< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

(مسألة 224): إذا أمر شخصاً بقطع عقدة في رأسه مثلاً ولم يكن القطع ممّا يؤدّي إلى الموت غالباً، فقطعها فمات، فلا قود (1) وكذلك لا دية على القاطع إذا كان قد أخذ البراءة من الآمر، وإلّا فعليه الدية (2) هناك أمران يرتبطان برواية السكوني:

الأول: قد يقال بأن الرواية تقول (من تطبب) ويراد بها -استناداً الى كلمات بعض اللغويين- من تكلف الطب، فلا بد من حمل الرواية على صورة ما لو لم يكن الطبيب حاذقاً وعارفاً، فالضمان المذكور في الرواية من هذه الجهة فلا تصلح دليلاً على الصورة الرابعة التي فرض فيها كون الطبيب عارفاً وحاذقاً ولم يقصر في علاجه وكان مأذوناً

ولكن بعد المراجعة يظهر بأن اللغويين يذهبون الى أن المراد بها من يتعاطى علم الطب، قال في الصحاح (المتطبب الذي يتعاطى علم الطب)[1] ، وفي لسان العرب (طبب: الطِّبُّ: علاجُ الْجِسْمِ والنَّفسِ، والمتطبب الذي يتعاطى علم الطب)[2] ، وفي مجمع البحرين: (والمتطبب: الذي يتعاطى علم الطب) [3] ، وفي تاج العروس: (و المُتَطَبِّبُ : مُتَعَاطِي عِلْمِ الطِّبِّ)[4] ، نعم ورد في النهاية (المتطبب الذي يعاني علم الطب ولا يعرفه معرفة جيدة)[5] ونقلوا ذلك عنه كاحتمال في المتطبب وفي العين: (المتطبب الطبيب)

فليس في كلماتهم ما يشير الى أن المراد بالمتطبب من تكلف ما ليس من شأنه فيحمل على ما لو كان قاصراً وغير حاذق، خصوصاً بعد عطف (تبيطر) على (تطبب) بناءً على أن المراد به من يمارس مهنة البيطرة لا من يتكلف ممارسة هذه المهنة وهو ليس من اهلها، ثم إن الفقهاء لم يطرحوا هذا الاحتمال في الرواية بل استدلوا بها على الضمان في الصورة الرابعة، فيمكن الاستدلال بها في محل الكلام.

الثاني: ان الرواية ذكرت (فلياخذ البراءة من وليه) وقد ذكرنا بأنه كما يشمل ما لو كان المريض طفلاً او مجنوناً هو شامل لما اذا كان المريض بالغاً عاقلاً، فيكون المقصود بالولي هو المريض نفسه فتؤخذ البراءة منه، والاشكال على هذا انه خلاف الظاهر فإن الرواية ظاهرة في الاثنينية والتعدد بين المريض والولي فلا يمكن تعميمه للمريض اذا كان بالغاً عاقلاً فانه ولي نفسه فلا اثنينية، نعم هو شامل للطفل المريض فانه تؤخذ البراءة من وليه

ولكن لو لاحظنا الرواية نجد انها تعطف تبيطر على تطبب، ومعناه انها افترضت ان المريض قد يكون حيواناً كما قد يكون انساناً عاقلاً بالغاً او طفلاً او مجنوناً، ففي معظم هذه الحالات يكون المريض له ولي فيصح ان يقال بأن الطبيب يأخذ البراءة من وليه، نعم في احدى هذه الحالات لا يكون هذا التعبير صحيحاً وهي ما لو كان المريض بالغاً عاقلاً فتؤخذ البراءة منه ولا توجد اثنينية، ومن هنا قد يقال بأن الرواية منزلة على الغالب، وان مسألة التعدد بين المريض والولي ليست ملحوظة فيها فانها قالت لا بد من أخذ الاذن ممن له الولاية، نعم يبقى أن الرواية عبرت (من وليه) ولم تقل (من الولي) ففيه شيء من خلاف الظاهر، وللمحقق الحلي كلام نقله في الجواهر عن نكت النهاية (وإنما عدل إلى الولي لأنه هو المطالب على تقدير التلف ، فلما شرع الإبراء قبل الاستقرار لمكان الضرورة صرف إلى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يبرء منه ، ولا أستبعد الإبراء من المريض فإنه يكون فعلا مأذونا فيه) [6] فكانه قبل قوله (ولا استبعد الابراء) يفترض الابراء من ولي المريض ولو كان بالغاً عاقلاً، وهذا الكلام وان كان يرفع اصل الاشكال الا انه لا يمكن الالتزام به لوضوح ان البالغ العاقل هو ولي نفسه وليس له ولي قبل العلاج ومن هنا لا يمكن قبول هذا الكلام، والصحيح ان المريض اذا كان بالغاً عاقلاً فلا بد من أخذ البراءة منه،

نعم يبقى في النفس شيء من تعميم هذه الرواية لما اذا كان المريض بالغاً عاقلاً

ولكن يبدو ان المسألة محلولة فحتى لو تنزلنا عما قلناه فيمكن اثبات الحكم بالنسبة للبالغ العاقل بالاولوية، فاذا كان الضمان يسقط عن الطبيب اذا اخذ البراءة من ولي المريض فسقوطه عنه لو اخذ البراءة من نفس المريض يكون اولى.

وقلنا بان ظاهر المعتبرة الاختصاص بما اذا تولى الطبيب المعالجة بنفسه، واما لو لم يباشر العلاج بنفسه بل وصفه للمريض فباشره المريض بنفسه او باشره شخص آخر واتفق موت المريض، فهنا لا يصح ان يقال بان الطبيب يكون ضامناً اذا لم ياخذ البراءة، فان ظاهر الرواية انه يباشر العمل بنفسه، ومن جهة اخرى فان الطبيب انما يكون ضامناً اذا صح إسناد التلف اليه وهو يكون في صورة مباشرته العلاج

والخلاصة ان ضمان الطبيب انما يرتفع باخذ البراءة ويكون ضامناً مع عدمها في ما اذا باشر العلاج، واما لو لم يباشره فهذا الوجه لا يجري فيه

ومن جهة اخرى فان الرواية تعطف البيطرة على الطبابة، وتطبيق الحكم على البيطرة موقوف على افتراض ان اذن مالك الحيوان في علاجه لا يستلزم الاذن في الاتلاف، واما لو كان الاذن في علاج الحيوان اذنا في اتلافه عرفاً، كما مثلوا له بما اذا كانت سفينة متهرئة وامر شخصاً بان يدق فيها مسامير فيعتبر الاذن في دق المسامير فيها اذن في الاتلاف، ومن الواضح بانه هنا لا يترتب عليه الضمان ومقتضى القاعدة انه لا يكون ضامناً حتى لو لم ياخذ الضمان فلا معنى لادخال هذه الحالة في الرواية

وما يهون الخطب عدم وجود الملازمة ولو عرفاً في مسألة البيطرة بين الاذن في العلاج وبين مسألة الاتلاف فطبيعة علاج الحيوان لا يؤدي الى التلف عادة

وذكر بعض الفقهاء انه حتى لو كان اذن المالك في العلاج اذناً في اتلاف الحيوان فالطبيب ضامن تمسكاً بظاهر الرواية فان ظاهرها ان ارتفاع الضمان له طريق واحد وهو اخذ البراءة فنعمل بها تعبداً في موردها

واما معتبرة السكوني الثانية فالاستدلال بها غير واضح انصافاً، فان الرواية مجملة فهي تتحدث عن ضمان صدر في واقعة خاصة، فكيفية حصول الختان ليست واضحة فلعله ضمنه لانه مقصر في علاجه ونحتمل التفريط فيه، فتكون الرواية مجملة وليس فيها اطلاق لفظي حتى نتمسك به لاثبات الضمان فالاستدلال بها على الضمان مع عدم التفريط مشكل

واما الدليل الرابع: فان ما نحن فيه جناية شبه عمدية فان ضابطة شبه العمد منطبقة هنا، بل كان احد الادلة على الضمان في اصل المسالة وهي القتل الخطائي هو معتبرة السكوني بالاضافة للادلة الاخرى

 


[1] الصحاح، ج1، ص170.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo