< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ ديات الحمل/

(مسألة 388): لو أفزع شخصاً حال الجماع فعزل منه المني في الخارج فعليه عشرة دنانير(1)، ولو عزل الرجل عن امرأته الحرّة بدون إذنها قيل: لزمه عشرة دنانير، ولكن لا وجه له، بل الأظهر أنّه ليس عليه شي‌ء (2)

    1. ذكرنا الدليل على هذا الحكم وهو معتبرة ظريف ((وأفتى عليه‌السلام في مني الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير))[1] وفي بعض نسخها (يفرغ عن عرسه) وبهذا اللفظ لا تنسجم مع قوله (ولم يرد ذلك) ولذا فالموجود في بعض النسخ (لم ترد ذلك)

وقد فهم الفقهاء منها ما قلناه واستدلوا بها على ثبوت الدية وهي عشرة دنانير على المفزع على العزل غير الاختياري الحاصل نتيجة افزاع مفزع، وهذا يؤيد أن الموجود هو (يفزع عن عرسه)

ومبدئياً نقول يستدل بهذه الرواية بناء على قرائتها بالزاي، ولا دليل للفقهاء على الحكم في المقام غير هذه الرواية

وذكرنا بأن السيد الماتن طرح بحثاً بأن هذه الدية هل تعطى للزوج او للزوجة واختار بأنها للزوج واستدل بالروايات الدالة على أن المني للرجل يصرفه حيث شاء فالمستفاد منها أن وضع المني بيد الزوج فاذا أراد وضعه في رحم المرأة وجاء شخص آخر ومنعه من ذلك فقد فوّت عليه هذا الحق وليس فيه تفويت لحق من حقوق الزوجة، وهذا يقتضي أن تعطى الدية للزوج لا للزوجة، وسيأتي مزيد إيضاح وتتمة لهذا الكلام في البحث التالي

2-الفرع الثاني: لو عزل الرجل عن امرأته الحرّة بدون إذنها، وفي المسألة قولان:

الأول ما أشار اليه في المتن بقوله (على الزوج عشرة دنانير) وذهب اليه جماعة على ما حكي عنهم كالشيخ المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية والقاضي في المهذب وابن حمزة في الوسيلة وابن زهرة في الغنية والكيدري في اصباح الشيعة والمحقق في نكاح الشرايع والعلامة في القواعد وغيرهم

وعن الغنية وظاهر الخلاف الاجماع عليه

ويظهر من الشيخ ابن ادريس في السرائر وجود رواية تدل على ذلك حيث قال (وقد روى انه إذا عزل الرجل عن زوجته الحرّة بغير اختيارها، كان عليه عشر دية الجنين، يسلم إليها)[2] ، وهكذا ذكر الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع بانه مروي

ويظهر من آخرين الاستدلال لثبوت الدية بما دل على حرمة العزل بدعوى الملازمة بين حرمة العزل وبين ثبوت الدية، ولعله لأجل دعوى الملازمة هذه جعل المحقق في المختصر الحكم بوجوب الدية مترتباً على تحريم العزل، وعلق الشهيد في المسالك بعد نقل كلامه بأنه أنسب بالقياس

أقول أما الرواية التي اشير اليها فلا وجود لها في الكتب الحديثية بالشكل الذي نقله الشيخ ابن ادريس

نعم الموجود فيها هو معتبرة ظريف وواضح بأنها لم ترد في محل الكلام فإن موردها العزل غير الاختياري الذي يكون بافزاع مفزع، نعم اذا قبلناها بالقراءة الاخرى ومنعنا التفاوت في عباراتها بان يكون لفظها ((في مني الرجل يفرغ عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم ترد ذلك)) فقد تكون هي المشار اليها في كلام ابن ادريس، الا ان القراءة المشهورة هي الأقرب فإن تفريع العزل على قوله (يفرغ عن عرسه) غير واضح

ويحتمل بعيداً أن يكون مقصود الشيخ ابن ادريس وصاحب الجامع معتبرة ظريف بالقراءة التي ذكرناها بدعوى انها كما تشمل الفرع الاول تشمل الفرع الثاني بأن يقال إن المستفاد من المعتبرة هو ثبوت الدية على من فوت النطفة وحينئذ يقال لا فرق بين مفوت ومفوت فلا فرق بين الزوج والاجنبي في الحكم فتثبت الدية في كلا الفرعين

وبعبارة اخرى ان المعتبرة دلت على ثبوت الدية على من فوت النطفة واذا ثبت للشيء دية فلا فرق في تفويته بين مفوت ومفوت

ويلاحظ عليه ان الرواية في الفرع الثاني غير موجودة

واحتمال أن يكون مراده معتبرة ظريف بالتقريب الذي ذكرناه اخيرا يلاحظ عليه ان ظاهر الرواية هو ثبوت الدية على من فوت النطفة على الزوج، وهذا نثبته بالاستعانة بالروايات الدالة على أن أمر المني بيد الرجل يضعه حيث شاء

فلا يصح أن يقال انه لا فرق بين مفوت ومفوت لأنه إنما يصح أن يقال ذلك اذا قلنا بأن النطفة حق للزوجة وقد يستفاد هذا من صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، انه سئل عن العزل؟ فقال : ((اما الامة فلا بأس ، وأمّا الحرّة فاني أكره ذلك الا ان يشترط عليها حين يتزوجها))[3]

وصحيحه الاخر عن أبي جعفر عليه‌السلام مثل ذلك ، وقال في حديثه : ((الا ان ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوجها))[4]

فقد يستفاد ذلك من الحديث لأنه جعل الأمر منوطاً برضاها او باشتراطه في العقد، ففيه اشعار بأن هذا حق للزوجة والا فلا معنى للاشتراط

ولكن الظاهر أن هذا غير تام لأن الرواية ليست في مقام بيان الحكم الالزامي بل هي في مقام بيان الكراهة كما فهم منها الفقهاء ذلك وحينئذ يقال ان الكراهة تثبت في العزل اذا لم ترض الزوجة او لم يشترط عليها ذلك في العقد وترتفع هذه الكراهة عندما ترضى الزوجة او يشترط عليها ذلك في العقد فيثبت لها حق لكن لا على نحو الالزام

ومثل هذا الحق لا يمكن أن يترتب عليه الحكم في مقابل حق الزوج الذي اثبتناه بالأدلة المتقدمة، فالحق للزوج الا انه ينبغي مراعاة الزوجة ولا اشكال في أن مقتضى مراعاتها هو هذا ولا اشكال في أن الكراهة ترتفع اذا هي رضيت او اشترط عليها ذلك في العقد والا فيوجد كراهة في العزل الا أن هذا لا يثبت به حق لها في مقابل حق الزوج

واما الاستدلال بالملازمة بين حرمة العزل وثبوت الدية

ففيه أن الظاهر أن مسألة حرمة العزل مسألة خلافية وإن ذهب الأكثر الى عدم الحرمة والالتزام بالكراهة

ولكن هناك من ذهب الى الحرمة كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي وابن حمزة على ما حكي عنهم

واستدل المشهور لعدم الحرمة بالروايات[5] التي تكاد تكون صريحة في ذلك

كما في صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن العزل؟ فقال : ((ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء))[6]

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن العزل؟ فقال : ((ذاك إلى الرجل))[7]

ورواية عبد الرحمن الحذاء ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((كان علي بن الحسين عليه‌السلام لا يرى بالعزل باسا يقرأ هذه الآية ﴿وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم﴾ فكل شيء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج وان كان على صخرة صماء))

ورواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ((لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة ان أحب صاحبها وان كرهت ليس لها من الامر شيء))

ورواية محمد بن مسلم قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : ((الرجل تكون تحته الحرة أيعزل عنها؟ قال : ذاك إليه ان شاء عزل وان شاء لم يعزل))

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : ما تقول في العزل؟ فقال : ((كان عليّ عليه‌السلام لا يعزل ، وأما أنا فأعزل ،فقلت : هذا خلاف! فقال : ما ضر داود ان خالفه سليمان والله يقول ﴿ففهمناها سليمن﴾ ))

وفي المقابل هناك من ذهب الى الحرمة واستدل عليها بروايات نبوية مثل ما ورد من انه نهى ان يعزل عن الحرة الا بإذنها وفي حديث آخر عبر عن العزل بالوأد الخفي

واستدلوا على حرمته بأن فيه فوات الغرض من النكاح وهو الاستيلاد، واستدلوا بأن فيه تفويت لحق الزوجة وهو الالتذاذ فإن كمال اللذة به

وهي كما ترى وجوه غير ناهضة لإثبات التحريم

 


[1] وسائل الشيعة: 29/312، الباب19 من أبواب ديات الأعضاء ح1.
[2] السرائر: 3/418.
[3] وسائل الشيعة: 20/151، الباب76 من ابواب مقدمات النكاح وادابه ح1.
[4] وسائل الشيعة: 20/151، الباب76 من ابواب مقدمات النكاح وادابه ح2.
[5] وسائل الشيعة: 20/149، الباب الخامس والسبعون من ابواب مقدمات النكاح وادابه.
[6] وسائل الشيعة: 20/149، الباب الخامس والسبعون من أبواب مقدمات النكاح وادابه ح1.
[7] وسائل الشيعة: 20/149، ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo