< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 416): لا تعقل العاقلة إقراراً ولا صلحاً، فلو أقرّ القاتل بالقتل أو بجناية أُخرى خطأً تثبت الدية في ماله دون العاقلة، وكذلك لو صالح عن قتل خطائي بمالٍ آخر غير الدية، فإنّ ذلك لا يحمل على العاقلة (1)

(مسألة 417): تتحمّل العاقلة الخطأ المحض دون العمد وشبيه العمد (2) نعم، لو هرب القاتل ولم يقدر عليه أو مات، فإن كان له مال أُخذت الدية من ماله، وإلّا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم تكن له قرابة أدّاه الإمام(عليه السلام) (3)

1-كان الكلام في رواية زيد بن علي وقلنا بان الشيخ الصدوق رواها في الفقيه مرسلة بعنوان قال امير المؤمنين (عليه السلام)، وفهم منه صاحب الوسائل انه ينقلها عن قضايا امير المؤمنين، ولكن قد يشكك في ذلك لأنه عادة ما يشير في ما ينقله عن قضايا امير المؤمنين الى ذلك، ففي محل الكلام لا فرق بين هذه الرواية وبين مرسلات الصدوق المعروفة

وقد ذكر في المشيخة طريقاً الى قضايا أمير المؤمنين ونفس الطريق ذكره الى محمد بن قيس البجلي، والظاهر أن السبب في ذلك هو ان مصنف كتاب قضايا امير المؤمنين هو محمد بن قيس، فقد نص النجاشي بأن (له كتاب القضايا المعروف) وذكر الشيخ الطوسي (له كتاب قضايا امير المؤمنين (عليه السلام))، ويأتي السؤال عن الداعي الى ذكر الطريق مرتين فإن العادة لم تجر بهذا الشكل، والا للزم أن يذكر طريقه الى زرارة وطريقه الى كتابه مثلاً

وهناك كلام طويل في هذا الباب لأن هناك شخصاً آخر اسمه محمد بن قيس ابو بصير الاسدي وهو ثقة وله كتاب قضايا امير المؤمنين كما ذكر النجاشي في ترجمته، فهل المقصود كون الطريق الاول لكتاب محمد بن قيس الاسدي والثاني طريق لمحمد بن قيس البجلي او بالعكس بان يكون الطريق الاول لكتاب محمد بن قيس البجلي والثاني لمحمد بن قيس الاسدي، هذا بحث لا علاقة له بمحل الكلام

والحاصل أن الرواية وإن كان مضمونها قضاء لامير المؤمنين الا ان عبارته لم تشر الى انها مأخوذة من قضايا امير المؤمنين او من كتاب محمد بن قيس، ومن هنا يتعين التوقف في الأخذ بهذه الرواية

الرواية الثانية: معتبرة أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ((لا تضمن العاقلة عمدا ، ولا إقرارا ، ولا صلحا))[1]

ودلالتها على المطلوب واضحة وسندها تام وإن كان فيه البطائني ولكننا نبني على الأخذ برواياته قبل انحرافه، والشاهد على كون هذه الرواية قبل الانحراف هو ان الراوي عنه هو الحسن بن محبوب وهو من أجلاء الاصحاب فلا يروي عنه بعد الانحراف

الرواية الثالثة: رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، ((أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : العاقلة لا تضمن عمدا ، ولا إقرارا ، ولا صلحا))[2] ولكن طريق الشيخ الطوسي الى النوفلي ضعيف ففيه المفضل وابن بطة ولم تثبت وثاقتهم، نعم طريقه الى السكوني صحيح الا انه يبدأ السند بالنوفلي

ولذا فالتعويل على معتبرة ابي بصير ويؤيدها رواية زيد بن علي ورواية السكوني

واما الصلح ففسرناه -كما يظهر من الفقهاء- بان يتصالح القاتل مع أولياء الدم على القتل الخطأ مع عدم ثبوته مقابل ان يدفع لهم مالاً

ويمكن الاستدلال عليه بمعتبرة ابي بصير ورواية السكوني المتقدمتين، ويمكن أن يقال بأن هذا هو مقتضى القاعدة فأن العاقلة انما تضمن الدية في الجناية الثابتة خطأ، فلا تضمن جناية غير ثابتة ولا تضمن مالاً آخر غير الدية

2-تقدم التعرض الى ذلك وقلنا بأن المستفاد من الروايات أن دية العمد وشبيه العمد تكون على الجاني وأن دية الخطأ المحض على العاقلة

3-تقدم الكلام عن هذا في (مسألة 208) مفصلاً ولكن تلك المسألة كانت مختصة بالجناية شبه العمد وكلامنا في الخطأ المحض، كما أن الادلة التي استدل بها في تلك المسألة مختصة بالعمد وهما صحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال : ((إن كان له مال اخذت الدية من ماله ، وإلا فمن الاقرب فالاقرب ، وإن لم يكن له قرابة أداه الامام ، فانه لا يبطل دم امرئ مسلم))[3] وموردها القتل العمد

وصحيحة البزنطي عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات ، قال : ((إن كان له مال اخذ منه ، وإلا اخذ من الاقرب فالاقرب))[4] وتعرضنا للاشكال السندي فيها وانتهينا الى صحة ما ينقله الشيخ في الاستبصار

ويقع البحث في مرحلتين الاولى في كيفية تعميم الروايات المختصة بالعمد الى شبه العمد حتى يصح الاستدلال بها في تلك المسألة، والثانية في تعميم الروايات لتشمل محل الكلام في القتل الخطأ المحض

وتغلب السيد الخوئي على المشكلة الاولى بالتمسك بعموم التعليل (لا يبطل دم امريء مسلم) فانه بعمومه شامل لشبه العمد

ولكن تعرض صاحب الجواهر للاستدلال بعموم التعليل لاثبات الحكم في شبه العمد واجاب عنه بان التعليل مختص بالفقرة الاخيرة من الرواية الدالة على أداء الامام الدية من بيت المال، ولا يكون تعليلاً لأخذ الدية من مال الجاني إن كان له مال وإن لم يكن له مال فمن قرابته

لأنه يقال لم يدفع الامام الدية من بيت المال فيقال لأنه لا يبطل دم امريء مسلم

واما أخذ الدية من ماله فباعتبار انه فوت على ولي الدم القصاص بهربه وبالتالي فوت عليهم الدية بدلاً منه فيكون ضامناً لها

وأخذ الدية من اقاربه يمكن تعليله -وهو موجود في الروايات- بانهم يرثون الدية فيما لو قتل

ولكن قلنا بانه يمكن دفع هذا الاشكال بان التعليل يصلح ان يكون تعليلاً لكل هذه الاحكام بان يقال بان القاتل عمداً اذا هرب او مات تؤخذ الدية من ماله ان كان له مال لأنه لا يبطل دم امريء مسلم وإن لم يكن له مال تؤخذ الدية من قرابته لئلا يبطل دم امريء مسلم، فالتعليل يصلح ان يكون تعليلاً لكل الاحكام المذكورة في الرواية ولا قرينة على تخصيصه بواحد منها، والظهور الاولي للرواية يشير الى رجوعه الى جميع الاحكام التي ذكرت على الترتيب

فاذا تمسكنا بعموم التعليل وتعدينا الى شبه العمد نثبت هذه الاحكام على نفس الترتيب في شبه العمد كما هي ثابتة في العمد

واما في محل الكلام، فإن الدية في القتل العمد تثبت في ذمة الجاني كسائر الديون خصوصاً اذا قلنا بانها حكم وضعي فاذا هرب تؤخذ من ماله

واما في محل الكلام فالدية تثبت على العاقلة ومقتضى إطلاق أدلة تحمل العاقلة أن تتحملها سواء كان الجاني موجوداً او هرب

ولا يمكن تعليل ثبوت الدية في ماله في الخطأ المحض لأنه حتى مسألة لا يبطل دم امريء مسلم لا يقتضي ان تكون الدية في ماله بعد أن كانت على العاقلة


[1] وسائل الشيعة: 29/394، الباب الثالث من أبواب العاقلة ح1.
[2] وسائل الشيعة: 29/394، الباب الثالث من أبواب العاقلة ح2.
[3] وسائل الشيعة: 29/395، الباب الرابع من أبواب العاقلة ح1.
[4] وسائل الشيعة: 29/395، الباب الرابع من أبواب العاقلة ح3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo