< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

(مسألة 707): يجوز لكل أحد إحياء الموات بالأصل و الظاهر أنه يملك به من دون فرق بين كون المحيي مسلما أو كافرا (1)

1-ذكرنا بأن الانصراف الذي ادعاه السيد الخوئي لا يتوقف على اثبات أن ابا خالد الاكبر يروي عن الامام الباقر بل يكفي فيه امكان ذلك، وقلنا بان الشيخ الطوسي ذكره في اصحاب الامام الباقر وهذا يثبت الامكان، ولكن بعد مراجعة كلامه تبين أن الامر ليس كذلك فإن من ذكره في اصحاب الامام الباقر هو وردان والاكبر هو كنكر، فلا دلالة فيما ذكره على أن الاكبر من اصحاب الامام الباقر، ولكن يمكن استظهار ذلك من عبارة البرقي حيث قال (أصحاب ابي محمد علي بن الحسين من أصحاب النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): جابر بن عبد الله الأنصاري، و من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام): عامر بن واثلة الكناني، أبو صادق كليب الحرمي ... أصحاب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) من أصحاب رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): جابر بن عبد الله الأنصاري، و من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام): أبو صادق، سليم بن قيس الهلالي، سلمة بن كهيل، و من أصحاب الحسن و الحسين و أصحاب علي بن الحسين (عليهم السلام): أبو خالد الكابلي)[1] وهذا واضح في ان المقصود به الأكبر بناء على التعدد، فيمكن ان يروي عن الامام الباقر وبهذا تصح دعوى الانصراف،

ولكن الذي يظهر من البرقي الاتحاد، كما أن ذلك ظاهر ابن شهر اشوب في معالم العلماء[2] وعبارة الفضل بن شاذان المتقدمة، ونقل السيد الخوئي رواية في المعجم عن الخرائج والجرائح يقول بانها ظاهرة في الاتحاد

ومن مجموع هذه الأمور قد يشكك في فهم الشيخ الطوسي للتعدد وان كانت عبارته واضحة في التعدد

فاذا قلنا بالاتحاد فلا مشكلة وان قلنا بالتعدد فالحل هو الانصراف المذكور

نعود الى محل الكلام في انه هل تختص سببية الاحياء للتملك بالمسلمين او تشمل غيرهم ؟

قلنا بأن هناك قولان

الأول الاختصاص بالمسلمين فلا تشمل الكافر فان احيا الكافر ارضا لا يملكها

الثاني عدم الاختصاص بمعنى ان سببية الاحياء للتملك ثابتة مطلقاً للمسلم والكافر

واستدل للتعميم والاطلاق بإطلاقات الطائفة الأولى (من احيا ارضا فهي له) وقلنا بانه قد يقال بأن هذه الاطلاقات مقيدة بصحيحة الكابلي بناء على المفهوم لها وقلنا بأن صحيحة الكابلي مبتلاة بالمعارض فلا تصلح للتقييد الا بعد حل التعارض

والروايات المعارضة هي ما دل على ان غير المسلم يملك بالإحياء

منها صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى ؟ قال : ((ليس به بأس ـ إلى أن قال : ـ وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض ، أو عملوه فهم أحقّ بها ، وهي لهم))[3]

ومنها صحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن شراء الأرضين من أهل الذمّة ، فقال : ((لا بأس بأن يشتريها منهم ، إذا عملوها وأحيوها ، فهي لهم ، وقد كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) حين ظهر على خيبر وفيها اليهود ، خارجهم على ( أن يترك ) الأرض في أيديهم ، يعملونها ويعمرونها))[4] وهي واضحة في ان اهل الذمة يجوز ان يتملكوا بالاحياء ولا مانع من الشراء منهم، ويمكن جعل هذا قرينة على عدم اشتراط الشراء بالملكية بناء على ان الروايات لا تشير الى الملكية بل الى احقية التصرف

ومنها موثقة إسحاق بن عمار ، عن عبد صالح ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : رجل من أهل نجران يكون له أرض ، ثم يسلم ، أيش عليه ؟ ما صالحهم عليه النبيُّ ( صلّى الله عليه وآله ) ؟ أو ما على المسلمين ؟ قال : ((عليه ما على المسلمين ، إنهم لو أسلموا لم يصالحهم النبيُّ ( صلّى الله عليه وآله )))[5]

ولحل التعارض بين الطائفتين يخطر في الذهن وجهان للجمع العرفي

الاول: ان نرفع اليد عن ظهور الصحيحة في المفهوم لصراحة هذه الروايات في ان الاحياء سبب للتملك بالنسبة الى غير المسلمين بناء على تقديم النص او الاظهر على الظاهر إذ لا شك في ان هذه الروايات اظهر في مدلولها من صحيحة الكابلي فيجمع بينهما بتأويل الظاهر لصالح النص او الاظهر، والنتيجة ان صحيحة الكابلي لا تصلح لتقييد المطلقات، ويمكن الاستدلال بهذه المطلقات على ان احياء غير المسلمين ايضاً يكون سبباً للتملك

الثاني: دعوى ان النسبة بين الطائفتين هي نسبة العموم والخصوص المطلق باعتبار ان صحيحة الكابلي تدل بمفهومها على عدم تملك غير المسلم بالاحياء فموضوعها غير المسلم وهو أعم من الذمي الذي هو موضوع الروايات، فنخصص موضوع صحيحة الكابلي بهذه الروايات باخراج الذمي منه فيبقى مختصاً بالكافر غير الذمي، وحينئذ نلتزم بالتفصيل بين المسلم والذمي فنحكم بأن الاحياء مملك لهما بدلالة المطلقات وهذه الروايات وبين الكافر غير الذمي فلا يملك بالاحياء لدلالة مفهوم صحيحة الكابلي

وهذا ينتج تفصيلاً في الكافر بين الذمي وغيره، وهو ليس غريباً لانهم يتعاملون مع الذمي معاملة المسلم عادة

واذا ناقشنا في هذين الوجهين فلا بد من التفتيش عن وجه للترجيح

وقد يقال بأن صحيحة الكابلي التي تمنع من تملك غير المسلم بالاحياء تقدم على الاخبار الدالة على تملك الذمي بالاحياء بمخالفة العامة، فان صحيحة الكابلي مخالفة للعامة القائلين بان الاحياء سبب للتملك مطلقاً

ولكن يبدو ان هذا المطلب غير صحيح لأن المسألة خلافية عند العامة كما هي عندنا

فقد ذكروا بان المالكية في قول والشافعية والظاهرية ذهبوا الى منع اهل الذمة من الاحياء

قال في نهاية المحتاج (ليس للذمي تملك الارض بالاحياء ولا لغيره من الكفار بالاولى وان اذن له الامام)

وقال ابن قدامة: (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي الْإِحْيَاءِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا)[6]

وفي الشرح الكبير: (الثانية ما احياه الكفار وهم صنفان صنف اهل ذمة فيملكون ما احيوه على الصحيح من المذهب نص عليه احمد .. وقيل لا يملكه وهو ظاهر ابن حامد ... وقيل لا يملكه بالاحياء في دار الاسلام)

وفي رواياتهم ما يدل على الاختصاص (موتان الارض لله ولرسوله ثم هي لكم) وفي بعضها هي لكم ايها المسلمون

فليست المسألة متفق عليها حتى يقال بأن روايات المنع مخالفة للعامة

واذا لا يوجد جمع ولا ما يوجب الترجيح بين الدليلين فالقاعدة تقتضي التساقط وحينئذ لا مانع من الرجوع الى المطلقات الفوقانية وهي تدل على جواز التملك بالاحياء مطلقاً

والنتيجة انه لا بد من الالتزام اما بان التملك سبب للاحياء مطلقاً او ان نفصل في الكافر بين الذمي وغيره


[2] معالم العلماء: 173.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo