< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 405): عاقلة الجاني عصبته، والعصبة: هم المتقرّبون بالأب كالإخوة والأعمام وأولادهم وإن نزلوا، و هل يدخل في العاقلة الآباء وإن علوا، والأبناء وإن نزلوا؟ الأقرب الدخول، و لا يشترك القاتل مع العاقلة في الدية، ولا يشاركهم فيها الصبي ولا المجنون ولا المرأة وإن ورثوا منها (1)

استدل على ذلك -كما في كشف اللثام- بدعوى خروجهم عن مفهوم العصبة عرفاً فلا تشملهم الأدلة الدالة على وجوب الدية على العاقلة، وبأصالة البراءة

واعترض على الدليل الاول بأنه مسلم في المرأة لا في الصبي والمجنون

توضيح ذلك: إن خروج المرأة عن مفهوم العصبة مسلم لأنها ليست من العصبة حتى لو قلنا بشمول العاقلة لمن يتقرب بالأم فهي تختص بالذكور دون الاناث، ويكفي للاستدلال على ذلك ما ورد في صحيحة الأحول ، قال : قال ابن أبي العوجاء : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين ؟ قال : فذكر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فقال : ((إنَّ المرأة ليس عليها جهاد ، ولا نفقة ، ولا معقلة، وإنّما ذلك على الرجال ، فلذلك جعل للمرأة سهماً واحداً وللرجل سهمين))[1] وهناك روايات اخرى تدل على ذلك الا أن سندها غير تام

فما ذكره صاحب كشف اللثام بالنسبة الى المرأة صحيح، الا أن خروج الصبي والمجنون عن مفهوم العصبة غير واضح، فلا داعي للقول بأن مجرد الجنون يخرج المجنون عن مفهوم العصبة اذا كان أخاً او عماً

ويمكن أن يقال بأن اطلاقات الادلة الدالة على أن العاقلة يجب عليها أن تدفع الدية في حال الجناية خطأً، كافية لشمولها للصبي والمجنون فهما من العصبة

قد نلتزم بأن كونه مجنوناً يوجب ان يكون له احكام خاصة ولكن مجرد كونه مجنونا لا يوجب خروجه عن العصبة

نعم يمكن أن يقال -ولعل كاشف اللثام وغيره ناظر الى ذلك- بأن الذي يستفاد من أدلة العاقلة كونها تتحمل ما يترتب على فعل الجاني من الدية عندما يصدر عنه خطأً، ويفهم منه انه نوع من الاعانة والمساعدة للجاني عندما يصدر منه الفعل خطأً، ويصعب تحقق هذا المعنى في حق الصبي والمجنون، بل قد يوجب ذلك -كما ذكر بعض الفقهاء- الانصراف بمعنى أن أدلة العاقلة تنصرف حينئذ عن الصبي والمجنون، لأن المستفاد ان العاقلة تتحمل ما يترتب عن الجناية الصادرة عن الجاني وهذا انما يفترض في حق الاشخاص البالغين الكبار الذين يملكون المال والتصرف في اموالهم، وبهذا تكون أدلة العاقلة منصرفة عن الصبي والمجنون وتختص بغيرهما من العصبة وإن كانا من العصبة حقيقة

وهذا الاختصاص اما أن يكون لوحده دليلاً على عدم وجوب الدية عليهما، او نقول بأن المهم هو اختصاص الدليل بغيرهما، واما هما فلا دليل على وجوب دفع الدية عليهما

فيكون الصبي والمجنون كالمرأة في عدم وجوب دفع الدية عليهما

غاية الأمر إن عدم مشاركة المرأة للعاقلة في الدية ينشأ من خروجها عن مفهوم العاقلة عرفاً ولغة، بينما عدم مشاركة الصبي والمجنون ينشأ من انصراف الأدلة الدالة على وجوب الدية على العاقلة عنهما

ويمكن أن يكون مراد كاشف اللثام وغيره من خروجهم عن مفهوم العاقلة ما قلناه

واعترض على الاستدلال بأصالة البراءة بأن التمسك بها في المقام يقتضي اشتغال ذمة اخرى بالدية وهم بقية العاقلة، والأصل يقتضي عدمها، وذكر في الرياض بأن مرجع هذا الاعتراض الى تعارض الأصل بمثله

ويلاحظ عليه بأن الأصل على تقدير جريانه لا يعارض بمثله بالنسبة الى غيرهما من العاقلة والعصبة باعتبار قيام الدليل على اشتغال ذمة العصبة عدا الصبي والمجنون بتمام الدية ومع قيام الدليل على ذلك لا معنى لإجراء الأصل لنفي الاشتغال، والدليل هو ما تقدم من دعوى الانصراف وأن الأدلة تختص بما عدا الصبي والمجنون من افراد العاقلة

فالأصل لو جرى في حق الصبي والمجنون لنفي اشتغال ذمتهما بالدية فهو لا يتعارض بالأصل بالنسبة الى بافي العصبة عدا الصبي والمجنون فعليهم أن يدفعوا تمام الدية لأن هذا هو معنى اختصاص الدية بما عدا الصبي والمجنون من افراد العاقلة

وحينئذ نقول بأن ما ذكر من الانصراف واختصاص أدلة العاقلة بما عدا الصبي والمجنون إن كان كافياً في نفي اشتراك الصبي والمجنون في الدية فلا مجال لإجراء الأصل بالنسبة اليهما أيضاً فإن الدليل دل على عدم وجوب الدية عليهما

اقول إن فهمنا من الاختصاص نفي اشتراك الصبي والمجنون بالدية فهذا يكون دليلاً على عدم اشتراكهما بالدية فلا مجال للرجوع الى الاصل وإن لم نفهم منه ذلك وشككنا في وجوب اشتراكهما في الدية فيمكن إجراء الأصل لنفي لزوم الدية عنهما ولكنه لا يكون معارضاً بأصل مثله في حق باقي أفراد العاقلة والعصبة

ومن هنا يحتمل أن يكون مستند ما ذهب اليه الأصحاب من عدم مشاركة الصبي والمجنون للعاقلة في الدية هو ما ذكرناه فإن الاختصاص إما أن يكون دليلاً على عدم اشتراكهما في الدية او انه يسمح لنا أن نقول انه لا دليل على وجوب الدية عليهما

هذا وقد استدل السيد الماتن على عدم مشاركتهما للعاقلة في الدية بحديث رفع القلم

والظاهر أن هذا منه بناء على ما يراه من تعميم الحديث للأحكام الوضعية وعدم اختصاصه بالأحكام التكليفية وأن الدية ليست تكليفاً محضاً وانما هي من الحقوق المالية


[1] وسائل الشيعة: 26/93، الباب الثاني من أبواب ميراث الابوين والأولاد ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo