< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

(مسألة 707): يجوز لكل أحد إحياء الموات بالأصل و الظاهر أنه يملك به من دون فرق بين كون المحيي مسلما أو كافرا (1)

1-هناك وجه ثالث للجمع بين الطائفتين وحاصله انه يمكن رفع التعارض بينهما بدعوى ان اللام في قوله ((من احيا ارضا فهي له)) ليست للملكية وانما هي للأحقية والاختصاص وهو لا ينافي دفع الاجرة للامام، إذ لا منافاة بين قوله (من احيا ارضا اختص بها) وقوله (عليه دفع الاجرة للامام)

ومعنى كون هذا جمعاً عرفياً، هو اننا نسلم بأن الظهور الاولي للام هو الملكية ولكن نحمله على الاختصاص جمعاً بين هذا الدليل وبين ما دل على بقاء الارض على ملك الامام

ونسب للمشهور انه يرى ان اللام للملكية،

واذا راجعنا اخبار الطائفة الاولى نجدها على ثلاثة اقسام من حيث التعبير واللسان

الاول: ما ورد بلسان (من احيا ارضا فهي له) كما في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) ، قالا : ((قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : من أحيى أرضاً مواتاً فهي له))[1]

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : ((قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : من أحيى مواتاً فهو له))[2]

الثاني: ما ورد بلسان (فهو احق بها)) كما في صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : ((أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها))[3]

الثالث: ما ورد بلسان جامع بين الاول والثاني كما في صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : ((أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض ، وعمروها فهم أحقّ بها ، وهي لهم))[4]

اما ما كان بلسان (فهو احق بها) فلا يمكن ان نستفاد منه اكثر من الاولوية والاختصاص

واما اللسان الجامع بينهما فقد يقال بأن قوله (فهم احق بها) يجعل قرينة على ان اللام في قوله بعد ذلك (وهي لهم) تدل على الاختصاص دون الملكية، باعتبار ان الاختصاص احد معاني اللام بل هو الظاهر منها

والكلام في ما ورد بلسان (من احيا ارضا فهي له) فقد ذهب جماعة الى ان اللام لا تفيد الا الاختصاص، فلا تستفاد الملكية من اللسان الاول فلا يمكن اثبات الملكية لمحيي الارض، وانما هو يملك حق الاختصاص وهذا لا ينافي الطائفة الثانية القائلة بانها لا تخرج عن ملك الامام وان على المحيي دفع الاجرة

واما اذا قيل بان اللام للاختصاص والملكية ولو على نحو الاشتراك، فيمكن ان نستعين بالروايات الاخرى لحمل اللام فيه على الاختصاص

والنتيجة انه يمكن ان يقال بان هناك قرائن في المقام يمكن الاستعانة بها لحمل اللام في الروايات على الاختصاص والاحقية لا الملكية

فإذا اثبتنا ان اللام فيها للاختصاص كما ذهب اليه جماعة فقد صرح الشيخ بان ما يثبت له هو حق الاختصاص فهو

واما اذا قلنا بان اللام تارة تستعمل للاختصاص واخرى في الملكية فيمكن الاستعانة بقرائن لاثبات انها للاختصاص

والمقصود بالقرائن هو الروايات الدالة على لزوم دفع الخراج والروايات الدالة على التحليل للشيعة، فان التحليل المالكي كوجوب دفع الخراج على المحيي لا ينسجم مع الملكية بالاحياء لان معنى الملكية بالاحياء هو ملكية الرقبة

والقول بملكية الرقبة لا ينسجم مع التحليل للشيعة ، اذ لا يمكن افتراض أن الإمام يحلل ما ملكه الغير للشيعة ، إنما يمكن فرض التحليل اذا قلنا إن الاحياء غير مملك وأن المحيي لا يملك رقبة الأرض كما هو المدعى اولا

ولا معنى لدفع الخراج لو كان الاحياء مملكا لرقبة الارض

فلو دفع الخراج للمالك فهذا يعني انه لا يملك الأرض ، وفي الحقيقة كل الروايات التي تدل على التحليل للشيعة والروايات التي تدل على دفع الخراج على المحيي يمكن جعلها قرائن على أن اللام في روايات الطائفة الأولى (من احيى ارضا فهي له) ليست للملكية بل للاختصاص ، وهذا ليس غريبا ، لأن أحد معاني اللام هو الاختصاص ، فلتكن هذه قرائن على أن المراد باللام في روايات الطائفة الاولى الاختصاص لا الملكية

فهذا هو الدليل على أن اللام في الاولى ليست للتمليك ، اي لتمليك رقبة الأرض ، بل هي للاختصاص بملكية التصرف في هذه الأرض في قبال غير الإمام (عليه السلام) ، ولذا قالت الروايات بأن الارض تبقى ملكا للإمام (عليه السلام) ، وله ان ينتزعها من المحيي متى ما أراد ، وأنه بعد ظهور الحجة عج سينتزعها منه ، لانها لم تخرج عن ملكه بالإحياء فلا بد من حمل اللام على انها للاختصاص ، وهذا يكون وجها للجمع بين هاتين الطائفتين ويرتفع التعارض بينهما

وعلى تقدير عدم تمامية هذه الوجوه للجمع العرفي ننتقل حينئذ الى المرحلة الثانية وهي البحث عما يوجب الترجيح ، فهل هناك ما يرجح طائفة على اخرى أو لا ؟

ذكر وجهان على ترجيح الطائفة الثانية على الأولى

الوجه الأول: الترجيح بموافقة الكتاب

والثاني : الترجيح بمخالفة العام

أما الوجه الاولى :

فيدعى أن الكتاب الذي توافقه الطائفة الثانية هو قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾

ببيان أن الاستثناء في الآية الشريفة متصل ، والآية تريد ان تبين النهي عن أكل المال بأي سبب كان وأن كل الأسباب باطلة لا تبيح أكل المال الا اذا كان السبب هو التجارة عن تراض ، فيفهم من هذا حصر حلية اكل المال بالتجارة عن تراض ، وبناء على هذا التفسير فما لا يكون تجارة عن تراض فمقتضى المستثنى منه في هذه الآية هو أنه باطل ولا يجوز اكل المال بسببه ما لم يصدق عليه أنه تجارة عن تراض ، فاذا دل الدليل على أن شيئا ما مما لا يصدق عليه التجارة عن تراض يجوز اكل المال به لكان ذلك تخصيصا للمستثنى منه في الآية

فيكون الدليل مخالفا للآية ومخصصا لها ، فلو جاءنا دليل يقول بان الاحياء مملك وهو اخبار الطائفة الأولى فهذا يعني ان التملك سبب لأكل المال بل هو من اوضح مصاديق أكل المال ، والتملك بالإحياء لا يصدق عليه انه تجارة عن تراض ، فلو كنا وهذه الطائفة من الروايات فقط لالتزمنا بالتخصيص، الا ان المشكلة أن هذه الطائفة الأولى يوجد لها معارض وهو الطائفة الثانية ، فالطائفة الاولى تقول بأن الاحياء سبب للتمليك وأكل المال ، والثانية تقول بأن الاحياء ليس سببا للتمليك وأكل المال ، فالطائفتان بينهما تعارض ، فيقدم الموافق للكتاب على المخالف بمقتضى قواعد باب التعارض،

والطائفة الثانية موافقة للكتاب ، لأنها تدل على عدم إباحة اكل المال بالإحياء ، فتقدم الطائفة الثانية على الاولى

والنتيجة اننا لا بد ان نلتزم بأن الاحياء غير مملك ، فالمحيي لا يملك الارض ، بل يجب عليه دفع الأجرة والخراج الى الإمام (عليه السلام) اذا لم يكن من الشيعة فان روايات التحليل اباحت ذلك للشيعة،

 

نعم نلتزم بأن المحيي يملك حق الاختصاص والاولوية بالنسبة لغير الإمام (عليه السلام)

هذا، واما اذا فسرنا الاية بان الاستثناء فيها منقطع يكون معناها انها في مقام بيان ما يعتبر سببا باطلا عندكم لا يجوز أكل المال به ، فالاية ليست في مقام تشريع عدم جواز اكل المال بكل الأسباب الا ان يكون تجارة عن تراض ، بل الآية في مقام بيان أن الأسباب الباطلة عندكم لا يجوز أكل المال بها، فالتجارة ليست من الأسباب الباطلة عند العرف ، فيكون مفاد الاية : إن ما يكون من الأسباب الباطلة عندكم لا يحوز أكل المال به الا ان يكون تجارة عن تراض

ولا يمكن أن نثبت ان التملك بالاحياء مشمول بهذه الآية ، فلا يجوز أكل المال به الا اذا قلنا بان التملك بالاحياء من الأسباب الباطلة عند العرف ، وحينئذ يكون مشمولا بالآية فلا يجوز أكل المال به، فلا بد من اثبات ان التملك بالاحياء من الاسباب الباطلة بقطع النظر عن الآية - كالغصب والغش وغيرهما - حتى يكون مشمولا بالآية الكريمة ، ولا يوجد ما يثبت ذلك ، أو لا اقل فنحن نشك في ذلك ، وعلى كل حال لا بد قبل الاستدلال بالآية ان نثبت ان التملك بالاحياء من الاسباب الباطلة ، فإذا لم يمكن ذلك فلا يمكننا ان نقول أن الطائفة الأولى التي تدل على ان من احيا ارضا فهي له الدالة على التملك بالاحياء هي مخالفة للآية الشريفة ، نعم تكون هناك مخالفة للآية الشريفة اذا كان هناك سبب باطل بنظر العرف ويدل دليل على جواز الأكل به فهذا يخالف الآية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo