< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

الاحتمال الثالث: التفصيل بين ما إذا كانت علاقة الأول بالأرض بسبب الاحياء فتزول بإحياء الثاني لها ويثبت الحق للثاني بإحيائها وبين ما إذا كانت علاقته بها بسبب غير الاحياء فلا ينتقل الحق للثاني وإن احياها

وقد يقال بأن دليله هو أن مورد صحيحة الكابلي الدالة على انتقال الحق للثاني ما اذا كان سبب علاقة الأول بالأرض هو الاحياء (فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها، وليؤدّ خراجها إلى الإِمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها)[1] في حين أن معتبرة سليمان بن خالد الدالة على بفاء الحق للاول مطلقة من هذه الجهة (عن الرجل يأتي الأرض الخربة، فيستخرجها، ويجري أنهارها، ويعمرها، ويزرعها ، ماذا عليه ؟ قال : الصدقة ، قلت : فإن كان يعرف صاحبها ؟ قال : فليؤدّ إليه حقّه)[2] وحيث أن صحيحة الكابلي أخص مطلقاً من معتبرة سليمان بن خالد تخصصها أي تخرج منها ما لو كان سبب علاقة الاول بالارض بسبب الاحياء فتختص بما اذا كانت علاقة الاول بالارض بسبب آخر غير الاحياء

وفيه إن هذا الكلام انما يتم اذا قصرنا النظر على هاتين الروايتين وفرضنا عدم وجود صحيحة معاوية بن وهب، والا فإن صحيحة معاوية بن وهب تدل على انتقال الحق الى الثاني وهي مطلقة من ناحية كون علاقة الاول بالارض بسبب الاحياء او بسبب امر آخر فهي تدل على انتقال الارض للثاني مطلقاً ( أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها ، وكرى أنهارها وعمرها ، فإنَّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرض لرجل قبله ، فغاب عنها وتركها فأخربها ، ثم جاء بعد يطلبها ، فإنَّ الأرض لله ولمن عمرها)[3] وفسرت بالثاني، ولم تحدد كيف اصبحت الارض لمن قبله هل بسبب الاحياء او بسبب آخر، فهي دالة على أن الحق ينتقل للثاني مطلقاً،

فحتى يتم التفصيل لا بد من تقييد هذه الصحيحة وجعلها مختصة بما اذا كانت علاقة الاول بالارض بسبب الاحياء،

وتقييدها يكون بأحد طريقين:

الاول: أن نخصص هذه الرواية بمعتبرة سليمان بن خالد بعد تخصيصها بصحيحة الكابلي، وهذا الوجه يتوقف على الايمان بكبرى انقلاب النسبة، فإن النسبة بين رواية سليمان بن خالد وصحيحة معاوية بن وهب هي التباين ولكنها سوف تنقلب الى العموم والخصوص المطلق بعد تخصيصها بصحيحة الكابلي، لأن رواية سليمان بن خالد بعد التخصيص سوف تختص بما اذا كان سبب العلاقة غير الاحياء فتكون أخص مطلقاً من صحيحة معاوية بن وهب، فتختص صحيحة معاوية بن وهب بما اذا كان سبب العلاقة هو الاحياء

فمن لا يؤمن بكبرى انقلاب النسبة لا يكون هذا الوجه عنده تاماً

الثاني: أن نخصص صحيحة معاوية بن وهب بصحيحة الكابلي بدعوى أن لها مفهوماً وهو (عدم انتقال الحق الى الثاني اذا كان سبب العلاقة غير الاحياء) فتكون صحيحة الكابلي بمنطوقها مقيدة لرواية سليمان بن خالد لانها تدل عل أن العلاقة اذا كانت بسبب الاحياء فالحق ينتقل الى الثاني وبمفهومها تقيد صحيحة معاوية بن وهب

والنتيجة ثبوت التفصيل بين ما اذا كانت علاقة الاول بالارض بسبب الاحياء فينتقل الحق الى الثاني باحياءه والدليل عليه صحيحة الكابلي وصحيحة معاوية بن وهب بعد تقيدها بمفهوم صحيحة الكابلي، وإن كان سبب العلاقة غير الاحياء فالحق باق للاول ولا ينتقل الى الثاني باحياءه استناداً الى رواية سليمان بن خالد

ولكن هذا الوجه مبني على ثبوت المفهوم لصحيحة الكابلي وهذا يصعب اثباته، إذ لا مفهوم لها، نعم موردها ما اذا كانت علاقة الاول بالارض بالاحياء، وليس فيها دلالة على عدم انتقال الحق الى الثاني اذا كان سبب العلاقة غير الاحياء

فهذا الوجه لا يكون تاماً

وهناك محاولة لتقييد صحيحة معاوية بن وهب بصحيحة الكابلي بطريق آخر لا يعتمد على اثبات المفهوم لها، بأن يقال بأنّ الصحيحتين وإن كانتا متفقتين في الحكم الا أنهما تفترقان بالاطلاق والتقييد فصحيحة معاوية تقول بأن الحق ينتقل الى الثاني مطلقاً بينما صحيحة الكابلي تقول بأن الحق ينتقل في صورة ما اذا كانت العلاقة هي الاحياء، وفي هذا المورد تجري قواعد الاطلاق والتقييد فنخصص صحيحة معاوية بن وهب بصحيحة الكابلي

ولكن هذا الكلام لا يمكن البناء عليه اذا لم نؤمن بثبوت المفهوم لصحيحة الكابلي لأن الدليلين متوافقان في الحكم فلا اشكال في بقاء الاول على اطلاقه والدليل الآخر يثبت الحكم في مورد خاص

فالظاهر أن هذا الوجه لا يكون تاماً

والى هنا لا يوجد دليل واضح على هذا التفصيل، ولكنه المعروف بينهم على ما قيل ونسب الى المشهور وذكر الشهيد (قده) أن العلامة نقله في التذكرة عن جميع أهل العلم، ولكنهم ناقشوا في ما ذكره بأن عبارة العلامة في التذكرة لا تساعد على ذلك، وقال الشهيد الثاني (قده)في المسالك (واعلم أن القائلين بعدم خروجها عن ملك الأول اختلفوا، فذهب بعضهم إلى عدم جواز إحيائها و لا التصرّف فيها مطلقا إلا بإذن الأول كغيرها من الأملاك.

وذهب الشيخ- رحمه اللّٰه- في المبسوط والمصنف في كتاب الجهاد والأكثر إلى جواز إحيائها، وصيرورة الثاني أحقّ بها، لكن لا يملكها بذلك، بل عليه أن يؤدّي طسقها إلى الأول أو وارثه. ولم يفرّقوا في ذلك بين المنتقلة بالإحياء وغيره من الأسباب المملّكة حيث يعرض لها الخراب وتصير مواتا) [4] ، وهذا ينافي ما نقل عن العلامة في التذكرة كما تقدم

وعلى كل حال نقول بأن الدليل الذي ذكرناه لاثبات هذا التفصيل ليس تاماً


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo