< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

اتضح أن الصحيح من الاقوال الثلاثة هو القول الأول وأن حق الاختصاص ينتقل من الأول الى الثاني إذا خربت الأرض وأعرض عنها الأول مطلقاً من دون فرق بين أن تكون علاقة الأول بالأرض ناشئة من الاحياء او من سبب آخر،

نعم، لا بد من التفصيل بين ما إذا كان خراب الأرض ناشئاً من الاعراض عن الأرض وبين ما إذا كان ناشئاً من عارض آخر

وتطرقنا الى مسألة التفريق في هذا الرأي بين الأراضي الزراعية وبين غيرها كالقطعة من الأرض التي يتخذها الانسان سكناً ثم تخرب ويأتي آخر فيحييها فهل يزول الحق عن الأول وينتقل الى الثاني ايضاً

وذكرنا أن بعض الاعلام المعاصرين (دام ظله) فرق بينهما ولعل مستند التفريق هو أن مورد الروايات بحسب الظاهر هو الأراضي الزراعية

او يقال بأن المتيقن منها هو الأراضي الزراعية وشمولها لغيرها غير واضح، فإن ما التزمنا به من التفصيل مستند الى هذه الروايات الثلاث وحينئذ نلتزم بالقول الأول في مورد الروايات، واما في غيره فلا بد أن نرجع الى القواعد والأصول، لعدم شمول الروايات لهذا الفرد وليس فيها إطلاق حتى يتمسك به

والأصل الجاري في المقام هو الاستصحاب، وبه يثبت التفصيل الذي أشار اليه بعض الاعلام بين الأراضي الزراعية فينتقل الحق الى الثاني بالإحياء وبين غيرها

ويقع الكلام في تمامية هذا الاستصحاب، وكنا قد استدللنا بالاستصحاب في صورة ما إذا كان خراب الأرض مستنداً الى العارض، وكان الاشكال عليه من عدة وجوه:

الوجه الأول: ان النوبة لا تصل الى الاستصحاب مع وجود ما يدل على بقاء الحق للأول، وهو مبني على أن علاقة الأول بالأرض لا تزول بمجرد خرابها وانما تزول بإحيائها من قبل الثاني، فبعد خراب الأرض وقبل احيائها من الثاني فلا مجال للاستصحاب لوجود دليل يدل على بقائها للأول، وهذا الاشكال انما يأتي في محل الكلام اذا قلنا بعدم الفرق في هذا المبنى -المستظهر من الروايات- بين الأراضي الزراعية وغيرها، إذ عليه لا مجال للاستصحاب لعدم الشك في بقاء علاقة الأول بالأرض بعد خرابها وقبل احيائها من قبل الثاني، ولكن مساواة الأراضي الزراعية مع غيرها في هذا المبنى ليست واضحة لأننا استفدنا هذا المبنى من روايات موردها الأراضي الزراعية فمقتضى القاعدة اختصاص المبنى بالاراضي الزراعية، وفي المقابل قد يقال باننا لا نحتمل فرقاً بين الأراضي الزراعية وبين غيرها في هذا المبنى فلا نحتمل عدم زوال علاقة الأول بالأرض التي زرعها بمجرد خرابها بينما تزول علاقته بالأرض التي سكنها بمجرد خرابها

هذا إن لم نحتمل أن ارض السكنى أولى في هذا المبنى باعتبار اهتمام الشارع بالأراضي الزراعية وانه يريد احيائها وبالرغم من كل هذا حكم بعد زوال علاقة الأول بالأرض بمجرد خرابها، فلا نحتمل أن يحكم بزوال علاقة الأول بأرض السكنى بمجرد خرابها

وبناء على هذا يكون الاعتراض على الاستصحاب وارداً فلا نحتاج الى الاستصحاب مع وجود الدليل على بقاء علاقة الأول بالأرض

هذا إذا أردنا اجراء الاستصحاب بعد خراب الأرض وقبل احيائها

الوجه الثاني: إن موضوع الاحقية الثابتة للأول قبل خراب الأرض هو الأرض المحياة وبعد خرابها تبدل الموضوع الى الأرض الخراب وهذا الموضوع الثاني لم يكن الحكم ثابتاً له حتى يستصحب

وهذا مبنى على كون الاحياء حيثية تقيدية، وتقدم أن هذا غير واضح واحتملنا أن يكون الاحياء حيثية تعليلية، بل تقدم أن ظاهر الدليل يساعد على ذلك فقد أخذ الاحياء شرطاً في تملك الأرض وثبوت الحق فيها، والقاعدة تقتضي الأخذ بظاهر الدليل ما لم يمنع من ذلك مانع كمناسبات الحكم والموضوع كما في قوله (قلد زيدا إن كان مجتهدا) فان العرف يفهم أن الاجتهاد حيثية تقيدية

ولذا قالوا بأن الاحياء حيثية تعليلية بناء على أن الاحياء يوجب التمليك فالملكية تبقى حتى بعد زوال الاحياء

ونحن نقول انه لا مانع من الالتزام بذلك على القول بأن الاحياء يوجب الأحقية

فالمنع من جريان الاستصحاب باعتبار تعدد الموضوع غير وارد

الوجه الثالث: إن إبقاء الأرض للأول بعد خراب الأرض واعراضه عنها على نحو يمنع الاخرين من إحيائها يستلزم تعطيل الأرض والشارع لا يرضى بتعطيل الأرض، فما يقتضيه الاستصحاب ينافي ما ذكرناه من أن الشارع لا يرضى أن تكون الأراضي معطلة

وهذا الوجه يختص بالأراضي الزراعية ولا يشمل محل الكلام إذ لا تعطيل بذاك المعنى بحيث نجزم ونقول بأن الشارع لا يرضى بهذا التعطيل

ومن هنا يظهر بأن الوجه الوحيد للمنع من جريان الاستصحاب في محل الكلام هو الوجه الأول وهو دعوى أن النوبة لا تصل الى الاستصحاب عندما يراد اجراءه في مرحلة ما بعد خراب الأرض وقبل احياءها

وهذا المنع من جريان الاستصحاب كنا تجاوزناه سابقاً بافتراض اجراء الاستصحاب بعد الاحياء فلا دليل هناك يدل على بقاء الأرض للأول فيمكن الاستناد الى هذا الاستصحاب لإثبات بقاء الحق للأول في محل الكلام

وإذا تم هذا يثبت التفصيل بين الأراضي الزراعية فالحق ينتقل الى الثاني بإحيائها وبين غيرها فلا ينتقل الحق الى الثاني وإن احياها

ولكن في مقابل الاستصحاب يمكن أن يقال بوجود دليل على أن الثاني إذا أحيا الأرض يثبت له حق فيها، وهي أدلة الاحياء العامة كما في قوله ((من أحيا أرضاً فهي له)) فلا مشكلة في التمسك بها في محل الكلام ومعه لا مجال للاستصحاب

قد يقال بعدم صدق الاحياء في المقام فإن المأخوذ في الاحياء هو زراعة الأرض وغرس الأشجار فيها

ولكن معنى احياء الأرض بمعنى انه أعاد لها الحياة بالنحو المناسب لها ولذا استخدم الفقهاء مصطلح الاحياء في استخراج المعادن، وتقدم في بحث كيفية الاحياء بأن الاحياء يتحقق بحسب القصد فإن كان قصده زراعة الأرض فإحيائها يكون بكري انهارها وشق جداولها وهكذا وإن كان قصده السكنى في الأرض فإحيائها ببناء جدار وسقف يظله وإن كان قصده جعلها حضيرة للحيوان فيكفي أن يسيجها، وهذا دليل واضح على أن الاحياء لا يختص بالأراضي الزراعية فإحياء كل شيء بحسبه

فاذا قلنا بأن الاحياء يصدق في محل الكلام نلتزم في هذه الأرض بما نلتزم به في الأراضي الزراعية فاذا اعرض عنها الأول واخربها يحييها الثاني ويثبت له حق الأولوية فيها

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo