< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ ديات الحمل/

(مسألة 394): لو أسقطت حملها حيّاً فقطع آخر رأسه، فإن كانت له حياة مستقرّة عادةً بحيث كان قابلاً للبقاء فالقاتل هو الثاني دون الأوّل، وإن كانت حياته غير مستقرّة فالقاتل هو الأوّل دون الثاني، وإن جهل حاله ولم يعلم أنّ له حياة مستقرّة سقط القود عن كليهما، وأمّا الدية فهل هي على الثاني، أو على كليهما، أو أنّها تعيّن بالقرعة، أو أنّها في بيت مال‌ المسلمين؟ وجوه، الصحيح هو الأخير فيما عدا عشر الدية، وأمّا العشر فهو على الثاني (1)

(مسألة 395): لو وطئ مسلم وذمّي امرأةً شبهةً في طهر واحد ثمّ أسقطت حملها بالجناية، أُقرع بين الواطئين، وأُلزم الجاني بالدية بنسبة دية من اُلحق به الولد من الذمّي أو المسلم (2)

(مسألة 396): إذا كانت الجناية على الجنين عمداً أو شبه عمد فديته في مال الجاني (3)، وإن كانت خطأً وبعد ولوج الروح فعلى العاقلة (4)، وإن كانت قبل ولوج الروح ففي ثبوتها على العاقلة إشكال، والأظهر عدمه (5)

1-قلنا بأن ما ذكره السيد الماتن من الرجوع في الدية الى بيت مال المسلمين لئلا يبطل دم امريء مسلم لا يتم الا إذا نفينا كل الاحتمالات الأخرى بحيث يدور الأمر بين الغاء الدية أصلاً وبين أن تؤخذ من بيت المال

وذكرنا في الدرس السابق بانه لا دليل واضح على كل الاحتمالات فحينئذ لا طريق لنا الا أخذ الدية من بيت المال

وتبقى مشكلة أن الحديث يقول ((لا يطل دم امريء مسلم)) فكيف نطبقه على المقام والحال أن السيد الماتن ذكر انه لا يصدق عنوان المسلم على الجنين

ولعل ما يؤيد ما ذكره السيد الماتن من الرجوع الى بيت مال المسلمين هو الروايات العديدة الواردة في الرجوع الى بيت مال المسلمين وكأن بيت مال المسلمين معد لمثل هذه القضايا

كما في رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال : ((إن كان له مال اخذت الدية من ماله ، وإلا فمن الاقرب فالاقرب ، وإن لم يكن له قرابة أداه الامام ، فانه لا يبطل دم امرئ مسلم))[1]

وليس المقصود شخص الامام

ومرسلة عبد الرحمن ، عمن رواه ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية ((أن الدية على ورثته ، فان لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال))[2] وغيرها[3]

فهذه الروايات مؤيدة لما ذهب اليه السيد الماتن في محل الكلام

والمهم أن نتجاوز عقبة صدق عنوان المسلم على الجنين

2-المفروض في المقام امكان التولد من كل منهما، ولا دليل على انه لاحدهما فحينئذ يتعين الرجوع الى القرعة لتعيين الحاق الجنين بأي منهما لأنها لكل أمر مشكل ولا دليل على الحاقه بأي منهما لا ظاهري ولا واقعي

نعم لا يترتب القصاص حتى مع توفر شروطه من العمد وكون الجناية بعد ولوج الروح بناء على ما استقربناه من أن البالغ لا يقتص منه للصبي والجنين وأن المسلم لا يقتص منه للذمي

واما على رأي المشهور الذاهب الى أن البالغ يقتص منه فيمكن بشكل ما أن يثبت هذا الاثر، ولكن يبقى احتمال كونه ذمياً، والظاهر انه لا خلاف في ان المسلم لا يقتص منه للذمي

3-لا فرق في كون الجناية على البالغ او على الجنين فإن الجناية العمدية او شبه العمد تؤخذ ديتها من نفس الجاني

والظاهر أن هذا مما لا اشكال فيه ولا خلاف للأدلة العامة المتقدمة الدالة على أن دية الجناية العمدية وشبه العمد على الجاني مضافاً الى الأدلة الخاصة وهي ظاهرة في أن دية الجنين اذا كانت الجناية عمداً او شبه عمد على الجاني

منها مرسلة عبدالله بن سنان ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة ، قال : ((عليه عشرون ديناراً ، فان كان علقة فعليه أربعون ديناراً ، ( فإن كان ) مضغة فعليه ستون ديناراً ، فان كان عظما فعليه الدية ...))[4]

والظاهر انها جناية عمدية، والمقصود بالدية فيها هي دية الجنين قبل ولوج الروح

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة؟ فقال : ((عليه عشرون ديناراً فقلت : يضربها فتطرح العلقة ، فقال : عليه أربعون ديناراً ...))[5]

ويمكن الاستدلال بها في محل الكلام حتى لو قيل بانها تشمل العمد باطلاقها، إذ لا اشكال في الاستدلال بها في محل الكلام وما يأتي في بحث العاقلة يكون مخصصاً لها

وكذلك صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في امرأة شربت دواءاً وهي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها ، قال : ((إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم وشق له السمع والبصر فان عليها دية تسلمها إلى أبيه))[6]

ورواية داود بن فرقد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنينا ، فقال الاعرابي : لم يهل ولم يصح ومثله يطل، فقال النبي : ((اسكت سجاعة، عليك غرة وصيف عبد أو أمة))[7]

بالاضافة للروايات الكثيرة الاخرى، بل حتى الروايات التي لم تصرح بانها على الجاني كما لو قال ديته عشرون دينارا فان المنساق منها انها على الجاني

وعندما نقول في الخطأ المحض أن الدية على العاقلة فالمراد انها على الجاني ولكن تتحملها العاقلة للأدلة الخاصة وتظهر الثمرة العملية لو امتنعت العاقلة عن دفع الدية فتبقى ذمة الجاني مشغولة بالدية

ومقتضى اطلاق هذه الادلة او بعضها على الأقل هو عدم الفرق بين أن تكون الجناية على الجنين بعد ولوج الروح او قبل ولوج الروح

4-يدل عليه اطلاق أدلة ضمان العاقلة في الجناية الخطأ كما سوف يأتي في مبحث العاقلة، من قبيل ((عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة)) أي انه ينزل منزلة الخطأ فتتحمله العاقلة، وهذا مطلق فيشمل الجناية على الجنين بعد ولوج الروح فتكون هذه الجناية خطأ فتحمله العاقلة

بل سيأتي احتمال أن هذا هو القدر المتيقن من الادلة، فقد نوقش في شمول ادلة ضمان العاقلة للجنين قبل ولوج الروح

المعروف بينهم أن دية الجنين في الخطأ المحض على العاقلة من دون فرق بين ولوج الروح وقبله كما هو مقتضى اطلاق كلماتهم

بل صرح بعضهم -على ما حكي- بعدم الفرق بين ولوج الروح وعدم ولوج الروح وفي الجواهر أن ظاهرهم الاتفاق على ذلك

ومعنى ما ذهب اليه المشهور انهم لا يشترطون في ضمان العاقلة تحقق عنوان القتل واعتبروا أن الجناية ولو قبل ولوج الروح هي بحكم القتل فإن كانت عمداً او شبه عمد فالدية على الجاني وإن كانت خطأ فالدية على العاقلة

وفي الجواهر ذكر بانه لولا الاتفاق المذكور أمكن الاشكال في ضمان العاقلة في صورة عدم تحقق القتل كما في الجناية عليه قبل ولوج الروح، خصوصاً بعد اطلاق نصوص الضمان على الجاني

والظاهر انه ينشأ من الاشكال في شمول أدلة ضمان العاقلة لصورة عدم تحقق القتل، واحتمال اختصاصها بصورة تحقق القتل

وهذا الكلام يوقعنا في مشكلة إذ لا بد أن نلتزم بأن الجنايات الاخرى غير القتل اذا وقعت خطأً فإن ديتها لا تكون على العاقلة بينما سيأتي انه لا اشكال في أن الدية على العاقلة فيها

ويظهر من عبارة السيد الماتن انه يحاول التخلص من هذا الاشكال، فإنه ادعى انصراف أدلة ضمان العاقلة عن الجناية على غير الانسان ولو كان جنيناً قبل ولوج الروح


[3] كالرواية المنقولة في الوسائل الباب35 ابواب القصاص في النفس ح1 عن أبي عبيدة، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أعمى فقأ عين صحيح فقال : ((إن عمد الاعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله، فان لم يكن له مال فالدية على الامام ولا يبطل حق امرئ مسلم)).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo