< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 417): تتحمّل العاقلة الخطأ المحض دون العمد وشبيه العمد نعم، لو هرب القاتل ولم يقدر عليه أو مات، فإن كان له مال أُخذت الدية من ماله، وإلّا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم تكن له قرابة أدّاه الإمام(عليه السلام) (1)

(مسألة 418): لو جرح أو قتل نفسه خطأً لم يضمنه العاقلة ولا دية له (2)

(مسألة 419): المملوك جنايته على رقبته ولا يعقلها المولى (3)

(مسألة 420): تجب الدية على العاقلة في القتل الخطائي كما مرّ، فإن لم تكن له عاقلة أو عجزت عن الدية أُخذت من مال الجاني (4) و إن لم يكن له مال فهي على الإمام(عليه السلام)

1-تكلمنا حول هذه المسألة بناء على ارتباطها بالقتل الخطأ المحض، باعتبار أن هذا ظاهر العبارة، باعتبار ان الكلام عن العاقلة، مع انه تكلم في (مسألة 208) عن القاتل عمداً والقاتل شبه العمد اذا هربا

وقلنا بان هذا الترتيب في أخذ الدية نلتزم به في القتل العمد على ما تقدم وتعدينا الى القتل شبيه العمد تبعاً للسيد الماتن، واما التعدي الى الخطأ المحض الذي هو محل الكلام فنتوقف فيه إذ لا دليل عليه الا هذه الروايات وقد عرفت انها واردة في القتل العمد ويصعب تعديتها الى القتل الخطأ باعتبار أن الدية فيه تتحملها العاقلة ومقتضى اطلاق أدلة العاقلة هو عدم الفرق بين بقاء الجاني موجوداً وبين هربه وعدم القدرة عليه او موته

فالانتقال من العاقلة الى الزام الجاني بدفع الدية خلاف ظاهر الادلة

وهذا بخلاف القتل العمد لأن الدية فيه يتحملها الجاني نفسه خصوصاً اذا قلنا هي من الاحكام الوضعية فاذا هرب تؤخذ من ماله وهذا على القاعدة

ولكن هذا خلاف القاعدة في القتل الخطأ لأن الادلة تدل على تحمل العاقلة للدية ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين هربه وعدمه

نعم اذا قلنا بانه في هذه المسألة ناظر الى القتل العمد وشبه العمد فكلامه صحيح

2-قلنا بانه يفهم من الدية انها تعويض عن الضرر الذي الحقه الجاني بالمجني عليه، وحينئذ لا معنى لهذا التعويض عندما يقتل نفسه او يجرحها، بل لا معنى للدية لأنها انما تكون عندما تكون الجناية متعلقة بالغير، وبالتالي لا تضمن العاقلة شيئا فإن العاقلة انما تضمن الجناية على الغير بالدية، فاذا لم نتصور معنى للدية فلا معنى لضمان العاقلة

3-يمكن أن يقال بانه لا مقتضي لضمان المولى جناية عبده -كما ذكر السيد الماتن- مضافاً الى انه تدل عليه صحيحة محمد بن قيس التي رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، ومحمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب قتل ، قال : يحسب ما اعتق منه فيؤدي دية الحر ، ومارق منه فدية العبد))

ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام وزاد : وقال : ((العبد لا يغرم أهله وراء نفسه شيئا))[1]

والاستدلال بالاضافة التي ذكرها في الفقيه، وهي صريحة في أن المولى لا يعقل جناية العبد

4-ما ذكره الماتن من أن الدية في الخطأ المحض تؤخذ من مال الجاني إن لم يكن له عاقلة او كانت ولكن عجزت عن الدية، قيل انه المشهور بل ادعي الاجماع عليه في بعض الكلمات

وفي المقابل ذهب الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر والقاضي في المهذب الى أن الدية في هذه الحالة تؤخذ من بيت مال المسلمين

وقد استدل للقول المشهور -كما في كلام السيد الماتن- بأدلة

الاول صحيحة محمد الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب على ضاربه فقتله قال : فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : ((هذان متعديان جميعا فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا ، لانه قتله حين قتله وهو أعمى ، والاعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما ، فان لم يكن للاعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين ، ويرجع الاعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه))[2] وقد بين في الرواية حكم القتل الخطأ -بعد أن نزل جناية الاعمى منزلة الخطأ- وهو أن الدية تؤخذ من العاقلة فإن لم يكن له عاقلة تؤخذ من مال الجاني

وهذا حكم عام يشمل محل الكلام وإن كان القاتل خطأ ليس باعمى

الثاني: دلت الآية الشريفة وبعض الروايات الواردة في القتل الخطأ أن ذمة الجاني مشغولة بالدية، غاية الأمر ان هناك روايات دلت على أن العاقلة تتحملها عنه

فإن لم يكن للجاني عاقلة يرجع في الدية على الجاني فتؤخذ من ماله إن كان له مال

اما الآية الشريفة وهي قوله تعالى ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا﴾ فالمذكور فيها هو القتل الخطأ ورتبت انه يجب على القاتل امران الكفارة والدية، والمكلف بالكفارة هو القاتل نفسه فيكون هو المكلف بالدية

ويلاحظ عليه انه يريد أن يثبت أن الكفارة بالنسبة الى الجاني حكم وضعي تشتغل بها ذمته، ولكن الكفارة تكليف محض ولذا صرحوا بانها لا تخرج من أصل التركة بخلاف المستحقات المالية

فبقرينة أن الكفارة ذكرت في الآية مع الدية في سياق واحد فعلى الاقل يبرز احتمال ان الدية بالنسبة الى الجاني حكم تكليفي محض فالمستفاد من الآية أن القاتل عليه الكفارة وعليه الدية،

اللهم الا أن يقال بما نقلناه عنه سابقاً من أن (على) عندما تتعلق بفعل تكون ظاهرة في الوجوب التكليفي، وعندما تتعلق بالمال تكون ظاهرة في الحكم الوضعي

ومفاد الآية ان عليه الدية وهي مال فيثبت انها حكم وضعي

وهذا لا يثبت في الكفارة لأن قوله (عليه الكفارة) ليس بمعنى عليه المال بل بمعنى عليه صيام شهرين او عليه العتق وهو فعل، فالحكم بالنسبة الى الكفارة يكون تكليفياً محضاً وبالنسبة الى الدية يكون حكماً وضعياً وانثلام السياق لا يؤثر

فاذا تممنا هذا المطلب يتم ما ذكره فان الآية تدل على اشتغال ذمة الجاني بالدية ودلت ادلة اخرى على تحمل العاقلة لها فاذا لم تكن له عاقلة تؤخذ من ماله ان كان له مال

واما ما يرتبط بالروايات فقد ذكر عدة روايات

الاولى صحيحة أبي العباس البقباق -وفي طريق الكليني للرواية سهل بن زياد ورواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن عبد الملك وطريقه اليه صحيح- عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة ، أهو أن يعتمد ضرب رجل ولا يعتمد قتله؟ فقال : ((نعم ، قلت : رمى شاة فأصاب إنسانا ، قال : ذاك الخطأ الذي لا شك فيه ، عليه الدية والكفارة))[3] وهي تدل على أن الدية على الجاني ويستفاد منها انها ثابتة في ذمته بالنكتة السابقة


[1] وسائل الشيعة: 29/213، الباب العاشر من أبواب ديات النفس ح2.
[2] وسائل الشيعة: 29/399، الباب العاشر من أبواب العاقلة ح1.
[3] وسائل الشيعة: 29/38، الباب الحادي عشر من أبواب القصاص في النفس ح9.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo