< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 405): عاقلة الجاني عصبته، والعصبة: هم المتقرّبون بالأب كالإخوة والأعمام وأولادهم وإن نزلوا (1)، و هل يدخل في العاقلة الآباء وإن علوا، والأبناء وإن نزلوا؟ الأقرب الدخول (2)، و لا يشترك القاتل مع العاقلة في الدية (3)

ذكرنا بأن ما ذكره السيد الماتن من معنى العاقلة هو المتيقن، فلا تشمل المتقربين بالام الذي استدل عليه بروايات ذكرناها، وقد استدل عليه في الشرائع برواية سلمة بن كهيل المتقدمة

اما سندها فذكرنا انها ضعيفة بعطية (والد مالك بن عطية) فلم تثبت وثاقته، وبسلمة بن كهيل فالتحقيق انه لا دليل على وثاقته

واما الدلالة ففيها أكثر من جهة للتوقف: فهي تدل على شمول العاقلة لأهل البلد من جهة فهي صريحة في هذا المعنى، وهذا مما لم يتفوه به أحد

ومن جهة اخرى تدخل المتقرب للقاتل بالام ولا تخص العاقلة بالمتقرب بالاب ولذا قسمته أثلاثاً، وهذا مما لم يقل به أحد إذ لا اشكال عندهم في عدم شمول العاقلة للمتقرب بالام

مضافاً الى انها تصرح بالتقييد بالرجال بمعنى انها لا تشمل الاناث في حين أن القول الذي يستدل له بها لم يفرق بين الذكور والاناث

ويفهم من كلام السيد الخوئي[1] (قده) انها تدل على تقسيم الدية على قرابة الميت من الاب وقرابته من الام بالسوية في حين أن القول يصرح انها تقسم عليهم اثلاثاً

الا أن هذا الاشكال غير وارد فالرواية تصرح بالتقسيم أثلاثاً كما في نقل الكافي والفقيه والتهذيب ((ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية ، واجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية)) فالظاهر انه اشتباه، او لعل هناك نسخة من الوسائل لم يذكر فيها التقسيم أثلاثاً

ومن هنا يتبين أن القول المشهور هو الأصح بمعنى اختصاص الدية بالمتقرب بالاب

هذا هو قول الكثير من علمائنا، ونقله في المختلف عن الاسكافي وهو قول الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في النهاية وابن ادريس في السرائر ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع والمحقق في الشرائع والعلامة في القواعد وغيرهم، وفي الايضاح أنه المشهور بين الاصحاب ونقل عن ابن ادريس الاجماع عليه

وفي المقابل خالف جماعة منهم الشيخ في المبسوط والخلاف وابن حمزة في الوسيلة وغيرهم فذهبوا الى أن الاولاد والاباء لا يدخلون في العاقلة، واستدل في الخلاف[2] على عدم الدخول بامور

الاول: انه لا دليل على أن الوالدين و الولد من العاقلة، و الأصل البراءة

الثاني: ما رواه ابن مسعود: أن النبي (عليه السلام) قال: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، لا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه، و لا الابن بجريرة أبيه))

الثالث: ما رواه سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل اقتتلتا، فقتلت إحداهما الأخرى، و لكل واحدة منهما زوج و ولد، فقضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، و برئ الزوج و الولد، ثم ماتت القاتلة، فجعل النبي ميراثها لبنيها، و العقل على العصبة))

وقد عبر بعض الفقهاء بأن عمدة الأدلة هي صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : ((قضى امير المؤمنين عليه‌السلام على امرأة اعتقت رجلا ، واشترطت ولاءه ، ولها ابن ، فالحق ولاءه بعصبتها الّذين يعقلون عنه ، دون ولدها))[3]

فالامام (عليه السلام) الحق الولاء الذي اشترطته بعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها، فاستثنى الولد من العاقلة، وكأن العاقلة لا تشمل الولد

والعمدة من هذه الادلة هو الدليل الاول الذي ذكره الشيخ (قده) في الخلاف

واما بقية الأدلة فهي اما ليست بحجة كالروايات العامية التي ذكرها الشيخ، او انها لا ظهور فيها في المدعى فيحتمل أن الحديث الاول ناظر الى القتل العمد لا القتل الخطأ الذي هو محل الكلام، وهكذا صحيحة محمد بن قيس فيحتمل أن يكون الاستثناء (دون ولدها) استثناء من العصبة لا من العاقلة أي أن الولد يستثنى من العصبة الذين يرثون ولاء الام، فالعاقلة وإن كانت تشمل الولد ولكنه لا يرث ولاء الام، فالولد يخرج من ارث ولاء الام لا من العاقلة

فالعمدة هو الدليل الاول الذي ذكره الشيخ (قده) وهو انه لا دليل على دخول الاباء والابناء في العصبة والأصل البراءة

اقول الظاهر أن المراد بالدليل في كلامه هو الدليل الشرعي، وهو صحيح فلا دليل على دخول الاباء والابناء في العاقلة إذ ليس في الأدلة الشرعية ما يدل على ذلك

ولكن لا ينحصر الدليل في أمثال المقام بالدليل الشرعي بل المتوقع في امثال المقام أن لا يكون الدليل شرعياً بل يكفي فيه الفهم العرفي وأقوال اهل اللغة، كما هو الحال في الاعمام والاخوة فالشيخ يسلم بدخولهم في العاقلة مع انه لا دليل شرعي يدل على ذلك، فالروايات لم تتعرض لمصاديق العاقلة، ومع ذلك لم يمنعه ذلك من ادخالهم في العاقلة

لا يقال بانه أدخل الاعمام والاخوة للاتفاق على دخولهم في العاقلة دون الاباء والابناء فيوجد خلاف في دخولهم في العاقلة

لاننا نقول بأن الكلام قبل الاتفاق فلمَ دخل الاعمام والاخوة في العاقلة عند من اتفقوا على ذلك مع عدم الدليل الشرعي عليه؟ فليس الا الفهم العرفي واقوال أهل اللغة

ومنه يظهر أن عمدة الدليل على الدخول هو الفهم العرفي وأقوال أهل اللغة باعتبار أن الاباء والابناء اقرب الى القاتل من الاخوة والاعمام، ويضاف الى الفهم العرفي كلمات اللغويين التي تقدم ذكرها (عصبة الرجل بنوه وقرابته لابيه)[4]

سواء فسرنا العاقلة بادنى القوم الى القاتل او فسرناها بالمحيطين بالقاتل كما ذكره الجوهري في القاموس (وانما سموا عصبة لانهم عصبوا به اي احاطوا به فالاب طرف والابن طرف والعم جانب والاخ جانب)

 

الظاهر ان هذا مسلم عندهم ولا خلاف فيه، نعم قال ابو حنيفة انه يدفع من الدية

ولعل الاتفاق على ذلك ناشيء من ظواهر الأدلة فالادلة حين تقول العاقلة تدفع جناية القاتل ظاهرها أن العاقلة غير القاتل


[1] موسوعة الامام الخوئي: 42/541.
[2] الخلاف: 5/278.
[3] وسائل الشيعة: 23/70، الباب التاسع والثلاثون من ابواب العتق ح1.
[4] مجمع البحرين: 3/190.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo