< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ ديات الحمل/-

(مسألة 381): المشهور أنّ دية الجنين الذمّي عشر دية أبيه: ثمانون درهماً، وفيه إشكال، والأظهر أنّ ديته عشر دية أُمّه: أربعون درهماً (1)

انتهينا الى أن الاعراض موجب لوهن الرواية، وهذا واضح على المبنى الصحيح من كون المناط في حجية الخبر هو الوثوق بالصدور لأن الاعراض يوجب زوال الوثوق بالصدور او بجهة الصدور، فلا يمكن أن نلتزم بثبوت الحجية للخبر الذي أعرض المشهور عنه

واما على المسلك الآخر في حجية الخبر القائل بأن المناط في الحجية هو الوثاقة فذكرنا بأن الصحيح أن الوثاقة ليس لها موضوعية وخصوصية سوى انها طريق للواقع كما يظهر من السيرة العقلائية التي هي عمدة أدلة حجية الخبر وكذا من الادلة اللفظية، وبهذا يظهر أن المناط في الحجية هو الكشف النوعي الموجود في الوثاقة

يبقى أن الامارة المعاكسة وهي اعراض المشهور عن الرواية هل يوجب زوال الكشف النوعي او لا؟

فإن استظهرنا ذلك يكون الاعراض موجباً لوهن الرواية، واما اذا قلنا ببقاء الكشف النوعي فحينئذ لا نقول بسقوط هذه الرواية عن الاعتبار

واذا اردنا تطبيق ما انتهينا اليه على الرواية محل البحث وهي معتبرة السكوني القائلة بأن دية الجنين الذمي عشر دية امه، بينما ذهب المشهور الى انها عشر دية ابيه

وقال بعضهم بأن الرواية وإن كانت معتبرة سنداً لكنها تسقط بترك الاصحاب العمل بها

والملفت للنظر أن الرواية محل الكلام قد رواها الشيخ في التهذيب ولم تنقل في الكتب الحديثية الاخرى، والشيخ ابتدأ السند بمحمد بن علي بن محبوب، وللشيخ اليه ثلاثة طرق كما في المشيخة والفهرست، وقد وقع في هذه الطرق مشايخ الرواة امثال الحسين بن عبيد اللّه الغضائري وابن ابي جيد واحمد بن محمد بن يحيى العطار وابيه وابو المفضل وابن بطة والشيخ الصدوق ووالده وابن الوليد واحمد بن ادريس، واما محمد بن محبوب فهو ينقلها عن احمد عن النوفلي عن السكوني، واحمد هنا مردد بين ابن خالد البرقي وبين احمد بن محمد بن عيسى، بل يحتمل ايضاً أن يكون احمد بن محمد بن ابي نصر لأن ابن محبوب يروي عن البزنطي كما قالوا، ولا يبعد أن يكون المراد هنا البرقي لأن أكثر روايات ابن محبوب عن البرقي، والنوفلي والسكوني راويان مشهوران

وهذا يكشف عن أن الرواية كانت متداولة بين الرواة فكل هؤلاء نقلوها اما شفاهاً او في كتبهم، والمشايخ الموجودون في طرق الشيخ الى ابن محبوب قد حدثوه بروايات كتبه لأنه صرح (اخبرنا بجميع كتبه ورواياته...)[1] فلم تكن هذه الطرق طرقاً الى اسماء الكتب، ومن هنا يصعب افتراض عدم اطلاع المشهور عليها وإن انفرد الشيخ بذكرها في التهذيب

وقد صرح بعض الفقهاء بكون الرواية متروكة، وصرح بعضهم بإعراض الاصحاب عنها كما في الرياض وكشف اللثام والجواهر، ويمكن أن يستظهر الاعراض من دعاوى الاجماع وعدم الخلاف والاتفاق على أن دية الجنين الذمي عشر دية أبيه

ويضاف الى هذا تصريحهم في المقنعة والنهاية والسرائر والمحقق في كتابيه والعلامة في جملة من كتبه بالإعراض عنها، بل لم ينقل عن أحد ممن يعتنى برأيه القول بأن الدية هي عشر دية أمه

وبناء على هذا تتم شرائط تحقق الاعراض

واما منشأ الاعراض فقد ذكرنا بأنه على بعض المناشيء يكون الاعراض موجباً لوهن الرواية، ولكن إذا شككنا في منشأ الاعراض واحتملنا أن يكون موجباً لوهن الرواية فلا اعتبار بالرواية

ثم انه قد استدل على القول الآخر برواية أخرى وهي رواية مسمع بن عبد الملك ولكنها ضعيفة السند جداً كما تقدم بسهل وابن شمون والاصم

وقد استدل للقول الآخر بدليل ثالث وهو ما ذكرناه من أن الأدلة دلت على أن أهل الذمة مماليك للإمام وقد رتبت الروايات[2] [3] بعض الآثار على كونهم مماليك للإمام من قبيل عدة الطلاق فعدة الذمية كعدة الأمة، وجواز الزواج بالكتابية على الذمية لأنها كالأمة بينما لا يجوز الزواج بالكتابية على المسلمة الحرة

فاذا كانت مثل الأمة فدية جنينها كدية جنين الأمة وسيأتي أن فيه عشر قيمة أمه ففي جنين الذمية عشر دية أمه

وناقشوا في أصل استفادة انهم مماليك حقيقيون تترتب عليهم أحكام العبيد من هذه الأدلة، فقد تردد كثير من المحققين في ذلك فذهبوا الى انه ليس المقصود هو الملك الحقيقي الذي تترتب عليه كل آثار الملكية وانما المقصود انهم مماليك للإمام بلحاظ آثار معينة ذكرت في نفس الروايات مثل عدة الطلاق وجواز زواج الكتابية على الذمية، ولعل ما يؤيد هذا الحمل هو أن عبارة أهل الذمة مماليك للإمام وردت في كلام الامام كتعليل لحكمين ذكرهما الامام بالنسبة الى الذمية فقد يقال بأنه ناظر الى أنهم مماليك للإمام في هذه الاحكام لا مطلقاً

والظاهر أنه يصعب جداً الالتزام بأنهم مماليك حقيقيون للإمام بحيث تترتب عليهم كل أحكام العبيد، وكثير من الاحكام لم يلتزم الفقهاء بترتيبها مثل الدية فإن دية الذمي ثمانمائة درهم بينما دية العبد قيمته ولم يلتزم أحد بأن ديته دية المملوك

وهكذا الأدلة التي تقول لا يقتل الحر بالعبد ويقتل العبد بالعبد، فاذا قتل الذمي الحر عبداً فظاهرهم انه لا يقتل به

فيبدو أن الدليل الثالث ليس تاماً بناء على عدم امكان تعميم هذا لكل الآثار، ومن هنا يظهر بأن كل الأدلة الثلاثة التي ذكروها لإثبات القول المشهور ليست تامة، ولكن هذا لوحده لا يجعلنا نلتزم بقول المشهور بعد أن عرفنا أنه لا دليل عليه سوى ما تقدم من وجوه وقد صرحوا بانه لا يمكن التعويل عليها لإثبات الاحكام الشرعية

وقد استدل بعضهم على قول المشهور بالإجماع، بل صرح بعض المحققين بأنه لا دليل الا الاجماع، والظاهر أن الاجماع متحقق، فقد ادعى الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك ونقلنا عبارته في المبسوط التي يظهر منها دعوى الاجماع، وقال بعضهم ان الشيخ ابن ادريس ذهب الى هذا الرأي وهو لا يعمل الا بالقطعيات

وذكر هذا المعنى الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في النهاية مع أن كتابيهما متون أخبار وهذا يؤيد وجود أخبار الا أنها لم تصل الينا


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo