< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 416): لا تعقل العاقلة إقراراً ولا صلحاً، فلو أقرّ القاتل بالقتل أو بجناية أُخرى خطأً تثبت الدية في ماله دون العاقلة، وكذلك لو صالح عن قتل خطائي بمالٍ آخر غير الدية، فإنّ ذلك لا يحمل على العاقلة (1)

1-الدليل على أن العاقلة لا تعقل ما اذا ثبت القتل الخطأ بالاقرار هو الروايات

الاولى: رواية زيد بن علي ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : ((لا تعقل العاقلة إلا ما قامت عليه البينة ، قال : وأتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصة ولم يجعل على العاقلة شيئا))[1]

التي يرويها الشيخ الطوسي (بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عليهم‌السلام ....) وفي هذا السند كلام من جهة ابي الجوزاء وابي جعفر والحسين بن علوان

اما الحسين بن علوان فذكرنا انه يستدل على وثاقته بكلامين:

الأول: ما ذكره الشيخ النجاشي في ترجمته (الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي، وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة، رويا عن أبي عبد الله عليه‌السلام)[2] ووقع الكلام في أن المقصود بالتوثيق هل هو الحسين او اخوه الحسن

وذكرنا انه إذا أثبتنا ان الكنية (أبا محمد) تعود للحسين المترجم له فالظاهر عود التوثيق له، واما إذا قلنا بان الكنية للحسن لا للحسين فالظاهر ان التوثيق للحسن، ويمكن عود التوثيق للحسين بان تكون الجملة المعترضة (واخوه الحسن يكنى أبا محمد)

وقد ترجم الحسين بن علوان كل رجاليي العامة تقريباً واتهموه الكذب، ولم يشيروا الى كونه شيعياً، وبعد مراجعة اكثر من مصدر يستفاد ان كنيته أبا علي لا أبا محمد كما يقول الكشي، كما في الكامل في الضعفاء للجرجاني وكذا في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي

فاذا اعتمدنا على هذا تعود الكنية (أبا محمد) في كلام النجاشي للحسن فيأتي احتمال عود التوثيق للحسن ولعله هو الأقرب باعتبار انها أقرب له، واحتمال عودها للحسين باعتباره المترجم له

وذهب السيد الخوئي الى عود التوثيق للحسين باعتباره المترجم له، وهو غير واضح لأنه لا مانع في ان يذكر الشيخ النجاشي في اثناء الترجمة شخصاً آخر ويتعرض له كما في محل الكلام والجزم بعود هذه العبارة للحسين غير واضح لان باقي الكلمات تعود للحسن، فيمكن عود التوثيق للحسن وإن كان الأصل الاولي في التراجم ان كل ما يذكر يعود للمترجم له ولكن قد تقوم قرينة على عوده لغيره

ومن هنا يظهر انه لا يمكن ان نخرج بنتيجة واضحة في عود التوثيق للحسين بن علوان

بل لا يبعد أن الأقرب عود التوثيق للحسن بناء على هذه القرينة وهو ان هذه الكنية للحسن وليس للحسين

وذكر السيد الخوئي بأن توثيق الحسن يستفاد من ذيل العبارة فقد ذكر في ذيلها (والحسن أخص بنا واولى)، وكأنه يريد ان يجعل هذا قرينة على رجوع التوثيق في صدر العبارة للحسين، إذ لو كان التوثيق في صدر العبارة عائداً للحسن فلا داعي لتوثيقه مرة أخرى في ذيل العبارة

ولكن الكلام في دلالة ذيل العبارة على التوثيق فإنها تدل على ان الحسن أقرب الينا من أخيه فكل منهما عامي ولكنهما يختلفان في القرب والبعد منا فلعل الحسن اقرب الينا في ما يعتقده او لعل المقصود من القرب المخالطة والمعاشرة

واما العبارة الأولى فان لم نقل برجوعها للحسن فلا ظهور في رجوعها للحسين

نعم الملحوظ ان الحسن قليل الرواية بل لا رواية له في الكتب الأربعة ولا في الوسائل الا رواية واحدة وقد نبهوا على ان فيها تصحيف، بينما الحسين كثير الرواية

ولكن هذا لا يعني شيئاً فان الحسن له روايات كما صرح بذلك الشيخ النجاشي بقوله المتقدم (رويا عن ابي عبد الله (عليه السلام)) وقال الشيخ الطوسي له روايات وذكر طريقه اليها، نعم هو لا كتاب له

فلا يمكن الاعتماد على هذه العبارة في توثيق الحسين بن علوان

الثاني: ما نقله العلامة في الخلاصة عن ابن عقدة من قوله (الحسن كان اوثق من اخيه واحمد عند اصحابنا)[3] وادعي ظهور هذه العبارة في وثاقة الحسين باعتبار أن أوثق تدل على وثاقة كلاً منهما وان كان الحسن اكثر وثاقة، وابن عقدة ممن يعتمد عليه في التوثيق

ويستشكل في هذا بامرين

الاول: انه لا دلالة في ذلك على اشتراكهما في الوثاقة فيمكن اطلاق افعل التفضيل مع عدم وجود مبدأ الفعل فيهما، فيمكن ان يقال هذا اجمل من هذا وان كان كلاً منهما قبيح ولكن الاول بالقياس الى الثاني يكون جميلاً لأن جهات القبح في الثاني أكثر

ولكن هذا خلاف الظاهر انصافاً فان هذا الكلام يقال لكنه اشبه بالتجوز فالظهور الاولي لصيغة افعل هو وجود المبدأ في كل منهما فلا يمكن حمل عبارة ابن عقدة على ذلك

الثاني: لو سلمنا بذلك نقول ان الصفات بشكل عام كعالم وشاعر وشجاع وكريم تطلق على موردها عندما يمتلك مرتبة معينة من العلم تصحح اطلاق عالم عليه بلا قيد فلو فرضنا انه يمتلك مرتبة قليلة من العلم فلا يقال له عالم، فما يصحح اطلاق هذه الصفات على الاشياء بلا قيد هو وجود المبدأ فيها بمرتبة عالية،

وفي محل الكلام في افعل التفضيل يصح ان يقال زيد اعلم من عمرو مع كون عمراً ليس عالماً بتلك المرتبة التي تصحح اطلاق العالم عليه بلا قيد، فلا يعتبر في افعل التفضيل صدق المبدأ بمرتبته العالية التي يصح اطلاق الصفة عليه من دون قيد بل يكفي ان يكون احدهما اكثر علماً من الآخر وهذا نشعر به بالوجدان بلا تجوز، ويشهد لذلك اننا اذا قلنا زيد اجمل من عمرو، وعمرو اقبح من زيد، فلا نشعر بالتناقض في هذا الكلام بينما على القول بان الصفة لا بد ان تكون موجودة في كل منهما بمرتبتها العالية يلزم التناقض اذ يكون كل منهما جميلاً وقبيحاً

ويشهد له ان النجاشي في ترجمة الحسن بن محمد بن جمهور قال (وقالوا كان اوثق من ابيه واصلح) والحال ان محمد بن جمهور ضعيف جداً قد ضعفه النجاشي وقال عنه (ضعيف في الحديث فاسد المذهب قيل فيه أشياء الله اعلم بها من عظمها) وبينها الغضائري بقوله (انه يحلل فيها محرمات الله عز وجل)، فلا دلالة في العبارة على وجود الوثاقة في كل منهما، وبناء عليه فلا يمكن الاستدلال بهذه العبارة على وثاقة الحسين بن علوان

ولو سلمنا دلالة العبارة على وثاقة كل منهما فالاشكال الآخر ان ابن عقدة -بحسب نقل العلامة- قال (الحسن كان اوثق من اخيه واحمد عند اصحابنا)[4] اي عند الزيدية وهذا مثل ما لو قال فلان اوثق عند العامة من اخيه، وليس بالضرورة ان من يكون ثقة عند العامة يكون ثقة عندنا، فلو دلت العبارة على التوثيق فهي تدل على الوثاقة عندهم وهو لا يكفي لاثبات الوثاقة عندنا

واما بقية السند ف عمرو بن خالد لا اشكال في وثاقته والظاهر انه من الزيدية فقد وثقه ابن فضال حسب نقل الكشي بسند صحيح، وهو يروي عن زيد كثيراً

وقد يقال بان الرواية وان لم تتم سنداً من جهة الحسين بن علوان ولكن يمكن الاعتماد على ما ذكره في الفقيه عندما نقل الرواية لانه في الوسائل قال (ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام) وقد ذكر الشيخ الصدوق طريقه الى قضايا امير المؤمنين في المشيخة وهو طريق صحيح قال (وما كان فيه متفرّقا من قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام فقد رويته عن أبي؛ و محمّد بن الحسن- رضي اللّه عنهما- عن سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد الرّحمن‌ ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام‌)[5]

ولكن الشيخ الصدوق لم ينقلها بعنوان قضايا امير المؤمنين وانما ينقلها بعنوان (وقال امير المؤمنين ) فلا بد من التتبع فان ثبت انه يعبر عن قضايا امير المؤمنين بقوله (وقال امير المؤمنين ) فيكفي هذا الطريق لاثبات صحة الرواية


[1] وسائل الشيعة: 29/398، الباب التاسع من أبواب العاقلة ح1.
[2] رجال النجاشي: 52.
[3] خلاصة الاقوال: 338.
[4] خلاصة الاقوال: 338.
[5] من لا يحضره الفقيه: 4/526.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo