايات القسم الأول ان يتعامل المسلمون مع الكفار معاملة الملكية التنزيلية وليست واقعية وبالتالي ترتيب الاثار

فان قلت ان ما ذكرتموه مبني على الالتزام بان الكفار مكلفون بالفروع اما اذا قلنا غير مكلفين كما اختاره صاحب الحدائق والسيد الخوئي والتبريزي قده فلا مانع من ان تحمل النصوص المتقدمة على الصحة الواقعية

قلت ذكرت في محله مفصلا ان الحق ما عليه المشهور من البناء على تكليف الكفار بالفروع وان مستند القائلين بالخلاف لا يصلح ان يكون دليل يعول عليه في مقام الاثبات لكي يرتب الأثر وهذا تمام الكلام في الطائفة الأولى من النصوص والتي تضمنت بيان معاملة مملوكات الذمي ملكية تنزيليه ومن باب احترام قانون الذمة ليس الا.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo