< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ ديات الحمل/

(مسألة 388): لو أفزع شخصاً حال الجماع فعزل منه المني في الخارج فعليه عشرة دنانير، ولو عزل الرجل عن امرأته الحرّة بدون إذنها قيل: لزمه عشرة دنانير، ولكن لا وجه له، بل الأظهر أنّه ليس عليه شي‌ء (1) و أمّا العزل عن الأمة فلا إشكال في جوازه ولا دية عليه (2)

(مسألة 389): في إسقاط الجنين المتكوّن من زنا إذا تمّت خلقته قبل أن تلجه الروح عشر دية ولد الزنا (3)، وأمّا ديته في المراتب السابقة دون هذه المرتبة فعلى النسبة

كان الكلام في مسألة وجوب الدية وعدمها في العزل الاختياري

وقد أشار الشيخ ابن ادريس الى وجود رواية تدل على وجوب الدية في هذا الفرع، ويحتمل انه يشير الى معتبرة ظريف الواردة في الفرع الاول، واستدل أيضاً بدعوى الملازمة بين حرمة العزل وبين ثبوت الدية، وكأنه فارغ عن حرمة العزل وقلنا بأن المحقق في المختصر جعل الحكم بالدية مترتباً على الحرمة، وقال الشهيد الثاني بأنه الانسب

وقد استدل القائلون بالحرمة بروايات نبوية مثل ما روي بانه نهى ان يعزل عن الحرة الا بإذنها وان العزل الوأد الخفي، واستدل بان فيه فوات الغرض وهو الاستيلاد وفيه فوات الالتذاذ بالنسبة للمرأة وهو حق لها

 

وقلنا بان الروايات ظاهرة بانه ليس بحرام وما ذكروه من الادلة امرها واضح

اما الرواية فقلنا بانه لا توجد رواية تدل على الحكم في محل الكلام، ويبقى احتمال أن يكون المقصود بالرواية هي معتبرة ظريف على بعض نسخها سيأتي التعرض له

واما الاستدلال بالملازمة ففيه

اننا نمنع الملازمة بين الحرمة وبين ثبوت الدية وهذا المنع ينبغي ان يكون واضحاً، نعم لعل مقصود من ذكر الملازمة ان تحريم العزل باعتبار وجود حق للزوجة في ماء الرجل

ومعتبرة ظريف دلت على ثبوت الدية عند تفويت ماء الرجل من قبل شخص آخر، وبالنتيجة هي تدل على أن تفويت هذا الماء فيه دية، وحرمة العزل يفهم منها ان لها حقاً في هذا الماء

فلعل مقصودهم من الملازمة بين التحريم وثبوت الدية هو الملازمة بضم هذه الأمور التي ذكرناها، ولكن كلها محل نقاش فلم يثبت انه حق للزوجة بل استظهرنا انه حق للزوج يضعه حيث شاء

وبعضهم ادعى الملازمة بعكس هذا أي الملازمة بين ثبوت الدية وبين الحرمة لا العكس، ومن هنا استدل بعضهم على حرمة العزل بثبوت الدية

وهذا غير واضح ولعل منشأه هو ان الدية تثبت في الجناية وهي محرمة عادة

ويلاحظ عليه ثبوت الدية في موارد ليست بحرام كالخطأ المحض

ومن هنا يظهر ان هذا الدليل ليس تاما

واما الروايات فهي نبوية لم ترد من طرقنا

وليس واضحاً أن كل عزل يلازم فوات الاستيلاد كما لو كانت حاملاً او يائس او صغيرة، ثم إن الوطىء لا يجب الا مرة كل أربعة أشهر فاذا وطئها فلا مانع في أن يعزل الى أربعة أشهر

واما مسألة انه يفوت الالتذاذ على المرأة فإن هذا قد يستفاد من صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما‌السلام ، انه سئل عن العزل؟ فقال : ((اما الامة فلا بأس ، وأمّا الحرّة فاني أكره ذلك الا ان يشترط عليها حين يتزوجها))

وصحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه‌السلام مثل ذلك ، وقال في حديثه: ((الا ان ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوجها))[1] ومن رهن جواز العزل برضا الزوجة او اشتراط ذلك في العقد يفهم أن هذا حق لها،

ولكن الظاهر أن الرواية لا تريد أن تثبت أن للمرأة حق الا بمقدار الحكم غير الالزامي لأنها تصرح بالكراهة، وأن كراهة العزل لا ترتفع الا برضاها او اشتراط ذلك في العقد، وهذا معناه جواز العزل حتى مع عدم رضاها ومع عدم الاشتراط

فليس في الرواية دلالة على ملكها لحق في ماء الرجل بحيث إذا فوته عليها تستحق الدية

ومن هنا يظهر عدم تمامية ما استدل به على الدية في المقام

اللهم الا أن يدعى بأن الدليل على ثبوت الدية هو معتبرة ظريف على قراءة فيها

فإنها لو قرأت ((في مني الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك)) تكون ظاهرة في العزل غير الاختياري

ولكن الموجود في الفقيه المطبوع ونقله عنه في جامع الأحاديث هو ((في الرجل يفرغ عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم ترد ذلك)) فتكون ناظرة الى العزل الاختياري من دون اذن الزوجة

وفي الكافي[2] المطبوع ((فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ يُفْرِغُ مِنْ عِرْسِهِ فَيَعْزِلُ عَنْهَا الْمَاءَ ولَمْ يُرِدْ ذَلِكَ)) وهكذا في التهذيب وكذا في الوسائل نقلاً عن الكافي

ومن هنا يحصل علم اجمالي بوقوع تصحيف لأن الفارق في النقط فقط، فالتصحيف واقع لا محالة ولكن لا علم لنا في أي نقل وقع التصحيف، ومن دون أن نبذل عناية لترجيح قراءة معينة لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية

اقول يمكن ترجيح أن تكون القراءة ((في مني الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك)) فتكون ناظرة الى الفرع الأول ولا تشمل محل الكلام، وانما نرجح هذا باعتبار ما ورد في ذيل الرواية ((وَ إِذَا أَفْرَغَ فِيهَا عِشْرِينَ دِينَاراً)) وهذه العبارة لا تنسجم مع افتراض العزل الاختياري، لأنه لا معنى له، بينما لو قلنا بأنها ناظرة الى العزل غير الاختياري فيمكن تفسير هذه العبارة كما ذكره الفقهاء (وان افرغ فيها وخرج المني منها بالافزاع ففيه عشرون ديناراً) فتنسجم مع صدر الرواية، فالفقهاء افترضوا أن الافزاع موجود في كل من الشقين

وهذا يوجب ترجيح احتمال أن الرواية ناظرة الى العزل غير الاختياري

والتصحيف بهذا المقدار طبيعي ولعله واقع في الطباعة

ويضاف الى ذلك التهافت بين قوله (يفرغ من عرسه) وبين قوله (فيعزل عنها) فاذا قلنا بانها ناظرة الى العزل الاختياري فإن قوله (يفرغ من عرسه) بحاجة الى تأويل

ففي العزل الاختياري لا دليل على ثبوت الدية بل الدليل على عدم الدية وهو ما استفدناه من الروايات المعتبرة الدالة على أن الماء للرجل يضعه حيث شاء على ما تقدم فلا يترتب عليه لا حرمة ولا دية

لا اشكال ولا خلاف في جواز العزل عن الأمة تكليفاً وأنه لا دية عليه

اما جوازه تكليفاً فيمكن التمسك له -مضافاً للنصوص الخاصة بالمورد- بالروايات السابقة الدالة على جواز العزل لانها شاملة باطلاقها للأمة

واما عدم ترتب الدية عليه، فلعدم ثبوت دليل على ترتب الدية في العزل عن الحرة ففي العزل عن الأمة كذلك إن لم يكن اولى

وقد دلت الأدلة على أن دية ولد الزنا ثمانمائة درهم وعشرها ثمانون درهماً

وفهمنا أن فيه عشر دية ولد الزنا من معتبرة ظريف فالمعتبر فيها هو النسبة وان مقادير الديات المذكورة فيها من المئة والعشرين والأربعين وغيرها لا خصوصية لها وانما الملحوظ فيها هو النسبة

فتكون النسبة هي المعتبرة في محل الكلام فدية الجنين المتولد من زنا بعد تمامية خلقته وقبل أن تلجه الروح عشر دية والده فتكون ديته ثمانون درهماً

ونقسم هذه الدية على المراتب الخمسة ففي النطفة خمس الثمانين وفي العلقة خمسا الثمانين وفي المضغة ثلاثة اخماسها وهكذا

 


[1] وسائل الشيعة: 20/151، الباب السادس والسبعون من أبواب مقدمات النكاح وادابه ح2.
[2] الكافي: 7/343.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo