< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الدیات/ ديات الأعضاء/ ديات الكسر

(مسألة 343): إذا اجتمع بعض ما فيه الدية المقدرة شرعاً مع بعضها الآخر كذلك فلكلٍّ ديته (1) نعم، إذا كانت الجنايتان بضربة واحدة وكانتا مترتّبتين وكانت دية إحداهما أغلظ من الأُخرى دخلت دية غير الأغلظ في الأغلظ[1]

الفصل الثالث: دية الجناية على منافع الاعضاء، وهي كما يلي:

الاول: العقل، وفي ذهابه دية كاملة ، و في ثبوت الدية فيما إذا رجع العقل أثناء السنة إشكال، بل لا يبعد عدم الثبوت [2]

 

    1. قلنا بان القاعدة هي عدم التداخل ولا يصار الى التداخل الا ان يدل عليه دليل وقد دل الدليل على التداخل بشروط ثلاث: الاول: ان تكون الجنايتان بضربة واحدة، والثاني: ان يكون ترتب بين الجنايتين بأن تكون احداهما مسببة عن الاخرى، والثالث: أن تكون دية احداهما اغلظ من الاخرى، ويستدل لذلك بصحيحة أبي عبيدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله ، قال : ((إن كان المضروب لا يعقل منها الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له ، فانه ينتظر به سنة ، فان مات فيما بينه وبين السنة اقيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله اغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله ، قلت : فما ترى عليه في الشجة شيئا؟ قال : لا ، لانه إنما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين ، وهي الدية))[3] وواضح انها تحكم بالتداخل بالشروط الثلاثة التي ذكرها السيد الماتن فإن كون الجنايتين بضربة واحدة يستفاد من سؤال السائل فهو مفروض في السؤال واما الترتب فيستفاد من الفاء فهي دالة على ترتب الجناية الثانية على الاولى واما الشرط الثالث فانه يستفاد من قوله (عليه السلام) فالزمته اغلظ الجنايتين فالجنايتان ليستا متساويتين في الدية

فالحكم بالتداخل يختص بهذه الحالة فلو كانت الجنايتان بضربتين او كانتا في عرض واحد فلا تشمله الرواية كما لو ضربه بعصا على رأسه فذهب سمعه وذهب بصره فليست احداهما مسببة عن الاخرى بل هما في عرض واحد وكذلك يخرج ما اذا كانت ديتا الجنايتين متساويتين كما لو قطع اذنيه فذهب سمعه بضربة واحدة، فإن الدية فيهما متساوية

    2. قال في المبسوط وغيره كصاحب الغنية بلا خلاف، ويدل عليه صحيحة ابي عبيدة الحذاء -وإن كانوا يستدلون في الكتب الاستدلالية برواية ابراهيم بن عمر المتقدمة الا اننا نرى الاشكال في سندها- لان قوله فيها ((اغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله)) لا بد ان يكون المراد به الدية المعروفة وهي الدية الكاملة كما تقدم في صحيحة هشام بن سالم ((كل ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية)) فالمقصود الدية الكاملة ثم يقول ((وفي احداهما نصف الدية)) والمقصود نصف الدية الكاملة فالمراد الدية المعهودة

وكذلك قوله ((فألزمته أغلظ الجنايتين ، وهي الدية)) [4] فالمراد الدية الكاملة في مقابل دية الشجة ويؤكد ذلك ان دية ذهاب العقل لو كانت غير ذلك لكان المناسب تعيين مقدارها لأن الامام في مقام بيان ما يجب على الجاني ومن غير المناسب ان يترك القضية مهملة

وقلنا ان الفقهاء استدلوا برواية إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه ، وبصره ، ولسانه ، وعقله وفرجه ، وانقطع جماعه وهو حيّ ، بست ديات))[5] والمشكلة في ابراهيم بن عمر الصنعاني اليماني فقد وثقه النجاشي صريحاً وضعفه ابن الغضائري وقال ضعيف جداً فمن يبني على الأخذ بتضعيفات ابن الغضائري يكون ابراهيم عنده ممن تعارض فيه التضعيف والتوثيق ومن لا يبني على الاخذ بها اما لأن الكتاب غير ثابت النسبة له فتكون الرواية عنده صحيحة كما عبر عنها السيد الخوئي (قده) بذلك او ان تضعيفات ابن الغضائري لا نأخذ بها لأنه ما ترك أحداً الا وضعفه، او على الاقل اذا وجد في مقابل تضعيفه توثيق من النجاشي وامثاله يقدم التوثيق على تضعيفه، ولكن نحن نستشكل في هذا ولذا جعلناها مؤيدة، وتكون احدى الديات الستة في الرواية لذهاب العقل والمقصود الدية الكاملة، وهذه الجنايات كلها في عرض واحد فليس ذهاب العقل مسبب عن ذهاب البصر ولا هو مسبب عن ذهاب السمع

وقد يستدل على هذا المطلب بصحيحة هشام بن سالم ، قال : ((كل ما كان في الانسان اثنان ففيهما الدية ، وفي أحدهما نصف الدية ، وما كان فيه واحد ففيه الدية)) [6] وطبق في كلمات الفقهاء على الانف وغيره مما يملك الانسان منه واحدا، فقد يقال بتطبيقه على العقل لعموم قوله وما كان فيه منه واحد ففيه الدية

ففي الرواية من العموم ما يشمل العقل وهو واحد، وقد استدل بذلك في كلمات بعض الفقهاء وان كان في النفس منه شيء

وظاهر صحيحة ابي عبيدة ان الدية لذهاب العقل حتى اذا فرضنا ان ذهابه لم يحصل بضربة على الرأس بعمود فسطاط كما لو حصل بضربة في مكان آخر او حصل من دون ضربة كما لو افزعه، والسر هو قوله ((اغرم ضاربه الدية لذهاب عقله)) فالدية لذهاب العقل بقطع النظر عن المسبب لذهاب العقل فلا خصوصية للضربة على الرأس بعمود الفسطاط، وخصوصيتها فقط انها مسببة لذهاب العقل

فبحسب الفهم العرفي للرواية انه لا خصوصية لمورد الرواية وقد اشار الفقهاء الى ذلك ايضا

    3. مسألة التفصيل بين ما اذا رجع اليه عقله اثناء السنة فلا دية وبين ما اذا لم يرجع اليه عقله في اثناء السنة فتثبت الدية مستفادة من صحيحة ابي عبيدة فإنها تقول ((وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله اغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله)) فالمستفاد منها ان الزام الضارب بدفع الدية انما يكون بشرط ان لا يرجع اليه عقله في اثناء السنة ويفهم منها انه اذا رجع اليه عقله في اثناء السنة لا يغرم ضاربه الدية في ماله وواضح من التقييد في كلام الامام انه يفصل بين حالتين بين ما اذا رجع اليه عقله اثناء السنة فلا تثبت عليه دية ذهاب العقل وبين ما اذا لم يرجع اليه عقله في اثناء السنة فتثبت دية ذهاب العقل

وفي مقابل ذلك يوجد مانعان من الأخذ بهذا التفصيل:

الاول: توجد رواية يدعى انها منافية لصحيحة ابي عبيدة وهي رواية أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في رجل ضرب رأس رجل بعمود فسطاط فأمه حتى ذهب عقله ، قال : ((عليه الدية ، قلت : فانه عاش عشرة أيام أو أقل أو أكثر فرجع إليه عقله ، أله أن يأخذ الدية؟ قال : لا ، قد مضت الدية بما فيها )) [7] وتارة نقول ان الضمير في السؤال أله أن يأخذ الدية؟ يعود الى المجني عليه اي ان المجني عليه اذا رجع اليه عقله هل يستحق الدية؟، والامام يقول لا يستحقها فتكون موافقة لصحيحة ابي عبيدة، واخرى نقول ان الرواية ناظرة الى الجاني اي اله ان ياخذ الدية التي دفعها الى المجني عليه بعد ان عاد عقله فيكون السؤال عن استرجاع الجاني للدية فتكون منافية لصحيحة ابي عبيدة ولا بد ان يكون المقصود بقوله وقد مضت الدية اي استقرت الدية

وعلى كل حال فالرواية غير تامة سنداً فلا تصلح لمعارضة الصحيحة فإن محمد بن الربيع مجهول، ولا دليل على وثاقة يحيى بن المبارك سوى ما ذكره السيد الخوئي من انه موجود في اسانيد تفسير القمي والمانع الآخر من الأخذ بالتفصيل الذي تدل عليه صحيحة ابي عبيدة هو انه لا قائل بهذا التفصيل، والظاهر انه لا يشكل مانعاً لأنه لا يشكل اجماعاً على عدم التفصيل لأن المسألة لا يعلم ان الكل تعرضوا لها فهم غير متعرضين لها ولعلهم عندما ذهبوا الى عدم التفصيل لم يفهموا من صحيحة ابي عبيدة التفصيل او بعضهم على الاقل وأن قيد رجع اليه عقله احترازي ومن هنا لا يكون هذا موجباً للتوقف في العمل بهذه الصحيحة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo