< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 406): هل يعتبر الغنى في العاقلة؟المشهور اعتباره، وفيه إشكال، والأقرب عدم اعتباره (1)

ذكرنا بأن ما اختاره السيد الماتن من أن الدية كما تجب على الغني تجب على الفقير خلافاً للمشهور حيث اعتبروا الغنى في العاقلة، ولكنهم لم يذكروا دليلاً على ذلك

واحتملنا أن يكون الدليل هو ما ذكرناه وهو مبني على أن يكون خطاب الدية خطاباً تكليفياً مرجعه الى وجوب أداء الدية، فيمكن توجيه اشتراط الغنى في العاقلة باعتبار أن كل التكاليف تسقط عند عدم القدرة على متعلقها، وهذا معناه اختصاص الخطاب بالاغنياء

ومن هنا ندخل في البحث حول أن خطاب الدية هل هو خطاب وضعي او تكليفي؟

والخطاب التكليفي المحض من قبيل قوله تعالى ﴿اقيموا الصلاة﴾ وقوله تعالى ﴿كتب عليكم الصيام﴾ وقوله تعالى ﴿ولله على الناس حج البيت﴾ وقوله (عليه السلام) ((عليك الاعادة)) لمن شك في الصلاة الثلاثية،

واما الخطاب الوضعي فهو من قبيل قوله تعالى ﴿فان لله خمسه﴾ فيثبت في المال حق لمصارف الخمس، وفي باب الزكاة فإن قوله تعالى ﴿اتوا الزكاة﴾ تكليف ولكن أدلة أخرى من الروايات دلت على أن الفقراء يشاركون المالك في العين الزكوية وهذا خطاب وضعي

وادعى في الجواهر الجزم بكون خطاب الدية خطاب تكليف فحال الدية حال وجوب الكفارة على القاتل، بينما يظهر من السيد الماتن انه خطاب وضع لأنه ذهب الى عدم اعتبار الغنى في العاقلة

وتشخيص انها خطاب تكليف او وضع فلا بد فيه من مراجعة الأدلة والاستفادة من لسانها

وبعد الرجوع الى أدلة العاقلة نجد أن فيها ألسنة متعددة والمستفاد من معظمها الخطاب الوضعي كما في قوله (عليه السلام) ((ان العاقلة لا تضمن عمداً ولا اقراراً ولا صلحاً))[1] فهي تضمن ما يصدر منه خطأً والظاهر انه خطاب وضع

وفي قوله عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال : ((ان كان له مال اخذت الدية من ماله))[2] ويمكن تفسيرها بأن الدية تثبت في المال أي في ذمة هؤلاء

ويمكن تفسيرها على انها تكليف مالي فيجب عليه أداء الدية وحيث انه تمرد وهرب فيكون من وظيفة الحاكم أن يأخذها من ماله من باب تطبيق الحكم الشرعي

وقوله (عليه السلام) (الدية على معقلته) وقوله (عليهم معقلته) وقوله (لزمته دية ما جنى في ماله) وقوله (جعل الدية على قومه) وقوله (وكان دية ولدها على المعقلة)

وهناك فائدة ذكرها السيد الماتن في بعض الموارد وهي أن متعلق (على) إن كان من الافعال فتكون ظاهرة في الحكم التكليفي كما اذا قال (عليك الاعادة) او قال (عليك صيام شهرين متتابعين)

وإن كان من الجوامد كما في قوله (على اليد ما اخذت حتى تؤدي) فلا معنى للقول يجب على اليد ما أخذت، فلا بد من تقدير شيء وهو ثابت أي ان ما تأخذه اليد ثابت عليها، وهذا خطاب وضعي

وقوله (على الزوج كفن الزوجة) أي انه ثابت عليه ويستفاد منه الخطاب الوضعي

وبتطبيق هذه القاعدة على روايات العاقلة فمتعلق (على) هو الدية وهو مال فيكون المعنى ان المال ثابت عليه وهو خطاب وضعي

فالمستفاد من أغلب الالسنة الواردة في المقام هو الحكم الوضعي، ولا مشكلة في استفادة الحكم التكليفي من ألسنة اخرى فيقال بانه حكم تكليفي ووضعي كما قيل ذلك في الزكاة

وبناء على هذا لا يصح الاستدلال على اعتبار الغنى في العاقلة بأن الخطاب خطاب تكليفي لأن الخطاب ليس تكليفياً

والصحيح ان خطاب الدية اما خطاب وضعي محض او خطاب وضع مع التكليف

وحينئذ لا مانع من شموله للفقير وإن كان غير قادر على الأداء لأن مرجعه الى أن هذا يثبت بذمته

فيمكن التمسك باطلاق الأدلة لإثبات عدم اشتراط الغنى في العاقلة وانه لا فرق بين الغني والفقير من هذه الناحية

نعم الفقير غير القادر لا بالفعل ولا بالقوة على الأداء لا يمكن أن يطلب منه الدفع فعلاً عند حولان الحول ولكنه يبقى كسائر الديون الثابتة بذمته فإن تمكن بعد ذلك يدفعه

وهناك مطلبان يتعلقان بالأبحاث السابقة:

الأول: ذكر في الطراز الأول (وعَصَبَةُ الرّجلِ ، كقَصَبَةٍ : قرابتُهُ الذّكورُ لأَبيهِ ، وبنُوهُ ، وقومُهُ الّذينَ يعاضدونَهُ وينصرونَهُ ، وهي جمع عاصِبٍ ؛ من عَصَبَ به ، إِذا أَحاطَ)[3] وهذا يؤيد ما تقدم من ان العبارة تنصرف عن الصغير والمجنون

الثاني: يمكن تأييد ما ذكرناه في تفسير حديث رفع القلم بأن المرفوع هو قلم المؤاخذة بما ورد من روايات[4] كثيرة بمضمون ان الصبي إذا بلغ كتبت عليه السيئات، بمعنى تسجيل السيئات عليه أي ان السيئة تسجل عليه بعد البلوغ ولا تسجل عليه قبل بلوغه بمعنى عدم المؤاخذة على السيئات التي تصدر منه وفيها اقتضاء المؤاخذة

 

 


[1] وسائل الشيعة: 29/394، الباب الثالث من أبواب العاقلة ح1.
[2] وسائل الشيعة: 29/395، الباب الرابع من أبواب العاقلة ح1.
[3] الطراز الأول: 2/311.
[4] جامع أحاديث الشيعة: 1/352.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo