< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ في العاقلة/

(مسألة 420): تجب الدية على العاقلة في القتل الخطائي كما مرّ، فإن لم تكن له عاقلة أو عجزت عن الدية أُخذت من مال الجاني (1) و إن لم يكن له مال فهي على الإمام(عليه السلام)

    1. كان الكلام في الملاحظات على ما ذكره السيد الخوئي (قده) وغيره

الملاحظة الثانية: ان الآية الشريفة تشمل محل الكلام بالاطلاق وهكذا صحيحة زرارة، ومن هنا قيل لم لا نقيد هذا الاطلاق بما دل على أن الدية في الخطأ المحض على العاقلة فتختص الآية بالخطأ شبيه العمد فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام

ويلاحظ عليه إن هذا لا يصح في جميع الروايات كما في صحيحة البقباق لانها تختص بالخطأ المحض وتدل على أن الدية على الجاني فتكون معارضة لما دل على أن الدية في الخطأ المحض على العاقلة، ومن جهة اخرى قد يقال بأن التقييد ليس بصحيح الا اذا بنينا على خلاف ما يقوله السيد الماتن من أن التكليف بالدية على الجاني حكم وضعي بمعنى استقرار الدية في ذمته وعلى العاقلة حكم تكليفي صرف

فهذا التقييد لا يصح بناء على كلامه لأن التقييد فرع التنافي ولا تنافي بين دليل يقول بأن الدية في الخطأ المحض على الجاني بمعنى استقرار الدية في ذمته ودليل آخر يقول يجب على العاقلة اداء الدية تكليفاً فاذا ادتها العاقلة تسقط الدية من ذمة الجاني والا تبقى بذمته

فالتقييد لا بد أن يكون على مبنى آخر غير ما يقوله السيد الخوئي، فلا يصلح هذا اشكالاً على ما يقوله

نعم اذا قلنا بأن كلاً منهما حكم وضعي او ان كلاً منهما حكم تكليفي ينفتح المجال لدعوى التنافي فتأتي مسألة التقييد المطروحة في المقام

الملاحظة الثالثة: ان استفادة الحكم الوضعي من الآية الشريفة والروايات التي مضمونها أن الدية على الجاني ليس واضحاً فإن معناه تجب عليه الدية خصوصاً بعد اقترانه بقوله عليه الكفارة مع وضوح أن وجوب الكفارة من باب الحكم التكليفي

وحينئذ نحتاج الى ما ذكره من أن متعلق عليه إن كان فعلاً تكون ظاهرة في الحكم التكليفي وإن تعلقت بالجوامد تكون ظاهرة في الحكم الوضعي

ولعل منشأه انه يفهم من قوله (عليه) جعل الشيء في العهدة فاذا كان فعلاً فهو يساوق الحكم التكليفي أي يجب عليه الاتيان بالفعل بينما جعل المال في العهدة يعني اشتغال الذمة بالمال

ولازم هذا الكلام أن الكفارة تختلف عن الدية فيفترقان مع انهما جمعا في دليل واحد واستفيد كل منهما من عبارة (عليه) او ما يساوقها، والظاهر أن هذا لا يشكل عائقاً لأن عليه مستعملة في معنى واحد وهو ادخال الشيء في العهدة

الملاحظة الرابعة: ما ذكره من أن شيئاً من الروايات لا يدل على أن الدية على العاقلة حكم وضعي سوى روايتين هما رواية السكوني ورواية أبي بصير عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: ((لا تضمن العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً)) ويفهم منها أن العاقلة تضمن ما عدا ذلك، فقد أقر بدلالة هاتين الروايتين على كون الدية على العاقلة حكم وضعي ولكن ناقش في السند

ونحن نبني على صحة رواية ابي بصير وهي تدل على أن ايجاب الدية على العاقلة حكم وضعي، وهناك روايات اخرى وردت بلسان (الدية على العاقلة) فيأتي الكلام السابق في انها ظاهرة في الحكم الوضعي، فبناء على كلامه لا بد أن نستفيد من هذه الروايات أن الدية على العاقلة حكم وضعي ومفاده استقرار الدية في ذمة العاقلة

من هذه الروايات صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((من لجأ إلى قوم فأقروا بولايته كان لهم ميراثه ، وعليهم معقلته))[1] وظاهرها أن عليهم الدية

ومنها مرسلة يونس بن عبد الرحمن ، عمن رواه ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : ((في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أن الدية على ورثته ، فان لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال))[2] بناء على أن المقصود بالورثة هم العاقلة، وهذا نستفيده من تعقيب الكلام بقوله فإن لم يكن له عاقلة

ومنها رواية الحكم بن عتيبة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال : ((يا حكم إذا كان الخطأ من القاتل ( أو الخطأ ) من الجارح وكان بدويا فدية ما جنى البدوي من الخطأ على أوليائه البدويين ، قال : وإذا كان القاتل أو الجارح قرويا فان دية ما جنى من الخطأ على أوليائه من القرويين))[3] فهو يتحدث عن العاقلة، ولذا عنون صاحب الوسائل الباب بقوله (باب أن دية الخطأ من البدوي على عاقلته البدويين ، ومن القروي على عاقلته من القرويين)

ومنها صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ((كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا))[4] والمقصود بتحملهم الجناية هو تحملهم توابعها ومن اهمها الدية، بل هو المقصود في المقام

ومنها رواية إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ((أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا فجعل الدية على قومه ، وجعل خطأه وعمده سواء))[5] قوله على قومه اي على عاقلته

فهذه الروايات مقابل الروايات التي ذكرها وبناء على القاعدة التي ذكرها ينبغي أن نستفيد منها ان الدية حكم وضعي، فالدية تستقر في ذمة الجاني وفي ذمة العاقلة، ولكن يصعب الالتزام بذلك

بل يصعب الالتزام بأن الحكم في كل منهما حكم تكليفي ايضاً لأن مآله الى أن المكلف هو الجامع بين الجاني وبين العاقلة غاية الأمر انه اذا ادى أحدهما يسقط التكليف عن الآخر، ولكن التكليف ابتداء ينصب على الجامع وهذا لا يلتزمون به لانهم ذكروا أن الدية في الخطأ المحض تجب على العاقلة

وعليه فلا بد أن يكون الحكم في أحدهما حكماً تكليفياً وفي الآخر وضعياً وهو ما ذكره السيد الماتن فالحكم في الجاني وضعي وفي العاقلة تكليفي

وهناك رواية يمكن أن تكون مؤيدة لما ذكره وهي صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب على ضاربه فقتله قال : فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : ((هذان متعديان جميعا فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا ، لانه قتله حين قتله وهو أعمى ، والاعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما ، فان لم يكن للاعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين ، ويرجع الاعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه))[6] فتدل على أن الدية حكم وضعي بمعنى انها استقرت في ذمة الجاني الذي مات لأنها لو كانت حكماً تكليفياً لسقط بموته كما تسقط التكاليف بالتعذر وعدم القدرة، ومعنى أخذ الدية من ورثته هو أن تخرج من أصل التركة كالديون

يبقى أن مورد الرواية هو الجناية العمدية لأنه حين ضرب الاعمى واسال عينيه كان عامداً، ولكن يمكن أن يقال باننا لا نحتمل الفرق بين القتل العمد والخطأ المحض في كون الدية على الجاني من باب الوضع، فلو كانت الدية على الجاني في القتل العمد من باب الوضع فهي في الخطأ المحض من باب الوضع ايضاً

والنتيجة انه لا يبعد أن الاقرب هو ما ذكره السيد الماتن من أن الحكم على العاقلة تكليفي وعلى الجاني وضعي يستقر بذمته ولكن تكلف العاقلة بتحمله

 


[1] وسائل الشيعة: 29/397، الباب السابع من أبواب العاقلة ح1.
[2] وسائل الشيعة: 29/397، الباب السادس من أبواب العاقلة ح1.
[3] وسائل الشيعة: 29/398، الباب الثامن من أبواب العاقلة ح1.
[4] وسائل الشيعة: 29/400، الباب الحادي عشر من أبواب العاقلة ح1.
[5] وسائل الشيعة: 29/401، الباب الحادي عشر من أبواب العاقلة ح5.
[6] وسائل الشيعة: 29/399، الباب العاشر من أبواب العاقلة ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo