< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

كان الكلام في التفصيل بين ما إذا كانت علاقة الأول بالأرض ناشئة من الاحياء فتزول بإحياء الثاني لها ويثبت الحق للثاني بإحيائها وبين ما إذا كانت علاقته بها بسبب غير الاحياء فلا ينتقل الحق للثاني وإن احياها

وذكرنا ما يمكن أن يستدل به على هذا التفصيل، وتبين أنه غير تام

وظاهر كلام بعض الفقهاء كالشهيد في المسالك أن الخلاف في ما اذا كانت علاقة الأول بالأرض ناشئة من الاحياء، واما اذا كانت ناشئة من سبب غير الاحياء فلا ينتقل ما ثبت للأول من الحق الى الثاني بإحيائه بالاتفاق

وذكر بعض المحققين كصاحب البلغة (قده) بانه لا وجه لهذا التفصيل كما لا وجه لتخصيص الخلاف فيما إذا كانت العلاقة ناشئة من الاحياء،

ويستفاد من كلامه أن الوجه في ذلك هو أن الغالب في المملوكات انتهاء سلسلتها الى الاحياء، فعادة ما تكون علاقة الانسان في بداية تكوينه بالثروات الطبيعية عن طريق العمل وبذل الجهد في تحصيلها واحيائها كاستخراج المعادن واصطياد الحيوانات وعمارة الأرض وهكذا، فاذا بنى على بيع الأرض التي عمرها او هبتها او انتقلت عنه الى وارثه، فما ينتقل للثاني انما هو ما ثبت للأول، ولا يمكن القول بأن ما ينتقل الى المشتري شيء لم يثبت للبائع أساساً بل هو يبيع ما ثبت له

فاذا فرضنا أن الاحياء يوجب الملكية فما ينتقل بالبيع والهبة وامثالها من النواقل الشرعية هو الملكية

واما إذا كان ما يثبت للمحيي هو الاحقية في التصرف فما ينتقل هو الاحقية ولا يمكن أن يقال بأن ما يثبت للأول بالإحياء هو الاحقية وأن ما ينتقل الى المشتري هو الملكية فإنها لم تثبت للبائع أساساً

ومن ناحية أخرى فإن ما ينتقل الى الثاني بأحد النواقل الشرعية انما ينتقل بالكيفية التي ثبت بها للأول فاذا قلنا بأن ما يثبت للأول بالإحياء هو الملكية الدائمة الثابتة حتى بعد خراب الأرض فهو الذي ينتقل الى المشتري واذا قلنا بأن ما يثبت للمحيي هو الملكية المقيدة بالإحياء فهو الذي ينتقل الى المشتري، ونفس الكلام نقوله في الأحقية فهي تارة تكون دائمة وأخرى مقيدة بالإحياء

فلا يمكن افتراض أن ما يثبت بالإحياء شيء وما ينتقل بالبيع وغيره من النواقل الشرعية شيء آخر، فما ينتقل بالبيع نفس ما ثبت بالإحياء، وهذا معناه عدم صحة التفصيل بين الحالتين؛ لأن كل النواقل الشرعية أسباب ثانوية ناشئة من سبب علاقة الأول بالأرض وهي التعمير والاحياء، فالتفصيل بين أسباب ثبوت العلاقة للأول غير مقبول، فإن العلاقة الناشئة من أي ناقل شرعي غير الاحياء متفرعة عن العلاقة الناشئة من الاحياء

ونحن نختار أن العلاقة التي تنشأ من الاحياء ليست هي الملكية وانما هي الاختصاص والاولوية بالتصرف وهي مقيدة بالإحياء، فما يثبت للمحيي هو هذا الحق، وما ينتقل بالناقل الشرعي الى الثاني هو نفس هذا الحق

ويضاف الى ذلك أن الدليل على هذا التفصيل هو ما تقدم من تقييد معتبرة سليمان بن خالد بصحيحة الكابلي الدالة على انتقال الحق للثاني فإنها مختصة بما إذا كان سبب علاقة الأول بالأرض هو الاحياء، بينما معتبرة سليمان بن خالد الحاكمة بعدم الانتقال مطلقة من هذه الناحية

وهذا مبني على افتراض وجود تنافي بين الروايتين بالبيان المتقدم

ولكن نحن لا نقبل بدلالة رواية سليمان بن خالد على بقاء الملكية وحق التصرف فإن هذا مبني على تفسير الحق فيها بالأرض وقلنا بأن المقصود هو اجرة الأرض فإن المفروض في الرواية أن الأول مالك للأرض فاذا عمرها الثاني فعليه أن يؤدي اليه اجرة الأرض

ففي الرواية دلالة على ثبوت حق للثاني، فلا تخالف رواية الكابلي في الحكم فكل من الروايتين تدل على ثبوت حق للمحيي، وبهذا يرتفع التنافي بين الروايتين ولا داعي للتخصيص فانه فرع التنافي بين الدليلين، فنعمل بكل من الدليلين في مورده

وهذه الملاحظة مبنية على افتراض أن في رواية سليمان بن خالد دلالة على ثبوت الحق للثاني وهو ما يستفاد من حكمه بوجوب دفع أجرة الأرض -بناء على تفسير الحق بالأجرة-

واما إذا احتملنا اننا لا نستفيد من رواية سليمان بن خالد انتقال الحق بالأولوية بالتصرف الى الثاني، فلعل ما ذكرته الرواية من وجوب دفع الأجرة كان لأجل أنه تصرف في الأرض من دون اذن المالك، وهذا التصرف وإن كان سائغاً شرعاً الا أن له ما بإزاء فيجب عليه أن يدفع الأجرة بإزاء هذا التصرف ولا دلالة في ذلك على احقيته بالأرض

ولكن هذا انما ذكرناه كاحتمال

ومن هنا يظهر أن الظاهر انه لم ينهض دليل واضح لإثبات هذا التفصيل فالصحيح هو القول الأول وأن الحق ينتقل الى الثاني مطلقاً

نعم التفصيل بين الاعراض عن الأرض وبين عدم الاعراض عنها لا بد منه كما ذكرنا سابقاً

بقي شيء

يظهر من بعض الاعلام المعاصرين (دام ظله) التفصيل في النتيجة التي انتهينا اليها بين الأراضي الزراعية فالحق ينتقل فيها الى الثاني بإحيائه، وبين غيرها

وقد يؤيد التفصيل بينهما بأن مورد الروايات التي استندنا اليها في اثبات هذا التفصيل هو الأراضي الزراعية، كما يظهر من صحيحة معاوية بن وهب (أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها ، وكرى أنهارها وعمرها)[1] وهكذا في معتبرة سليمان بن خالد (الرجل يأتي الأرض الخربة ، فيستخرجها ، ويجري أنهارها ، ويعمرها ، ويزرعها) وهو ظاهر صحيحة الكابلي (فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها ، وليؤدّ خراجها إلى الإِمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها)[2] ولعل في قوله (وله ما اكل) قرينة على أن الارض لها حاصل فهي ظاهرة في الارض الزراعية، خصوصاً مع استخدام كلمة الخراج

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo