< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 411): تحمل العاقلة دية الموضحة وما فوقها من الجروح و دية ما دونها في مال الجاني (1)

إشارة: هناك أمر متعارف عند العشائر وهو انهم يتبرأون من جناية بعض ممن ينتسب إليهم، فهل لهذا أصل شرعي؟

الجواب ان هناك رواية رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : هل يؤخذ الرجل بحميمه إذا جنى؟ قال : فقال لي : ((نعم ، إلا أن يكون أخرجه إلى نادي قومه فتبرأ من جريرته وميراثه))[1] وعلى أي معنى فسرنا الحميم فما يفهم من الرواية انه لولا التبرؤ لأخذ بجريرته

الا أن الرواية غير تامة سنداً بالطيالسي فيصعب اثبات وثاقته

1-كان التركيز في المسائل السابقة على مسالة القتل من الجناية وقد دلت النصوص المستفيضة على ثبوت الدية على العاقلة في القتل الخطأ، فهل يشمل هذا الحكم سائر الجنايات ولو لم تكن قتلاً؟ كما لو جرحه وكان الجرح له دية مقررة شرعاً

الظاهر ان الحكم لا يختص بالقتل بل يشمل سائر الجنايات والجروح حيث تكون لها دية مقررة شرعاً فإن صدرت خطأً فالعاقلة تتحمل تلك الدية

والمتيقن منها هو الموضحة فصاعداً وهو يشمل الهاشمة والمنقلة والمامومة، وهذا مورد اتفاق الفقهاء

واما ما هو دون الموضحة كالسمحاق والباضعة والدامية ففيها خلاف

ويستدل لتحمل العاقلة لدية الموضحة فصاعداً بالمطلقات التي لسانها لسان أن الجناية اذا صدرت عن خطأ محض تتحملها العاقلة فمقتضى اطلاقها شمولها للقتل وغيره من الجنايات

وإن كان بعض الروايات تعبر بالقتل فلا يمكن التمسك بها في محل المكلام الا أن بعض الروايات الاخرى تعبر بالجناية وبعضها لم يرد فيها ذكر القتل ولا الجناية كما في معتبرة ابي بصير ((ان العاقلة لا تضمن عمداً ولا اقراراً ولا صلحاً))[2]

فما لا يكون عمداً تضمنه العاقلة وهو أعم من أن يكون قتلاً او غيره، وهي شاملة بإطلاقها للموضحة فما فوقها

ورواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: ((كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا))[3] ولم يعبر بالقتل وانما عبر بالجناية وهي أعم من القتل والجرح، ولا يحتمل الفرق بين المعتوه وغيره فيقال بأن تحمل العاقلة للدية في حال كون الجناية خطأ لا يختص بالقتل بل يشمل الجرح خطأ

ويمكن الاستدلال بمعتبرة أبي مريم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن لا يحمل على العاقلة إلا الموضحة فصاعدا))[4] وهي صريحة في المطلوب

فبعض الأدلة تشمل المطلوب بالاطلاق فإنها شاملة لما دون الموضحة أيضاً، الا أن معتبرة ابي مريم مختصة بالموضحة فصاعداً

واما ما دون الموضحة اذا صدرت خطأً ففي تحمل العاقلة للدية فيها وعدمه خلاف بين الاصحاب

وذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن ادريس في السرائر الى الاول وهو تحمل العاقلة للدية على ما حكي عنهم

وفي المقابل ذهب الشيخ في النهاية الى الثاني وتبعه جماعة منهم الحلبي في الكافي وابن زهرة في الغنية والكيدري في الاصباح وابن حمزة في الوسيلة والعلامة في المختلف على ما حكي عنهم

واستدل للاول بالمطلقات، واستدل الشيخ الطوسي بعموم الادلة

واستدل للثاني بمعتبرة ابي مريم وسندها في الكافي (محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي مريم) -ورجال السند كلهم ثقات، نعم لا نعبر عنها بالصحيحة من جهة ابن فضال وهو فطحي، لكنه ثقة بلا اشكال فنعبر عنها بالموثقة- عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن لا يحمل على العاقلة إلا الموضحة فصاعدا ، وقال : ما دون السمحاق أجر الطبيب سواء الدية)) ومعناه أن ما دون الموضحة لا يحمل على العاقلة فيدفع الجاني الدية، وفي الرواية تتمة كما في الكافي ((وقال : ما دون السمحاق أجر الطبيب سوى الدية)) وفهم منه أن الجاني يتحمل في هذه الحالة أجر الطبيب بالاضافة الى الدية

وقد أشكل في الشرائع والقواعد على الرواية بأن فيها ضعفاً، وليس واضحاً أن مرادهم الضعف السندي وإن فهمه فقهاؤنا فلعل الضعف من جهة اخرى

وذكر في كشف اللثام وتبعه في الجواهر بأن الضعف من جهة ابن فضال وأجاب عنه بأن الرواية معتبرة وإن كانت موثقة وليست صحيحة ولا اشكال في جواز العمل برواية الثقات وإن لم يكونوا من الخاصة

وقال في الجواهر يضاف الى ذلك ما روي من أن ابن فضال رجع عن الفطحية عند موته فيمكن عدّ رواياته من الصحاح، فقد نقل الكشي انه رجع عن الفطحية عند موته

ويفهم من كلام الجواهر أنه يكفي في العمل برواية غير الامامي -بناء على اشتراط أن يكون الراوي امامياً في العمل بروايته- رجوعه الى الحق عند موته، فرجوعه عند موته يكفي للعمل برواياته التي رواها وهو فطحي

ولكن ما ينفع في المقام هو اثبات رجوعه عن الفطحية حين الرواية، واثبات انه تاب عند موته لا يكفي للعمل برواياته فانه لا يجعله امامياً حين الرواية

والظاهر أن الرواية تامة سنداً وإن لم تكن صحيحة بالاصطلاح، وهي تصلح لأن تكون مخصصة للعمومات او مقيدة للمطلقات المتقدمة

ومن هنا يظهر بأن الدية في هذه الموارد التي لا تتحمل العاقلة الدية فيها تكون على الجاني وهو مقتضى الأصل الاولي في المقام لأنه هو الذي جنى، نعم خرجنا على ذلك في بعض الموارد التي دلت الأدلة على تحمل العاقلة لها

فكون الدية على الجاني في ما دون الموضحة مطابق للأصل الاولي في محل الكلام وتحمل الغير لها بحاجة الى دليل ولم يدل الدليل على تحمل الغير فيما دون الموضحة

نعم يبقى أن ما يظهر من ذيل معتبرة ابي مريم أن الجاني لا يتحمل الدية فقط في ما دون السمحاق وانما يتحمل أجر الطبيب بالاضافة اليها، وقال في الجواهر (لا أجد عاملاً به، ولا ريب أن الاحوط للجاني بذله)

نقول ان الظاهر ان هذه العبارة رواية اخرى لابي مريم يرويها عن الامام الباقر (عليه السلام) وليست من تتمة المقطع الاول من الرواية

ويدل عليه: اولاً: انه يقول في الرواية (وقال) وهي تصلح أن تكون قرينة على انها رواية اخرى

وثانياً ان الشيخ نقل هذه الفقرة الاخيرة وحدها بسند صحيح آخر (بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن يحيى الخزاز ، عن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام قال ...)

والملفت للنظر انه قيدها بما دون السمحاق، فهل لهذا خصوصية في قبال السمحاق؟

وثانياً: يظهر من الفقهاء اكتفاء الجاني بدفع الدية المقررة شرعاً، وكأن الشارع أخذ بنظر الاعتبار معالجة المجني عليه حينما قرر الدية، ولذا لم يفتوا بأن على الجاني دفع أجر الطبيب

فإن فرضنا أن ما ذكره في الجواهر يوجب تحقق الاعراض عنها فتقدم انها رواية مستقلة واسقاطها بالاعراض لا يسقط المقطع الاول

واما اذا قلنا بانه لا يوجب تحقق الاعراض عنها فهي تامة سنداً فنعمل بمضمونها في موردها وهو ما اذا كانت الجناية دون السمحاق، وينبغي أن يكون الاحتياط الذي ذكره في الجواهر لزومياً، فانصافاً إن ما ذكره بقوله (ولا ريب أن الاحوط للجاني بذله) في محله

 


[1] وسائل الشيعة: 29/403، الباب الرابع عشر من أبواب العاقلة ح1.
[2] وسائل الشيعة: 29/394، الباب الثالث من أبواب العاقلة ح1.
[3] وسائل الشيعة: 29/400، الباب الحادي عشر من أبواب العاقلة ح1.
[4] وسائل الشيعة: 29/396، الباب الخامس من أبواب العاقلة ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo