< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد ال‌عبیدان‌القطيفي

قواعد الفقهيه

42/09/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: قاعدة الالزام/دلالة الروايات عليها/ تطبيق القاعدة على غير المسلمين

الطائفة الثانية: وهي المرتبطة بباب النكاح والمتعرضة الى نكاح غير المسلمين وكيفية التعاطي مع نكاحهم وهي مجموعة من الروايات الواردة في المقام فمنها رواية محمد ابن يعقوب الكليني عن علي ابن إبراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن عبد الله ابن سنان قال (قذف رجل مجوسي عند ابي عبد الله عليه السلام فقال مه، فقال الرجل: انه ينكح امه واخته، فقال: ذاك عندهم نكاح في دينهم)[1] فرتب الامام (عليه السلام) عليه اثره وفي كل دين من الأديان يوجد تفريق بين النكاح والسفاح، نعم يختلف نكاح كل قوم في الشؤون والشروط عن نكاح الاخرين فالإمام عندما قال (ذاك عندهم نكاح في دينه) لا يعني ان الامام (عليه السلام) يعترف بهذا النكاح عندنا ولكن يريد ان يقرر بان هذا يعد نكاح وفق دينه او مذهبه الذي ينتمي اليه فبما انه نكاح في دينه يرتب عليه بعض الاثار مثل انساب الولد وترتيب الإرث

أيضا يوجد روايات اخر تدل قريبا من هذا المعنى وما يهمنا التأكيد عليه ان دلالة هذا النص واضرابه ليس البناء فيها على الصحة الواقعية وانما دلالته على الصحة التنزيلية ففي رواية علي ابن حمزة عن ابي بصير عن (ابي عبد الله عليه السلام كل قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز)[2] هذه الرواية قد يتوهم شخص فيقول انها بصدد إعطاء ضابطة الى الصحة الواقعية على أساس ان الامام ع جعل المعيار في ترتيب اثار النكاح على التفريق بين النكاح والسفاح فكل من كان يملك القدرة على التميز بينهما فيقول هذا نكاح وهذا سفاح كان ما عده نكاحا صحيحا واقعا فيكون امضاء من الشارع المقدس للصادر عنهم

ولو سلمنا بدلالة الرواية على ذلك يكفينا لرفع اليد عنها ضعفها السندي فان راوي الرواية علي ابن حمزة البطائني وقد تبين حاله في ما سبق، مضافا الى اننا نمع في الحقيقة على الصحة الواقعية اذ اننا لا نستفيد منها اكثر من صحيحة عبد الله ابن سنان من دلالتها على الصحة التنزيلية فان الامام ع يقول ما دام المجوس يفرقون بين النكاح وبين السفاح فما عدوه نكاحا فانه داخل تحت عنوان النكاح وفقا لدينهم لا ان يكون نكاحا صحيح واقعا فلا تخرج دلالة رواية ابي حمزة عن ذلك.

ومن الضروري ان يشار الى ما ذكره السيد السيستاني دام ظله فقد ذكر ان المستفاد من كلمات الاعلام في روابط الكفار الزوجية نظريات

الأولى: تقول ان الزوجية بسبب فاسد او في غير المورد توجب الزوجية الواقعية لهم تمسكا بالإطلاقات وبتعبير اخر النظرية الأولى هي التي تقرر الزوجية الواقعية للكفار او غير المسلمين وترتيب الاثار شاملة لهم من كون طاعة الزوجة لزوجها وكون إلزام الزوج بالإنفاق على زوجته فكلها يلزم ان يكون ثابت عندهم بمعنى البناء على ان الزوجية الواقعية وفقا لمذهب الحق والإسلام تكون ثابتة أيضا عند جميع الديانات الأخرى على حد سواء من دون فارق

الثانية: وهذه النظرية تقول ان الزواج الحاصل عندهم ليست زوجية واقعية وانما هي زوجية تنزيليه فترتب عليها بعض احكام الزوجية في الشريعة المقدسة

الثالثة: نظرية البناء على الغاء هذه الزوجية أساسا فلا يترتب عليها شيء من الاثار

فإما الأولى تظهر من كلام الشيخ قده في كتابيه التهذيب والخلاف فقد ذكر في الخلاف في باب ميراث المجوس بان الزوجية الفاسدة موجبة للأرث واستدل على ذلك بقوله تعالى ﴿وورثه ابواه ولأمه الثلث﴾ فجعل للأم الثلث وللأخت النصف ولم يفصل وكذا قوله تعالى ﴿ولكم نصف ما ترك ازواجكم﴾ وقوله تعالى ﴿ولهن الربع مما تركتم﴾ وكل ذلك عام ولا فرق بين كون الزوجية صحيحة او فاسدة فيستفاد من ذلك البناء على الصحة الواقعية، وأيضا هذا المعنى أشار اليه في كتاب التهذيب فالنظرية لا يمكن الالتزام بها فإنها ضعيفة لان الزوجية من الاحكام الوضعية وأسباب حصول الزوجية مما تختلف باختلاف الأديان والملل وما يكون سببا للزوجية بحسب الدين الاخر لا يكون له قيمة في الشرع المقدس وبالتالي الاحكام المترتبة على الزوجية تترتب بعوان الزوجية الممضاة عند الشارع المقدس وليس كل زوجية

فاذا اعتبار الشارع بعض الأمور مانع في الزوجية يعني عدم اعتباره لتلك العلقة الزوجية وان ترتيب الأثر على زيجاتهم لابد ان يكون بسبب دليل اخر يكون حاكم على تلك الأدلة المشار اليها في كلام الشيخ قده

والنتيجة لا مجال للتمسك بأطلاق الأدلة كما فعل الشيخ لأثبات الزوجية الواقعية للكفار وذلك لان موضوع الحكم وان كان من الاحكام الوضعية ولكنه يكون منصرف الى ما تعترف به الشريعة السمحاء وليس مطلقا.

اما النظرية الثانية وهي الزوجية التنزيلية المفروض قد اتضحت الإشارة اليها من خلال كلمات صاحب الجواهر وهي نظرية يفترض ان يكون لها عقدان سلبي وايجابي فالسلبي عبارة عن فساد هذه الزوجية واما الإيجابي وهو ترتيب بعض الاثار عليها كوجوب النفقة وغير ذلك ولكن كل ذلك يحتاج الى دليل وشواهد فان توفرت والا لا يجب ترتيب الأثر.

اما الثلاثة وهي نظرية البناء على بطلان الزوجية المستفادة من كلام صاحب الجواهر أيضا.

أقول: يكفينا إذا رددنا النظرية الثالثة يمكننا ان نلتزم بالنظرية الثانية ويمكن ان نقيم بعض الشواهد على ثبوت بعض اثار الزوجية في النظرية الثانية لكن على نحو الموجبة الجزئية وليس الكلية والاستدلال على ذلك بعدة وجوه

الأول: الروايات التي تمسك بها الشيخ الطوسي قده من قبيل ان لكل قوم نكاح وقد عرفنا ان هذه الروايات تدل على عدم جواز قذفهم بلحاظ الزوجية الفاسدة وقد علل الامام ذلك بقوله (لكل قوم نكاح) ومفادها هل يعم سائر الاثار المترتبة على عقد النكاح، ولا ريب ان أحد اثار التعبير المتقدم عدم جواز القذف والشاهد معتبرة عبد الله ابن سنان المتقدمة او في رواية ابي بصير الواردة في قضية الاماء (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نهى رسول الله (صلى الله عليه واله) ان يقال للإماء يا بنت كذا وكذا فان لكل قوم نكاحا)[3] وهذا هل يعني ترتيب جميع اثار النكاح؟ ولكن البناء على دلالة هذه الروايات يحتاج الى الجزم بأنها مطلقة من هذه الناحية ولكن هذا انصافا صعب جدا لكن اقصى ما تفيد هو احترام نكاح الاخرين

ويوجد رواية أخرى وهي علي ابن حمزة عن ابي بصير عن (ابي عبد الله (عليه السلام) قال: كل قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز)[4] فمقتضى إطلاق هذه الرواية البناء على ترتيب جميع الاثار الدلالة على مفهوم النكاح عندهم

ولكن هل الشارع المقدس عندما اعتبر زوجيتهم زوجية قانونية تنزيليه هل هو بلحاظ جميع الاثار المترتبة حتى بحرمة نكاح المحارم او ليس ابعد من احترام القانون؟

انصافا لا يستفاد ان الشارع المقدس اعتبر جميع الاثار اقصى ما نستفيد انه يجوز لهم ترتب الاحكام التي لم يثبت عدم جواز ترتبها بالجواز التنزيلي مع ان الرواية ضعيفة سندا بعلي ابن حمزة

فالنتيجة خرجنا بان ما دل على زواج الاخرين من الديانات السماوية الأخرى او الكفار لا يفيد الزاما وانما هو نحو إقرار واحترام فمدلول هذه النصوص هو نفس ما دل على قاعدة الاحترام ويوجد عندنا روايات دلت على ميراث المجوسي وهو ما يمكن ان يذكر في المقام

منها عن (جعفر عن ابيه (عليه السلام) انه كان يورث المجوسي اذا تزوج بأمه وبأبنته من وجهين من وجه انها امه ووجه انها زوجته)[5] وهذه الرواية في بنان ابن محمد وهو لم يرد في حقه توثيق خاص نعم وقع في اسانيد كامل الزيارات فان بني على الكبرى بني على وثاقته والا فلا، ويمكن ان تعالج القضية برواية الصدوق عن السكوني وليس في سند الصدوق عن السكون بنان ابن محمد ولكن في سند الصدوق عن السكوني أولا النوفلي وثانيا السكوني وهذان نحن لا نبني على وثاقتهما عمدة الدليل على وثاقة السكوني عبارة الشيخ في العدة الدالة على ان الاصحاب قد عملوا برواياته لكن عدم افادة العبارة على التوثيق وأيضا النوفلي لا يمكن البناء على وثاقته الا لوقوعه في التفسير او لانه راوية السكوني ومقتضى الاجماع على قبول مرويات السكوني يقتضي البناء على قبول مروياته لان الطريق عادة يمر بوساطته وقد ذكرنا ان الامرين مما لا يمكن الالتزام بهما

واما الكلام في دلالة هذه الرواية دلت على انهم يحل لهم ما يستحلونه فيما بينهما وعلى أهلهم فنجد ان الإرث ترتب على الزوجية الفاسدة وهذا إقرار على روابطهم الزوجية حال كفرهم وقبل اسلامهم فترتب بعض الاثار انما هو مقتضى قانون الاحترام الذي يقتضيه التعايش السلمي مع اهل الذمة فكما لا يجوز التعرض لأموالهم وما يرونه ملك لهم كذلك لا يجوز التعرض لزوجاتهم على نحو الموجبة الجزئية حيث يمكن القول بترتب بعض الاثار على زوجاتهم حينئذ

والنتيجة البناء على عدم تمامية هذا الامر فنخرج ان اقصى ما يستفاد من هذه النصوص ان الاسلام يحترم النكاح الموجود عند هؤلاء او يحترم الملكية الحاصلة عندهم وبالتالي هذا الاحترام او الإقرار مغاير تماما لقاعدة الالزام ولا ربط لها فيثبت عدم صلاحية النصوص الموجودة في المقام على المدعى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo