< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

إعادة نظر في بعض ما ذكرناه

الامر الأول: إن الوارد في رواية سليمان بن خالد ((فليؤدّ إليه حقّه))[1] وذكرنا انهم قالوا بأن المراد به الارض، فجعلوا الرواية دليلاً على القول الثاني في المسألة، وذكرنا بأن التعبير عن الارض بالحق ليس تعبيراً متعارفاً، فإن معنى الحق وجود شيء ثابت في الذمة فمعنى يؤدي الحق أي يؤدي ما في ذمته، ولو كان المقصود به الارض لكان المناسب التعبير ((فليرد اليه حقه))

ولكن الموجود في الرواية التي يرويها الشيخ في موضع آخر من التهذيب عن الحلبي (( فليرد إليه حقه))[2] ، وقد يقال بأن هذا يساعد على تفسير المراد بالحق بالارض بقرينة التعبير ب (يرد) إذ لا يعبر به عن ما يثبت بالاحياء كاجرة الارض فهي لم تكن موجودة عند الاول حتى يقال (يرد اليه حقه) وما كان موجوداً عند الاول هو الارض

ومن هنا يحصل تعارض بين النقلين فرواية سليمان بن خالد دالة على بقاء حق التصرف للثاني، بناء على ما نفهمه من (يؤدي اليه حقه) أي يؤدي اليه اجرة الارض، واداء الاجرة فيه دلالة على بقاء حق التصرف للثاني لانها تعتبره مستأجراً

بينما على رواية الحلبي فالحق يبقى ثابتاً للأول لأنه عبر (يرد اليه حقه) أي يعطيه الارض، فلا حق للثاني، فهما متنافيان

فاذا فرضنا أن الرواية واحدة يقع التعارض في النقل في الرواية الواحدة مع عدم الترجيح فلا يمكن الأخذ بكلا النقلين للرواية، فلا يمكن الاستناد الى هذه الرواية لإثبات القول الثاني في صورة ما اذا كان خراب الارض لا بسبب الاعراض

واما اذا فرضنا انهما روايتان فيقع التعارض بينهما، ومع عدم المرجح لإحدى الروايتين على الاخرى تتساقطان فلا يصح الاستدلال بالرواية ايضاً

الامر الثاني: في استفادة مشروعية الاحياء من رواية سليمان بن خالد

ويظهر أن موردها الارض الخربة التي لها مالك، غاية الأمر أن السائل في ذيل الرواية قال (فان كان يعرف صاحبها) فذيل الرواية ناظر الى معرفة صاحب الارض الذي فرغ عن وجوده سابقاً

واما صدر الرواية فاما أن نقول بأنه مختص بوجود صاحب للأرض من دون معرفته او نقول بأنه مطلق يشمل صورة معرفة صاحب الارض وصورة عدم معرفته، ولكن المحيي يعلم بأن لها صاحب على كل حال

والامام في مقام بيان ماذا يجب عليه قال (الصدقة) وسكت، ووجوب الصدقة بمعنى الزكاة امر طبيعي لأنه زرع فيها وهو مالك للحاصل لأنه يملك البذور فلا اشكال في وجوب الزكاة عليه

فاذا فرضنا أن عملية الاحياء التي قام بها كانت غير مشروعة وغير جائزة ما يعني أن هذا غاصب، لكان المناسب بل المتعين في مقام الجواب أن يبين ماذا يترتب على ذلك لأن السائل سأل ماذا يجب عليه

فقد ذكر الفقهاء انه يجب عليه أن يؤدي اجرة الارض ويجب عليه ازالة ما احدثه في الارض من زرع وغرس وحفر فوراً، ولو لم يكن يعرف صاحبها ولكنه يعلم أن لها صاحب، وكذلك ارش النقصان لو فرضنا أن الاحياء أحدث نقصاً في قيمة الارض

ويمكن جعل سكوت الرواية عن هذه الامور واقتصارها على ذكر وجوب الزكاة عليه قرينة على أن الاحياء كان جائزاً إذ مع كون الاحياء جائزاً لا تجب عليه هذه الامور ولذا لم ينبه الامام عليها

بل يظهر من الرواية عدم وجوب أداء الاجرة عليه لأنه قال في ذيل الرواية ((قلت : فإن كان يعرف صاحبها ؟ قال : فليؤدّ إليه حقّه)) فلا يجب عليه أن يؤدي الاجرة قبل أن يعرفه

أقول إن اقتصار الامام في مقام الجواب عن سؤال ماذا يجب عليه على وجوب الزكاة مع انها واجبة على كل حال وإن كان غاصباً للارض لملكيته البذر قرينة على أن أصل الاحياء جائز شرعاً، بل يظهر من الرواية أن الاحياء جائز وإن علم المحيي بأن لها مالك

فالرواية لا تخلو من دلالة على جواز الإحياء حتى في صورة العلم بوجود صاحب للارض، وهو ما ذهب اليه الكثير من الفقهاء، غاية الأمر انا نقيده بما اذا كان الاول أعرض عنها، بل الرواية دالة على جواز الاحياء حتى اذا علم بمالكها تعييناً

الامر الثالث: في اجراء استصحاب بقاء أحقية الاول بالارض التي ماتت لعارض غير إعراض الاول عنها

وقد يمنع من جريان الاستصحاب من جهة تبدل الموضوع فإن موضوع الملكية والاحقية التي كانت ثابتة ويراد استصحابها هو الارض المحياة، وبعد خراب الارض يتبدل الموضوع فالارض الخربة موضوع جديد فلا يجري الاستصحاب عند الشك في ثبوت الحكم لهذا الموضوع

ولكن قد ذهب الى جريان الاستصحاب جماعة منهم الشهيد الثاني في المسالك وصاحب الجواهر، وهو مبني على أن الاحياء حيثية تعليلية توجب ثبوت الحكم للموضوع وهو الارض والحيثية خارجة عنه

وعلل السيد الشهيد (قده) ذلك بأن الاحياء جعل في لسان الدليل شرطاً لا عنواناً للموضوع، والموضوع هو ذات الارض فلم يتبدل الموضوع ويجري الاستصحاب


[1] الوسائل: 25/415.
[2] تهذيب الاحكام: 7/201.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo