< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

كان الكلام في التفريق في الرأي المختار بين الأراضي الزراعية وغيرها، وقلنا بأن مورد الروايات الدالة على انتقال الحق في الأرض للثاني إذا أحياها بعد إعراض الأول عنها هو الأراضي الزراعية، فلا يمكن أن نثبت نفس الحكم لغيرها بلحاظ هذه الاخبار

وقد يقال بأن الحكم ببقاء الحق للاول هو مقتضى الاستصحاب، وبه يثبت التفصيل بين الاراضي الزراعية وغيرها، وقد دفعنا الاشكالات عن هذا الاستصحاب

وفي المقابل قد يقال بأن النوبة لا تصل الى الاستصحاب لوجود ما يدل على انتقال الحق للثاني وهو عموم ((من احيا ارضا فهي له)) بعد فرض صدق الاحياء في محل الكلام -في بناء الدار مثلا- وتقدم تقريب صدق الاحياء في محل الكلام وأن احياء كل شيء بحسبه فإن معنى الاحياء إعادة الحياة للشيء بعد فقدانها، والمقصود اعادتها بالنحو المناسب له، ففي محل الكلام يقال بأن الثاني لو بنى الدار بعد أن أعرض عنها الاول بعد خرابها يكون الثاني أحق بها من الاول استنادا لعموم ((من احيا ارضا فهي له))، واذا تم هذا فلا تصل النوبة الى الاستصحاب

وقد يقال بأن ما ذكر في واقعه تمسك بالاطلاق الافرادي لموضوع دليل الاحياء، وسبق وأن طرحنا هذا اللون من الاستدلال في مسألة ما اذا استند خراب الارض للعارض لا للاعراض، فيستدل بالاطلاق الافرادي لإثبات انتقال الحق الى الثاني الذي يحيي الارض عندما يكون خرابها بسبب العارض، ونفس هذا الاطلاق الافرادي يستدل به في المقام

وقلنا سابقاً بأن الاستدلال بالاطلاق الافرادي يواجه مشكلتين:

الاولى: انه معارض بالاطلاق الازماني للمحمول في نفس القضية، فإن الاول كان أحيا الارض فيدخل في الموضوع فيثبت له الحكم وهو ((فهي له)) وهذا مطلق بلحاظ الازمان، فيثبت هذا الحكم له حتى لو خربت الارض واحياها الثاني، ولا وجه لتقديم الاطلاق الافرادي على الاطلاق الازماني

الثانية: إن التمسك بالاطلاق الافرادي تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه باعتبار أن سببية الاحياء للتملك والاحقية مشروطة بعدم تعلق حق للغير بهذه الارض، فإنما يترتب الأثر على الاحياء اذا أحيا أرضاً لا يتعلق بها حق للغير

وهذا معناه اختصاص دليل الاحياء بالاراضي التي لا يتعلق بها حق الغير، بمعنى خروج الارض التي يتعلق بها حق للغير من هذا العموم

وحينئذ لا يمكن التمسك باطلاق ((من احيا ارضا فهي له)) في محل الكلام لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه لأننا نحتمل تعلق حق للغير بهذه الارض، فتكون شبهة مصداقية للمخصص

اقول: اما مسألة معارضة الاطلاق الافرادي بالاطلاق الازماني فيمكن التغلب عليها بالقول بأن الاطلاق الافرادي مقدم على الاطلاق الازماني، اما باعتبار ما اشاروا اليه من أن الشمول والاستيعاب في الاطلاق الافرادي أقوى من الشمول والاستيعاب في الاطلاق الازماني؛ لأنه في الثاني مستند الى مقدمات الحكمة، بينما هو في الاول مستند -في بعض الروايات على الاقل- الى الوضع كما في تعبيره (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم[1] [2] ب ((ايما))، وعند تعارض اطلاقين أحدهما مستند الى الوضع والآخر الى مقدمات الحكمة فالقاعدة تقتضي تقديم المستند الى الوضع، بل ادعى بعضهم استفادة العموم من روايات ((من احيا ارضا فهي له))، ولا اقل من انها اظهر من الاطلاق الازماني، فيمكن تجاوز مشكلة المعارضة بتقديم الاطلاق الافرادي على الاطلاق الازماني بهذا الاعتبار

او بالتشكيك في وجود اطلاق ازماني في الدليل، لأنه ليس في مقام بيان أن ما حكم به من الملكية دائمة بلحاظ الزمان او أن لها زمان محدد، بل هو في مقام بيان أصل سببية الاحياء للتملك وليس في مقام بيان حدود الملكية من ناحية الزمان

واما اشكال أن التمسك بالدليل من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالايمان به يتوقف على كون دليل الاحياء مقيد بانتفاء الملكية او الاحقية في الزمان السابق أي أن تكون سببية الاحياء للتملك او الاحقية مشروطة بعدم ملكية الارض لآخر أعرض عنها وأخربها

وقد انتهينا الى انها ليست مشروطة بذلك بل حتى اذا ملكها الاول بالشراء وأعرض عنها فالأدلة تدل على أنه يحق للغير أن يحييها ويكون أحق بها، وصحيحة سليمان بن خالد تصرح بانه حتى لو كان يعرف صاحبها فاذا احياها يثبت الحق له فيها، وهذا معناه أن سببية الاحياء للأحقية ليست مشروطة في محل الكلام في فرض الاعراض بانتفاء الملك او الأحقية لشخص آخر، فما دام أعرض عنها وأخربها يذهب عنه هذا الحق وينتقل لمن يحيي هذه الارض

فالمدعى الى الآن أنه لا دليل على الاشتراط، فننفيه بما دل على انه بالرغم من وجود ملك للسابق انتقل الحق الى الثاني بالاحياء، فلا يكون التمسك بالعام في المقام تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه

نعم في غير مسألة الاعراض يمكن الالتزام بهذا الشرط وانه لا بد أن لا يتعلق حق للغير بهذه الارض حتى يكون احياءه مملكاً، ولا يمكن الالتزام به في خصوص مسألة الاعراض لأن الاحياء فيه مملك بلا قيد


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo