< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 405): عاقلة الجاني عصبته، والعصبة: هم المتقرّبون بالأب كالإخوة والأعمام وأولادهم وإن نزلوا (1)

في العاقلة

نتكلم عن المراد من العاقلة سواء كانت الدية عليها ابتداءً كما في القتل الخطأ او بديل عن ما يجب على الجاني كما في القتل العمد وشبيه العمد فيما اذا هرب الجاني ولم يتمكن منه ومات

وذكر بعض الفقهاء بانها سميت بالعاقلة اما لعقلها الابل وهي الدية بفناء ولي الدم، او لعقلها اي منعها القاتل من القتل، او لعقلهم عن القاتل أي تحملهم العقل عنه

هذا هو المتيقن من العصبة فلم ينقل الخلاف فيه عن احدهم، وسيأتي التعرض لغيرهم كالابناء والاباء فهناك خلاف في دخولهم في العصبة

اما كون العاقلة هي العصبة فمضافاً الى انه المشهور يمكن الاستدلال له بالروايات

كما في صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : ((قضى في رجل حرر رجلا واشترط ولاه، فتوفّي الذي اعتق ، وليس له ولد الا النساء ، ثمّ توفّى المولى وترك مالا وله عصبة ، فأحتق في ميراثه بنات مولاه والعصبة ، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه))[1] فدلت على أن العاقلة هم عصبة الميت

وصحيحته الاخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : ((قضى امير المؤمنين عليه‌السلام على امرأة اعتقت رجلا ، واشترطت ولاءه ، ولها ابن ، فالحق ولاءه بعصبتها الّذين يعقلون عنه ، دون ولدها))[2] فالعاقلة هي العصبة، وربما تجعل هذه الرواية من أدلة ما ذهب اليه بعضهم وسيأتي التعرض له من أن الابناء ليسوا جزءاً من العصبة

وهذه الروايات دلت على أن العاقلة هم العصبة ولم تحدد المراد بالعصبة وهل هم الاعمام والاخوة او بضميمة الاباء والابناء، فلا بد ان نلتمس تفسير العصبة من الكتب اللغوية وكلمات الفقهاء

وذكر السيد الماتن بأن المعروف المشهور المتفق عليه تقريباً بين الاصحاب انه يدخل في العصبة الاخوة والاعمام، والدليل عليه مضافاً الى كونه متفقاً عليه بين الفقهاء هو ما ذكر في كتب اللغويين

قال في الصحاح (عصبة الرجل بنوه وقرابته لابيه)[3] ويدخل فيها الاخوة والاعمام

وفي مختصر النهاية الاثيرية (العصبة الاقارب من جهة الاب) والمتيقن منهم الاخوة والاعمام

وفي مجمع البحرين (عصبة الرجل بنوه وقرابته لابيه)[4]

بل قالوا بأن هذا هو المعروف من معنى العصبة

وفي المقابل هناك قولان:

الاول: وهو المحكي عن النهاية والغنية والاصباح ان العصبة هم من يرث الدية للقاتل اذا قتل دون من لا يرث ديته فلا يلزم بشيء

وأجابوا عنه بانه بناء على هذا الكلام سيدخل في العصبة الزوج والزوجة والذكور والاناث ومن يتقرب بالام فكل هؤلاء يرثون الدية، والحال انهم ليسوا من العصبة قطعا ًلما سيأتي من اختصاص العصبة بالذكور وعدم دخول من يتقرب بالام فيها كما لا اشكال في عدم كون الزوج والزوجة من العصبة

الثاني: ما نسب الى ابن الجنيد من أن العصبة هم الاقرب فالاقرب ممن يرث بالتسمية ومع عدمه يشترك من يتقرب بالاب مع من يتقرب بالام اثلاثاً فيؤخذ من المتقرب بالاب ثلثان ومن المتقرب بالام الثلث

وذكر في كشف اللثام أن مرجعه الى أن العصبة هم الورثة على ترتيب الارث، واقترح بعضهم أن يكون الدليل عليه -كما في كشف اللثام والرياض- النصوص الواردة في من هرب ولم يظفر به حتى مات فتؤخذ الدية من تركته فإن لم تكن له تركة فمن الاقرب فالاقرب كما في صحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال : ((إن كان له مال اخذت الدية من ماله ، وإلا فمن الاقرب فالاقرب ، وإن لم يكن له قرابة أداه الامام ، فانه لا يبطل دم امرئ مسلم))[5] فالدية تؤخذ من العاقلة والرواية تحددهم بالاقرب فالاقرب من حيث الارث

وصحيحة البزنطي عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات ، قال : ((إن كان له مال اخذ منه ، وإلا اخذ من الاقرب فالاقرب))[6]

ومرسلة يونس بن عبد الرحمن ، عمن رواه ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : ((في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أن الدية على ورثته ، فان لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال))[7]

فالعاقلة هم الورثة

ويلاحظ على الاستدلال بهذه الروايات بأن مورد الروايتين الاولى والثانية هو القتل العمدي ومعه تكون الدية على الجاني لا على العاقلة، نعم هي تدل على أن القاتل عمداً اذا فر ولم يتمكن منه او مات ولم يدفع الدية فالدية على الوارث فنلتزم بمضمونها لكنه حكم خاص بمورده ولا يمكن تعميمه للقتل الخطأ، فلم تعبر بأن العصبة او العاقلة هم الاقرب فالاقرب بل هي تقول بأن الدية على الورثة فليكن هذا حكماً تعبدياً خاصاً بهذا المورد فيلتزم به فيه

واما مرسلة يونس فالظاهر انها لم ترد في محل الكلام وإن ورد التعبير ب(القتل الخطأ) فيها فقد ذكر السيد الماتن بأن التعبير فيها (فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية) ظاهر في أن يدفع الجاني الدية، فمورد الرواية كون الدية على الجاني وحيث انها عبرت بالخطأ فلا يمكن أن نحملها على العمد فنحملها على شبه العمد، فلا يمكن أن نلتزم بها في محل الكلام

ولكن على تقدير تمامية دلالة هذه العبارة في الرواية على ما ذكر، الا أن الرواية تصرح في ذيلها بأن هؤلاء هم العاقلة، ففرض فيها أن العاقلة هم الورثة، ولا نحتمل أن العاقلة في القتل الخطأ غير العاقلة في القتل شبه العمد اذا وجبت الدية على العاقلة، فكون الرواية واردة في شبه العمد لا ينفع في دفع هذا الظهور

فلا بد من أن نتمسك في دفع الرواية بضعف السند بناء على أن مراسيل يونس غير معتبرة، والا فيوجد وجه لاعتبار مراسيل يونس


[1] وسائل الشيعة: 23/71، الباب الاربعون من كتاب العتق، ح1.
[2] وسائل الشيعة: 23/70، الباب التاسع والثلاثون من أبواب العتق ح1.
[3] الصحاح: 1/182.
[4] مجمع البحرين: 3/190.
[5] وسائل الشيعة: 29/395، الباب الرابع من أبواب العاقلة ح1.
[6] وسائل الشيعة: 29/395، ح3.
[7] وسائل الشيعة: 29/397، الباب السادس من أبواب العاقلة ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo