< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

(مسألة 707): يجوز لكل أحد إحياء الموات بالأصل و الظاهر أنه يملك به من دون فرق بين كون المحيي مسلما أو كافرا (1)

1-مما تقدم تبين أن هناك طائفتين من الاخبار، الطائفة الاولى تدل على أن من احيا ارضاً فهي له ورواياتها ظاهرة في ان الاحياء سبب للملكية، والطائفة الثانية تدل على عدم التملك بالاحياء وان الارض تبقى على ملك للامام (عليه السلام) ويجب على المحيي دفع الاجرة له،

وبناء على تحقق التعارض بين الطائفتين يقع الكلام في امور:

الاول: في الجمع العرفي لرفع التعارض بين الطائفتين

الثاني: في ما يوجب الترجح لاحدى الطائفتين لو لم يكن جمع عرفي

الثالث: في المرجع بعد التساقط لو لم يوجد مرجح

اما الامر الاول فذكرنا وجهين للجمع العرفي بين الروايات، وكان ثانيهما يعتمد على الايمان بكبرى انقلاب النسبة بالبيان المتقدم من أن الطائفة الاولى تدل على أن الارض تملك بالاحياء مطلقاً سواء كان المحيي شيعياً او لم يكن، والطائفة الثانية تدل على أنه لا يملك بالاحياء ولم تفرق بين كون المحيي شيعياً او لا، فعلى المحيي دفع الخراج على كل حال، فهما مطلقان متباينان، وأدلة التحليل للشيعي وعمدتها رواية مسمع بن عبد الملك المتقدمة أخص مطلقاً من الطائفة الثانية فتخصصها باخراج الشيعي منها فتختص بغير الشيعي، وبهذا تكون الطائفة الثانية أخص مطلقاً من الطائفة الاولى فيرتفع التعارض بينهما

ويلاحظ عليه

اولاً: انه يعتبر في هذا المورد من موارد تطبيق انقلاب النسبة أن يكون الخاص موافقاً لأحد العامين ومخالفاً للآخر وهو غير متحقق في محل الكلام؛ لأن أخبار التحليل وإن خالفت أخبار الطائفة الثانية الا انها ليست موافقة لأخبار الطائفة الاولى لأن مفاد أخبار الطائفة الاولى حكم الهي شرعي بينما مفاد اخبار التحليل تحليل مالكي

ومنشأ هذا القول هو انهم يعتبرون في كبرى انقلاب النسبة أن يحمل العام الموافق -وهو الطائفة الاولى في المقام- على مورد الخاص بعد التخصيص، وحمل الطائفة الاولى على مورد الخاص انما يكون مقبولاً عندما نفترض أن الخاص موافق للعام الاول، ولذا اشترطوا في كبرى انقلاب النسبة ان يكون الخاص موافقاً لأحد العامين ومخالفاً للآخر

اما اذا لم يكن موافقاً له -كما في محل الكلام- فلا يمكن حمل العام على مورد الخاص

وفيه ان الاشكال في محل الكلام من جهة اخرى وهي ان محل الكلام ليس من صغريات كبرى الانقلاب ببيان انه لا اشكال في اعتبار أن يكون الخاص مخالفاً لأحد العامين في كبرى انقلاب النسبة والا فلا معنى للتخصيص

والعام الذي جعل الخاص مخالفاً له في محل الكلام هو الطائفة الثانية باعتبار أنها تدل على وجوب دفع الخراج على المحيي بينما أخبار التحليل تقول بأنه لا يجب على هذا المحيي الشيعي دفع الأجرة فالمخالفة من هذه الناحية ، ولذا طبقت الكبرى وقالوا بأن أخبار التحليل تخصص العام هذا، فإذا خصصته صار خاصاً، فتنقلب نسبته مع العام الآخر من التباين إلى العموم والخصوص المطلق فيخصصه

والمدعى أن أخبار التحليل ليست مخالفة للطائفة الثانية ، فيختل شرط أساسي من شروط تطبيق كبرى انقلاب النسبة

باعتبار ان التعارض بين الطائفتين العامتين هو في ملكية المحيي للارض وعدم ملكيته، لأن الطائفة الأولى تقول أن من أحيا ارضاً فهي له ، فهي تدل على ملكية المحيي للأرض ، فالاحياء سبب لملكية الأرض والطائفة الثانية تنفي هذا، فهي تقول بأن الارض على الرغم من احيائها تبقى على ملك الامام ويجب على المحيي ان يدفع الأجرة للمالك وهو الامام (عليه السلام) ، وهذا يعني ان الاحياء ليس سببا للملكية ، فمركز التعارض هو دلالة الطائفة الاولى على ان الاحياء هو سبب للتمليك والثانية على أنه ليس سببا للتمليك

وبلحاظ هذا لا تكون أخبار التحليل مخالفة للطائفة الثانية، لأن اطلاقها يقول بأن الأرض باقية على ملك الإمام (عليه السلام) وأن الاحياء ليس سبباً للملكية ، والطائفة الثانية تفيد هذا ايضاً ، غاية الامر ان اخبار التحليل تنفي وجوب دفع الأجرة من قبل المحيي للمالك ، وهو الإمام (عليه السلام) ، ولو قلنا بأن روايات التحليل تقول بأن الاحياء سبب للتمليك فإنما هو ببركة التحليل من قبل المالك، لا باعتبار أن الإحياء مملك ،

والحاصل ان الطائفة الثانية تقول بأن الاحياء ليس مملكا وكذلك روايات التحليل ، وهذا هو مركز التعارض بين الطائفة الأولى التي تقول بأن الإحياء مملك والطائفة الثانية التي تقول بأنه ليس مملكاً، واخبار التحليل ليست مخالفة للطائفة الثانية، وحينئذ لا يمكن تطبيق كبرى انقلاب النسبة ،

وبعبارة أخرى: إن اعتبار اخبار التحليل مخالفة للطائفة الثانية مبني على قصر النظر على جهة من الجهات التي بينت في هذه الأخبار وهي مسألة دفع الأجرة وعدم دفعها، وكأن التعارض بين الطائفتين في هذا

باعتبار ان الطائفة الثانية تدل على وجوب دفع الأجرة على المحيي ، بينما اخبار التحليل لا تدل على ذلك للشيعي ، فتكون المخالفة من هذه الجهة ، بينما مركز التعارض بين الطائفتين ليس هو هذا ، لأن الطائفة الأولى تقول من احيا أرضاً فهي له ، وهذه تعارض الطائفة الثانية التي تقول بعدم ذلك ولزوم دفع الأجرة للمالك ، ووجوب دفع الأجرة متفرع على افتراض بقاء الأرض على ملك الإمام (عليه السلام)، ولذا يجب دفع الأجرة للإمام (عليه السلام)، فمركز التعارض هو هذا ، وبلحاظه لا تكون أخبار التحليل مخالفة للطائفة الثانية، ولذا لا يكون محل الكلام صغرى لهذه الكبرى ، هذا مطلب

وثانياً: ان أصل انقلاب النسبة غير تام عندنا ، ولذا لا يكون هذا الوجه من الجمع تاماً ، ففيه مناقشة كبروية ، و مناقشة صغروية إما بالبيان الذي ذكره السيد الشهيد (ره) وهو ان اخبار التحليل لا توافق الطائفة الأولى ، او بالبيان الذي ذكر أخيراً وهو أن اخبار التحليل لا تخالف الطائفة الثانية

هذا بالنسبة للجمع الثاني

وهناك محاولة لرد الطائفة الثانية وجعلها غير صالحة لمعارضة الطائفة الأولى ، فالثانية تقول بأن المحيي عليه دفع الأجرة للإمام (عليه السلام)، وهذا الامر -كما يقول صاحب الجواهر قدس- لا محصل له ، فما معنى وجوب الدفع ؟! ومتى يدفعها ؟ فهل يدفعها للإمام (عليه السلام) في زمان الهدنة ، أو حينما تقوم الحكومة الشرعية الحقيقية بظهور الحجة عليه السلام ؟

اما دفعها له (عليه السلام) في زمن الهدنة فهو خلاف السيرة ، فلا يوجد دليل على أن الشيعة كانت تعطي الخراج للإمام (عليه السلام) ، والروايات حدثتنا انهم يدفعون الخمس والزكاة ، الا انها ما قالت بانهم يدفعون الخراج والاجرة في وقت الهدنة الذي يتعرض فيه الإمام للخوف والظلم من السلطة آنذاك، فلا سيرة على أن الشيعة يجبون خراج الأراضي المحياة له اطلاقاً، فضلاً عن غيرهم

واما دفعها اليه (عليه السلام) بعد قيام الدولة الحقيقية للحجة عج، فهو احتماله بعيد ، لأنه لا معنى لبيان حكم لا ثمرة له الا بعد ظهور الإمام الحجة عج ، والحال أن زمان الابتلاء اولى بالبيان

فمن البعيد أن يسكت الإمام (عليه السلام) عن بيان الحكم في الزمان الذي هو محل ابتلائهم ويبين الحكم في غير زمن ابتلائهم ، فهذا خلاف الظاهر ، ومن هنا يقال بأن أخبار الطائفة الثانية لا يمكن قبولها من هذه الجهة.

وهذه المناقشة يمكن دفعها باننا وان سلمنا بان الشيعة والمسلمين ما كانوا يدفعون الضريبة والاجرة الى الامام (عليه السلام) في زمن الهدنة، ولكن هذا لا يعني عدم ثبوت الحكم، بل الظاهر ان هذا الحكم ثابت ويمكن ان يقال بأن عدم دفع الأجرة قائم على اساس أخبار التحليل ، لأن المراد بالسيرة المستدل بها هي سيرة الشيعة - وسيرة غيرهم لا تكون دليلا - فالشيعة لم يكونوا يدفعون الأجرة لكن عدم دفعهم من جهة وجود روايات التحليل لهم ، لا من باب ان هذا ليس واجبا ، بل لعله واجب عليهم الا انهم لا يدفعون من جهة روايات التحليل.

ونكتفي بهذا المقدار من وجوه الجمع ، والبحث الثاني هو :

هل هناك ما يوجب الترجيح أو لا، فبعد أن افترضنا عدم وجود وجه للجمع بين الطائفتين

فيستقر التعارض بينهما ، فننتقل إلى مرجحات باب التعارض ، فقد قيل بوجود مرجحات لاحدى الطائفتين على الاخرى، اما باعتبار موافقة الكتاب ، او باعتبار مخالفة العامة ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo