< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

كتاب احياء الموات‌
المراد بالموات:الأرض المتروكة التي لا ينتفع بها إما لعدم المقتضي لاحيائها و إما لوجود المانع عنه كانقطاع الماء عنها أو استيلاء المياه أو الرمول أو الأحجار أو السبخ عليها أو نحو ذلك (1)
(مسألة 706): الموات على نوعين:

1-الموات بالأصل و هو ما لم يعلم بعروض الحياة عليه أو علم عدمه (2) كأكثر البراري و المفاوز و البوادي و سفوح الجبال و نحو ذلك.
2-الموات بالعارض و هو ما عرض عليه الخراب و الموتان بعد الحياة و العمران

يقع الكلام في كتاب احياء الموات ويليه كتاب المشتركات وهما كتابان مترابطان، ولذا لم يفصل بينهما كثير من الفقهاء بل جعلوهما كتاباً واحداً اسموه بكتاب احياء الموات فلدينا في حقيقة الأمر عنوانان مختلفان بينهما ارتباط الاول هو احياء الموات والثاني هوالمشتركات، والمراد من الاول هو احياء الارض الميتة باعمارها بعد أن كانت خراباً، فالموات هي الارض الميتة، هذا بناء على الفصل بينه وبين المشتركات

ويقع الكلام في موضوع الاول في ان الموات هل هو وصف مختص بالارض فقط او انه يشمل غير الارض ايضاً لأن الاحياء يتصور في غير الارض ايضاً كالمعادن والانهار والابار، فالبئر الغير مستفاد منها يمكن تصور الاحياء فيها هذا من جهة

ومن جهة اخرى هل الاحياء يشمل جميع اقسام الارض التي هي موات بالاصل اوبالعارض، وكذا الارض الموقوفة اذا طرأ عليها الموت والخراب فيقع الكلام في ترتب الاثار المترتبة على احياء الارض الاخرى على احيائها،

هذا ما يبحث في تصور الموضوع، والقول بانه أعم من احياء الارض الميتة يساعد عليه بعض الروايات المطلقة الدالة باطلاقها على ان الاحياء غير مختص بالارض بل يشمل المشتركات ايضاً كما ورد في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام (قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أحيا مواتا فهو له)[1]

واما الكلام في المحمول فيقع في معني الاحياء وبم يتحقق وهل معناه والمقصود منه يختلف باختلاف ما يقصده المحيي، فقد يقال انه يمكن التفريق بين انحاء الاحياء تبعاً لقصد المحيي فما يتحقق به الاحياء لو قصد الاحياء بالسكنى يختلف عن ما لو قصد احياء الارض للزراعة وسيأتي تفصيل ذلك .

وكذلك يقع الكلام في المحمول من جهة شروط التملك بالاحياء فذكر الفقهاء لذلك شروطا فصلت في محلها ومنها ان لايكون الموات حريماً لعامر، فالارض المراد احيائها إن كانت واقعة في حريم عامر ارضاً كان العامر او غيرها، فإن احيا حريم ارض عامرة لم تدخل في ملكه بذلك الاحياء ومن هنا دخل الفقهاء الى بحث حريم المساجد والاراضي وغيرها

ومما ذكروه شرطاً للتمليك أن لا تكون الارض مسبوقة بالتحجير فإن التحجير غير الاحياء وهو يعطي اولوية لمن حجر وعليه فإن كان سابقاً على الاحياء كان مانعاً من التمليك لاثباته حقاً للمحجر في اولويته على غيره بالتصرف بها هذا كله فيما لو قلنا ان الاحياء مختص بالارض

ولكن نحن نتكلم على اساس وجود عنوانين متمايزين هما احياء الموات والمشتركات التي هي المعادن والمياه والمنافع العامة، والفقهاء بين من جعلهما كتابين مستقلين وبين من جعلهما كتابا واحدا فالملاحظ هوان الشيخ الطوسي ومن تبعه جعلهما في كتاب واحد وهو كتاب احياء الموات ويتكلم فيه عن المشتركات ضمناً، فكأن احياء الموات عاماً فهو كما يشمل الاراضي يشمل المشتركات ايضاً وحديثهم عن المنافع العامة انما يدور حول كيفية التصرف بها وحدود ذلك التصرف، ولعل اول من فصل بينهما وجعلهما في كتابين هو الشهيد الاول في الدروس فجعل الكتاب الاول مختصاً بالارض وجعل الآخر في المشتركات الثلاثة وهي المعادن والمياه والمنافع العامة

واما العلامة في القواعد فجعل احياء الموات من توابع كتاب الغصب وذكر ان المشتركات اربعة الاراضي والمياه والمعادن والمنافع العامة، وجعلها في التحرير تحت عنوان مستقل ولم يجعله من توابع الغصب وذكر فيه ان المشتركات اربعة الاراضي والمنافع والمعادن والمياه، وممن تبع الشهيد الاول من المتأخرين السيد الاصفهاني في الوسيلة والسيد الخوئي في منهاج الصالحين الذي هو متن بحثنا هذا .

ولان هذه الامور الاربعة تشكل المصادر الطبيعية للانتاج وتعتمد عليها الحركة الاقتصادية فلذلك لا يتصور أن يهملها الشارع من دون بيان تنظيمها وكيفية وحدود التصرف بها، ومن هنا تبرز اهمية هذا البحث هذا على نحو الفهرسة

1-ذكروا في كتب اللغة (الموات بضم الميم هو الموت وبفتحها ما لا روح له، وفسر بالارض التي لا مالك لها ولا منتفع بها) كما في الصحاح

وفي القاموس اقتصر على الاول (الموتان بفتح الميم والواو الارض التي لم تحي وهو ضد الحيوان، قالوا انه يقال اشتر الموتان ولا تشتري الحيوان) والمقصود بالحيوان الرقيق

والظاهر انه ليس مقصود السيد الماتن من تعريف الموات بالارض الميتة التي لا ينتفع بها، عدم الانتفاع اصلاً بمعنى عدم قابليتها للانتفاع بأي وجه من وجوه الانتفاع، بل وإن كان لها منفعة غير معتد بها كما لو نبت فيها العشب الذي تأكله الحيوانات الا ان هذه المنفعة لا تعد شيئاً فيصدق انها ارض ميتة، بخلاف ما اذا زرع فيها الحشيش فانه يصدق انها ارض غير ميتة

وينبغي الالتفات الى انه ليس المقصود ان مجرد استيلاء الماء عليها يجعلها ارضاً ميتة بل لا بد من افتراض استيلاء الماء عليها بنحو يصدق عليها انها ارض ميتة لا ينتفع بها لا بمعنى انه يستولي عليها بنحو مؤقت وكذا انقطاع الماء عنها، اذ كثير من الاراضي العامرة يستولي عليها الماء ثم يزول عنها، وينقطع عنها الماء ثم يأتي اليها

ولم يتعرض السيد الماتن الى تفسير الاحياء، ويظهر من المبسوط ان تحديده موكول الى العرف للقاعدة التي يتعرض لها عادة وهي انه كلما ذكر الشارع حكماً معلقاً على موضوع ولم يبين المراد من الموضوع يعني ان الشارع ترك امر تحديده الى العرف، فما يراه العرف احياء يثبت له الحكم دون ما لا يراه كذلك

(و أما ما به يكون الاحياء فلم يرد الشرع ببيان ما يكون إحياء دون ما لا يكون غير أنه إذا قال النبي عليه و آله السلام: من أحيا أرضا فهي له، و لم يوجد في اللغة معنى ذلك، فالمرجع في ذلك إلى العرف و العادة، فما عرفه الناس إحياء في العادة كان إحياء)[2] ونفس الكلام يقال في الموات فان الشارع ترك تحديد معنى الموات

2-الظاهر انه لا يصح تعريف الموات بالأصل بما علم بعدم عروض الحياة عليه فهو امر واقعي يعرف بما لم تعرض الحياة عليه، والعلم طريق لإحراز عدم عروض الحياة عليه، فاذا علمنا ان هذه الأرض لم تعرضها الحياة اصلاً فهي موات بالأصل، وهذا معناه انه لا يمكن تعميم الموات بالأصل لحالة الشك، فالتعميم بحاجة الى تخريج ومن هنا ذكر بعض الفقهاء انه في حالة الشك بعروض الحياة لا يلحق بالموات بالأصل موضوعاً وانما يلحق به حكماً


[1] الكافي: ج5 ص279 ح3 باب في احياء ارض الموات.
[2] المبسوط: 3/271.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo