< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ كفارة القتل/

(مسألة 404): لو قتل صبي أو مجنون مسلماً، فهل عليهما كفّارة؟ فيه وجهان، الأظهر عدم وجوبها (4)

استدراكات على ما تقدم:

الاول: ذكرنا أن معظم روايات الكفارة تقيدها بقتل المؤمن، وقيدت بالرجل في رواية ابي بكر الحضرمي، وأشار السيد الخوئي (قده) الى أن كلا العنوانين مأخوذ في موضوعها وكل منهما غير صادق على الجنين وعلى الصبي غير المميز وذكرنا أن رواية ابي بكر الحضرمي غير تامة سنداً، الا أن الظاهر انها تامة سنداً فقد رواها الشيخ (بإسناده ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن السندي بن محمّد ، عن صفوان بن يحيى ، عن منذر بن جيفر عن أبي بكر الحضرمي ، قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : رجل قتل رجلا متعمداً) فإن السندي بن محمد هو ابن اخت صفوان وقد وثقه الشيخ النجاشي صراحة، واما منذر بن جيفر فهو مجهول الا انه يمكن اثبات وثاقته برواية صفوان عنه في هذه الرواية، والظاهر أن صفوان لم يرو عنه الا في هذه الرواية، نعم روى عنه في طريق الشيخ الطوسي[1] اليه الا ان الطريق ضعيف بابي المفضل وابن بطة، واما ابو البكر الحضرمي فقد وثقناه برواية بعض المشايخ عنه بطريق صحيح

والمأخوذ في الرواية عنوان الرجل وهو لا يصدق على الجنين ولا على الصبي غير المميز

الا انه تقدم أن التقييد بالرجل فيها وقع في كلام السائل وهو لا ينافي ثبوت الحكم للأعم من الرجل

واما التقييد بالمؤمن فقد قربنا أن المراد به المسلم، فيمكن الحكم باسلام الجنين والصبي غير المميز بالتبعية اما باعتبارهما مسلمين فتترتب كل الاحكام، او التبعية بلحاظ الاحكام فتترتب الاحكام ايضاً ومنها وجوب الكفارة على قاتله

الثاني: قلنا بأن النكتة التي جعلت السيد الخوئي يقول بأن عنوان المؤمن لا يصدق على الجنين ولا الصبي غير المميز هي أن المأخوذ في الايمان هو التصديق والاذعان وهذا لا يتأتى من الصبي غير المميز، وقد تلافينا ذلك بما ذكرناه من أن المراد بالمؤمن المسلم ثم نعمم بالتبعية، بل حتى لو آمنا بما ذكره من عدم صدق المؤمن على الصبي الا انه ابن مؤمن واذا قلنا بأن التبعية ثابتة حتى على مستوى الايمان فيمكن اثبات الحكم له

والأجدر به أن يستدل لأخذ الاقرار والاذعان في الايمان برواية معمر بن يحيى عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : ((قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل ، فان الله تعالى يقول : ﴿فتحرير رقبة مؤمنة﴾ ، قال : يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث))[2] والحنث هو وصوله الى مرحلة الطاعة والعصيان، اي يؤاخذ بذنوبه، وواضح أن المقصود بالايمان في هذه الآية هو الاقرار والاذعان وهو -كما يقول السيد الخوئي (قده)- لا يصدق على الجنين ولا على الصبي غير المميز

وقد رواها الشيخ بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن رجاله، ويمكن تجاوز الارسال بانه لا بد من وجود الثقة في رجال الحسين بن سعيد

وعلى كل حال فالرواية صحيحة بطريق الشيخ الكليني على الاقل

والظاهر انه لا خصوصية للمؤمنة في هذه الآية الشريفة فالرواية تقول ان المراد بالمؤمن في هذه الآية الشريفة المقرّ والمذعن، وننقل هذا الكلام الى الروايات الاخرى التي أخذ فيها الايمان فكأنه يريد أن يقول بأن الايمان في هذه الأدلة يراد به المقرّ والمذعن، ولكن هذا لا يغير من النتيجة وهي أن من قتل الجنين تجب عليه الكفارة حتى إذا قلنا باختصاص أدلة الكفارة بالمؤمن

لرواية طلحة بن زيد المتقدمة، او لما قلناه من إمكان إثبات هذا الحكم للجنين بالتبعية اذا قلنا بانها تشمل الايمان ايضاً

قال الشهيد في المسالك: (اتّفق العلماء على اشتراط الإيمان في المملوك الذي يعتق عن كفّارة القتل .... و اختلفوا في اشتراطه في باقي الكفّارات حيث يجب فيها العتق، فالأكثر على الاشتراط .... و ذهب جماعة- منهم الشيخ في المبسوط والخلاف وابن الجنيد إلى عدم اشتراط الإيمان في غير كفّارة القتل .... فالمراد بالايمان هنا الإسلام و هو الإقرار بالشهادتين، لا معناه الخاصّ و هو التصديق القلبي بهما، لأن ذلك لا يمكن الاطّلاع عليه و إنما التكليف متعلّق بإظهار الشهادتين، و لا معناه الأخصّ و هو اعتقاد الإماميّة، لأن ذلك أمر متأخّر عن الإيمان المعتبر في الكفّارة و يتحقّق الإسلام في الصغير بالتبعيّة لأبويه أو أحدهما واما رواية معمر بن يحيى فقد عمل بمضمونها ابن الجنيد، وهو قول موجه الا ان المختار الاول)[3]

الثالث: ذكرنا أن التكليف بالكفارة حكم تكليفي محض وليس هو من الحقوق المالية، وقد بنينا عليه جملة من الفروع السابقة

ويشهد لكونه حكماً تكليفياً محضاً ظواهر الأدلة كالآية الشريفة ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ والروايات الصحيحة القائلة (فعليه ان يعتق نسمة) فلا يفهم منها الا الحكم التكليفي واما حملها على الحكم الوضعي وأن المراد بها ثبوت المذكور بذمته وكونه من الحقوق المالية فهو خلاف ظاهر الأدلة

ويشهد لهذا أن الكفارة لا تخرج من أصل التركة وانما تخرج من الثلث اذا اوصى بها الميت، ولا يجزي فيها دفع القيمة بل لا بد من دفع العين

1-المحكي عن الشيخ الطوسي ذهابه الى أن عليهما الكفارة مستدلاً عليه بعموم الاية ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ فهي باطلاقها شاملة لهما وتدل على وجوب الكفارة عليهما، وبعدم اشتراطها هنا بالاثم حتى يقال بان الصبي لا اثم عليه في القتل، بدليل وجوبها على المخطيء

قال في المسالك (إطلاق النصّ يقتضي عدم الفرق في القاتل بين كونه مكلّفا و غيره)[4] وما ذكره الشيخ الطوسي والشهيد في المسالك مبني على كون خطاب الكفارة في هذه الأدلة خطاب وضعي وليس خطاباً تكليفياً محضاً

واما اذا قلنا بأنه خطاب تكليفي محض -كما هو الصحيح- فلا بد من تقييد هذه الاطلاقات بما دل على رفع القلم عن الصبي والمجنون، فلا يشمل الدليل الصبي والمجنون لأن حديث رفع القلم مقيد لهذا الاطلاق

وقد يقال بأنه لا حاجة لحديث رفع القلم لأن المجنون غير قابل لتوجه التكليف له، لأن الغرض من التكليف إحداث الداعي عند المكلف للتحرك نحو الامتثال والصبي والمجنون غير قابل لذلك

فتختص الآية وسائر الأدلة بالبالغ العاقل

 


[1] الفهرست: 253.
[2] الكافي: 7/462.
[3] مسالك الافهام: 10/36.
[4] مسالك الافهام: 15/505.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo