< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 412): قد تقدّم أنّ عمد الأعمى خطأً فلا قود عليه، وأمّا الدية فهي على عاقلته، فإن لم تكن له عاقلة ففي ماله، وإن لم يكن له مال فعلى الإمام (1)

1-تقدمت هذه المسألة من الماتن في باب القصاص، ويترتب على كون عمد الاعمى خطأ نفي القصاص عنه لأنه لا قصاص في الجناية الخطأ فتثبت الدية

وذهب الى ما ذكره السيد الماتن جماعة من الفقهاء منهم الشيخ الصدوق في الفقيه حيث عنون باب (من عمده خطأ)[1] وذكر فيه الرواية الدالة على أن عمد الاعمى خطأ -بناء على أن العناوين من الشيخ الصدوق- وذهب اليه الشيخ الطوسي في النهاية والاسكافي والقاضي وابن حمزة وغيرهم على ما حكي عنهم، وقيل بأن هذا هو المشهور بين الاصحاب

وفي المقابل ذهب جماعة الى أن الاعمى كالمبصر في توجه القصاص عليه إذا صدرت منه الجناية عن عمد، وذهب الى ذلك ابن ادريس والمحقق في الشرائع والنافع ونسب الى عامة المتأخرين

واستدل للقول الأول بروايتين:

الأولى: معتبرة أبي عبيدة، قال: سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أعمى فقأ عين صحيح متعمدا، فقال : ((إن عمد الاعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله ، فان لم يكن له مال فالدية على الامام ولا يبطل حق امرئ مسلم))[2] وهي صريحة في أن عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية أي ليس فيه القصاص

الثانية: صحيحة محمد الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب على ضاربه فقتله قال : فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : ((هذان متعديان جميعا فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا ، لانه قتله حين قتله وهو أعمى ، والاعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما ، فان لم يكن للاعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين))[3]

وهي تصرح بأن جناية الأعمى خطأ

وهناك مناقشات في الاستدلال بهاتين الروايتين وخصوصاً صحيحة الحلبي

الأولى: ما ذكره في المسالك بأن دلالة الرواية على المطلوب ليست صريحة لابتنائها على قراءة (خطأ) بالرفع ولكن يحتمل قراءتها بالنصب فتكون حالاً والخبر هو الجملة الفعلية، فلا فرق بين الاعمى والمبصر لأن جناية المبصر خطأ يلزم عاقلته ايضاً

وهو منصف حين قال ليست صريحة، ولكن يبدو انها ظاهرة في المطلوب

والجواب عن الاشكال هو أن الظاهر ان الرواية تفترض العمد في القتل فما صدر من الاعمى هو القتل العمدي ويدل على ذلك قوله (فوثب المضروب على قاتله فقتله) فهو ظاهر في العمد، ويضاف اليه ان الامام (عليه السلام) قال (هذان متعديان) والتعدي لا ينسجم مع افتراض الخطأ فهو انسب بالعمد

فالظاهر أن الرواية تفترض القتل العمدي كما انها صريحة في عدم القصاص، فلو لم نعتبر عمد الاعمى خطأ فلا وجه للفرق بينه وبين غيره، فنفي القصاص عنه مع افتراض أن ما صدر منه عمد لا يتم الا إذا فرضنا أن عمده بمنزلة الخطأ وهو ظاهر الرواية حيث عللت عدم القصاص (بانه قتله حين قتله وهو اعمى) ولم يقل انه قتله خطأ فليس عليه قصاص بل علل بانه اعمى والاعمى جنايته خطأ، فهذا يصلح ان يكون تعليلاً لنفي القصاص مع كون الجناية عمد وهذه قرينة على قراءة الرفع في (خطأ)

ولو فرضنا تمامية المناقشة في هذه الرواية الا انه يكفينا الرواية الثانية وهي معتبرة سنداً وتدل على أن عمد الاعمى مثل الخطأ ورتبت الآثار وهي أن عليه الدية وليس القصاص

الثانية: ما ذكره في النافع من انها رواية شاذة ويلزم من الأخذ بالرواية تخصيص الكتاب

اما تخصيصها للكتاب فالظاهر انه لا مشكلة فيه فقد اتفقت كلمة المتأخرين على امكان تخصيص الكتاب والأدلة

القطعية بخبر الواحد إذا كان حجة، نعم هناك رأي بعدم تخصيص الكتاب بخبر الواحد وقد ذهب اليه المحقق (قده)

ومراده من الكتاب الآيات الدالة على القصاص فإنها شاملة بعمومها للأعمى

واما الشذوذ فباعتبار أن رواية الحلبي تثبت الدية على العاقلة (فان لم يكن للاعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله) فالظاهر ان الشذوذ من هذه الجهة، فانهم يرون انه في موارد تحمل العاقلة للدية فالجاني لا يتحمل شيئاً حتى مع عدم العاقلة

الثالثة: الضعف السندي

وهو صحيح لكن بحسب نقل التهذيب، إذ في سندها محمد بن عبد الله ولم تثبت وثاقته

ولكن رواها الشيخ الصدوق باسناده عن العلاء بن رزين، وسنده اليه صحيح، بل له اليه عدة طرق والظاهر ان معظمها صحيح، والموجود في الفقيه وإن كان (عن العلاء عن محمد عن الحلبي)، الا أن هذا لا يضر إذ الظاهر أن المراد بمحمد هو محمد بن مسلم بقرينة أن العلاء بن رزين تلميذ محمد بن مسلم الذي تفقه على يديه وروى عنه روايات كثيرة جداً فالرواية تامة سنداً

وحتى لو قلنا بأن العلاء يروي عن الحلبي مباشرة فالرواية تامة سنداً

فرمي الرواية بالضعف ليس في محله، ومن رماها بالضعف ربما كان ناظراً الى نقل الشيخ في التهذيب، فالرواية تامة سنداً كما أن معتبرة ابي عبيدة تامة سنداً وكل منهما يدل على أن عمد الاعمى خطأ فلا بد من البناء على ذلك بعد صحة الروايات وعدم وجود اجماع على خلافه فالفقهاء منقسمين بل لعل الاشهر أن عمده خطأ

ثم ان السيد الماتن قد ذكر ترتيباً في الدية فهي على العاقلة والا فمن مال الجاني والا فعلى الامام

ويصعب استفادة هذا الترتيب من الروايتين، لأن رواية الحلبي اثبتت الدية على العاقلة فإن لم يكن له عاقلة لزمه دية ما جنى في ماله، واما معتبرة ابي عبيدة فاثبتت الدية في ماله فإن لم يكن له مال فالدية على الامام، فاستفادة ما ذكره السيد الماتن من الروايتين مشكل، ويمكن أن يقال بأن الروايتين تختلفان في الحكم

وحاول السيد الماتن التوفيق بين الروايتين بأنه ( لا بدّ من حمل المعتبرة على ما إذا لم تكن له عاقلة، بقرينة صحيحة الحلبي المتقدّمة الدالّة على أنّه إذا لم تكن له عاقلة فالدية في ماله. كما أنّه لا بدّ من تقييد إطلاق ذيل الصحيحة بما إذا كان له مال، وإلّا فالدية على الإمام بمقتضى ذيل المعتبرة الدالّ على ذلك)[4]

والنتيجة هو ما ذكره السيد الماتن في المتن

 


[1] من لا يحضره الفقيه: 4/114.
[2] وسائل الشيعة: 29/89، الباب الخامس والثلاثون من أبواب القصاص في النفس ح1.
[3] وسائل الشيعة: 29/399، الباب العاشر من أبواب العاقلة ح1.
[4] موسوعة الامام الخوئي: 42/100.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo