< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

(مسألة 707): يجوز لكل أحد إحياء الموات بالأصل و الظاهر أنه يملك به من دون فرق بين كون المحيي مسلما أو كافرا (1)

1- تقدم ان الكلام يقع في هذه المسألة في عدة امور والكلام فعلاً في الامر الثالث وفيه ثلاثة فروع :

الاول : هل يجوز احياء الارض الموات بالاصل لغير الامام؟ والمراد بالجواز الحكم التكليفي .

الثاني : هل هذا الاحياء تترتب عليه ملكية المحيي للارض؟

الثالث : لو قلنا انه يملك الارض بالاحياء هل هذا الملك مشروط بأذن الامام او لا؟

اما الفرع الاول فمقتضى القاعدة هو عدم جواز الاحياء تكليفاً لاننا فرغنا من انها ملك للامام عليه السلام ولا يجوز التصرف في ما يملكه الغير عقلاً ونقلاً الا باذنه والاحياء تصرف

نعم يجوز التصرف بلا اشكال اذا اذن من يعتبر اذنه فيرتفع عدم الجواز

وهل هناك دليل يدل على ان الامام اذن بالتصرف هذا ما سياتي توضيحه في الامر الرابع

ولكن الاحياء من دون اذن لا يكون مملكاً وانما يكون مملكا مع الاذن على كلام سياتي، لان هناك من قال بان الاحياء وان كان مع الاذن في الاحياء الا انه لا يكون مملكا خصوصا ان كان المحيي غير مسلم وسياتي بحثه.

وبعبارة اخرى ان هناك حكمان تكليفي وهو عدم جواز الاحياء من دون الاذن ، ووضعي وهو ان الاحياء لا تترتب عليه الملكية من دون اذن من له الاذن .

الفرع الثاني : في ان الارض تملك بالاحياء او لا؟

والظاهر انه لا خلاف ولا اشكال بين الفريقين من العامة والخاصة في ان من احيا ارضا فهي له، هذا في الجملة وبغض النظر عن شروطه، وتدل عليه النصوص المستفيضة

منها : صحيحة محمد بن مسلم ( قال : سالته عن الشراء من ارض اليهود والنصارى فقال : ليس به بأس ـ إلى أن قال : ـ وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض ، أو عملوه فهم أحقّ بها ، وهي لهم )[1] ، فهي صريحة في ترتب الملكية على الاحياء وهذه الرواية مضمرة ولكن لا يضر اضمارها في الاعتماد عليها ، اما لما قالوه من ان المضمر هو محمد بن مسلم وهو من الاجلاء ولا يناسبه ان يروي عن غير المعصوم،

او بناء على ما قلناه من ان اهتمام الاصحاب بنقل هذه الرواية في كتبهم قرينة على كون المسؤول هو المعصوم عليه السلام، بل لو كان محمد بن مسلم روى عن غير المعصوم لكان لابد بمقتضى الأمانة ان ينصب قرينة تدل على المسؤول وايضا قول محمد بن مسلم للعلاء بن رزين سالته يقتضي ان يسأله العلاء عن المنقول عنه ان لم يكن واضحا عنده بقرينة او غيرها ومقتض الامانة بالنسبة للعلاء بن رزين لو كان المسؤول غير الامام ان يذكره،

مضافاً الى ان الشيخ الطوسي نقل نفس الرواية عن محمد بن مسلم بسند[2] آخر ليس فيه اضمار

ومنها صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : ((أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض ، وعمروها فهم أحقّ بها ، وهي لهم))[3]

وصحيحة الفضلاء زرارة ومحمد بن مسلم ، وأبي بصير ، وفضيل ، وبكير ، وحمران ، وعبد الرحمن ابن أبي عبد الله ، عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) ، قالا : ((قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : من أحيى أرضاً مواتاً فهي له))[4]

ورواية زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : ((قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : من أحيى مواتاً فهو له))[5]

والروايات كثيرة جدا ويضاف اليها ما رواه العامة، ونشير الى هذه الروايات فيما سياتي بعنوان الطائفة الاولى

الطائفة الثانية:

نعم قد يقال بوجود المعارض لهذه الاخبار وهو ما دل على عدم ملكية الارض بالاحياء وان على من احياها ان يؤدي خراجها او اجرتها ويفهم منه ان المحيي اجير، وهما روايتان

الاولى: صحيحة عمر بن يزيد قال : سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها فعمّرها وكرى أنهارها وبنى فيها بيوتاً وغرس فيها نخلاً وشجراً ؟ قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ((كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإِمام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه))[6]

الثانية صحيحة أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : ((وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام) ﴿إِنَّ الْأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا، فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها ، وليؤدّ خراجها إلى الإِمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها ، فإن تركها وأخربها ، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحقّ بها من الذي تركها ، فليؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم ( عليه السلام ) من أهل بيتي بالسّيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ومنعها ، إلا ما كان في أيدي شيعتنا ، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم))[7]

اما الرواية الاولى فكان صدرها مختص بالموات بالعارض لانه يقول (تركها اهلها) بينما كلامنا في الموات بالاصل، وهي وان ذكر فيها (فهي له) الا انه يقول بعدها (وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإِمام)

ويمكن تجاوز الامر الاول بالتمسك باطلاق كلام الامام الذي نقله عن امير المؤمنين (عليه السلام) فيمكن التمسك باطلاقه في محل الكلام

واما قوله (فهي له) فلا بد من تفسيره بمعنى انها تحت تصرفه وهو احق بها، لأن اللام في (له) فيها كلام في إفادتها الملك أو الاختصاص، فالروايتان يمكن ان تجعلا معارضتين للطائفة الأولى لأنهما تدلان على عدم الملكية وعدم خروج الأرض عن ملك الإمام (ع) ولذا فالكلام في هاتين الطائفتين من الروايات ، تارة نبني على ان الطائفة الثانية أعرض عنها المشهور بل اكثر من ذلك لأن الكل متفق على ترتب الملكية على الإحياء والإجماع محصلا ومنقولا دال على ذلك وعليه إجماع الفريقين، وهذا يعني أن الروايات التي ظاهرها أن الإحياء ليس مملكاً قد أعرض عنها الأصحاب – أو لا اقل المشهور – فتسقط عن الحجية على أساس الإعراض عنها، فلو بنينا على هذا فلا تصلح هذه الطائفة لمعارضة الطائفة الأولى ، وأما إذا ما قبلنا بذلك وأحتملنا أن عدم عملهم بالطائفة الثانية هو أمر أجتهادي – كأن يفسروها بتفسير خاص لا ينافي الطائفة الأولى – فحينئذ لا بد من تطبيق قواعد التعارض بين هاتين الطائفتين وقواعد التعارض تقول بأننا أولا لا بد أن نبحث عن إمكان الجمع العرفي بينهما فإذا أمكن الجمع بينهما يرتفع التعارض ونعمل بهما على ضوء الجمع العرفي ، وإلا فلو استقر التعارض و ما أمكننا أن نجمع عرفا بينهما فحينئذ نلتجأ إلى المرجحات فإن عثرنا على ما يرجح إحدى الطائفتين على ألأخرى فبها ، وإلا فحينئذ ننتقل إلى تساقط الطائفتين – بناء على أن القاعدة هي التساقط – وحينئذ ننتقل إلى ما يجعل مرجعا بعد التساقط، فهذه ثلاثة أمور.

أما بالنسبة للأمر الأول: الجمع العرفي بين الطائفتين

ذكرت وجوها كثيرة للجمع العرفي نذكر منها وجهين :

الوجه الأول: هو حمل الطائفة الثانية على الاستحباب فلا تنافي الطائفة الأولى ، فتبقى الأرض مملوكة بالإحياء ولكن يستحب له أن يدفع الأجرة والخراج ، والجمع مبني على دعوى أن الطائفة الأولى صريحة في الملكية وعدم وجوب دفع شيء بعنوان الخراج أو غيره إلى الإمام (ع) والطائفة الثانية ليست صريحة في وجوب دفع الأجرة ، لأنها تقول (فليؤدِ طسقها) وهذه الصيغة ظاهرة في الوجوب، ونرفع اليد عن هذا الظهور ونلتزم بحكم الطائفة الأولى من انها باقية على ملكه ولا تخرج عن ملكه ولكن يستحب له دفع الخراج وحينئذ سوف نصل إلى نتيجة موافقة للمشهور وهو أن الأحياء مملك، هذا الجمع كأنه يتعامل مع الروايات كأنها أحكام تكليفية فيقيسها على ما إذا ورد دليل يأمر بشيء و دليل آخر يرخص فيه، فيحمل الأمر على الاستحباب لان الدليل الثاني صريح في الترخيص، لكن هذا يتم في الأحكام التكليفية، أما في الأحكام الوضعية كما هو محل الكلام فليس واضحا جريانه ، لأننا عندنا حكم وضعي وهو استحقاق الإمام (ع) للأجرة والخراج، والاستحقاق ليس فيه قسمان أحدهما واجب والآخر مستحب حتى يقال بأنه يستحب إعطاء الأجرة لأن الطائفة الثانية ظاهرة في ذلك.

 


[1] - وسائل الشيعة: 25/411، الباب الاول من كتاب الاحياء ح1.
[2] وسائل الشيعة: 15/156، الباب الواحد والسبعون من أبواب جهاد العدو ح2.
[3] وسائل الشيعة: 25/412، الباب الاول ح4.
[4] ح5.
[5] وسائل الشيعة: 25/412، الباب الأول ح6.
[6] وسائل الشيعة: 9/594، الباب الرابع من أبواب الانفال ح13.
[7] وسائل الشيعة: 25/414، الباب الثالث من كتاب الاحياء ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo