< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

(مسألة 708): الموات بالعارض على أقسام: الأول:مالا يكون له مالك و ذلك كالأراضي الدارسة المتروكة و القرى أو البلاد الخربة و القنوات الطامسة التي كانت للأمم الماضية الذين لم يبق منهم أحد بل و لا اسم و لا رسم أو انها تنسب إلى طائفة لم يعرف عنهم سوى الاسم.
الثاني:ما يكون له مالك مجهول لم يعرف شخصه
الثالث:ما يكون له مالك معلوم
أما القسم الأول فحاله حال الموات بالأصل و لا يجري عليه حكم مجهول المالك.

و أما القسم الثاني ففي جواز إحيائه و القيام بعمارته و عدمه وجهان: المشهور هو الأول و لكن الأحوط فيه الفحص عن صاحبه و بعد اليأس عنه يعامل معه معاملة مجهول المالك فإما أن يشتري عينه من الحاكم الشرعي أو وكيله المأذون و يصرف ثمنه على الفقراء و إما أن يستأجره منه بأجرة معينة أو يقدر ما هو أجرة مثله و يتصدق بها على الفقراء هذا فيما إذا لم يعلم بإعراض مالكه عنه و أما إذا علم به جاز إحياؤه و تملكه بلا حاجة إلى الإذن أصلا. و أما القسم الثالث (1) فإن أعرض عنه صاحبه جاز لكل أحد إحياؤه و إن لم يعرض عنه فإن أبقاه مواتا للانتفاع به على تلك الحال من حشيشه أو قصبة أو جعله مرعى لدوابه و أنعامه أو أنه كان عازما على إحيائه و إنما أخر ذلك لانتظار وقت صالح له أو لعدم توفر الآلات و الأسباب المتوقف عليها الاحياء و نحو ذلك فلا إشكال في جميع ذلك في عدم جواز إحيائه لأحد و التصرف فيه بدون إذن مالكه.
و أما إذا علم أن إبقاءه من جهة عدم الاعتناء به و أنه غير قاصد لاحيائه فالظاهر جواز إحيائه لغيره إذا كان سبب ملك المالك الأول الإحياء و ليس له انتزاعه من يد المحيي و إن كان الأحوط أنه لو رجع إليه المالك الأول أو يعطي حقه إليه و لا يتصرف فيه بدون اذنه. و أما إذا كان سبب ملكه غير الإحياء من الشراء أو الإرث فالأحوط عدم جواز إحيائه لغيره و التصرف فيه بدون اذنه و لو تصرف فيه بزرع أو نحوه فعليه أجرته لمالكه على الأحوط

1-جعل الماتن أقسام الموات بالعارض ثلاثة، وذكرنا بان القسم الثاني والقسم الثالث يشتركان في معظم الاحكام، فينبغي جعلهما قسما واحدا، فلم يفرق الفقهاء بين حكمهما في الصور المطروحة في كلامهم

الصورة الأول: الاعراض عن رقبة الأرض ولا اشكال في انه يجوز للغير احيائها ويثبت له ما يثبت للمحيي

الصورة الثانية: الاعراض عن إحياء الأرض وحكمها جواز الاحياء وتنتقل العلاقة الثابتة للأول للثاني بعد احيائها، وهو ما أشار اليه السيد الماتن بقوله (وأما إذا علم أن إبقاءه من جهة عدم الاعتناء به وأنه غير قاصد لاحيائه فالظاهر جواز إحيائه لغيره) غاية الامر انه فرق بين ما إذا كان سبب علاقة الاول بالارض هو الاحياء وما إذا كان سببها غير الاحياء، فحكم بالانتقال إذا كان سبب ملك المالك الأول الإحياء، وأما إذا كان سبب ملكه غير الإحياء من الشراء أو الإرث فاحتاط في عدم جواز إحيائه لغيره

اقول: إن صورة الاعراض عن الاحياء حكمها انه يجوز للغير احياؤها واذا احياها يصبح احق بالتصرف بها من غيره ولا يحتاج الى اجازة المالك من دون فرق بين أن يكون سبب علاقة الاول بالارض هو الاحياء او غيره خلافاً للسيد الماتن وسواء كان السبب هو الاحياء بالمباشرة او بالواسطة كما اذا انتقلت اليه بالشراء ممن احياها او ورثها ممن أحياها، واما غير الاحياء فكمن اشترى الارض من الذين اسلموا على ارضهم طوعاً فقد ملكوا الاراضي التي اسلموا عليها

ولا فرق في الحكم الذي ذكرناه في هذه الاقسام جميعاً لاطلاق صحيحة معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : ((أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها ، وكرى أنهارها وعمرها ، فإنَّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرض لرجل قبله ، فغاب عنها وتركها فأخربها ، ثم جاء بعد يطلبها ، فإنَّ الأرض لله ولمن عمرها))[1] فلم يحدد كيف صارت لمن كان قبله أهي بالاحياء او انها انتقلت اليه بالارث او انه اشتراها ممن يملكها، وكذلك اطلاق معتبرة سليمان بن خالد -اذا قلنا بدلالتها على الحكم- قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يأتي الأرض الخربة ، فيستخرجها ، ويجري أنهارها ، ويعمرها ، ويزرعها ، ماذا عليه ؟ قال : ((الصدقة ، قلت : فإن كان يعرف صاحبها ؟ قال : فليؤدّ إليه حقّه))[2] ولم تحدد كيف صار صاحبها أهو بالاحياء او الشراء ممن يملكها او غيرها، نعم العلاقة المفروضة للاول في صحيحة الكابلي نشأت من الاحياء

ونقول ايضاً بأن مقتضى اطلاق هذه الروايات هو عدم الفرق بين كون المالك معلوماً او مجهولاً

الصورة الثالثة: صورة ما اذا كان عازماً على الاحياء وأخر ذلك لمانع، وقد اشار اليها السيد الماتن بقوله (أو أنه كان عازما على إحيائه و إنما أخر ذلك لانتظار وقت صالح له أو لعدم توفر الآلات و الأسباب المتوقف عليها الاحياء و نحو ذلك) وهنا لا يجوز للغير احياؤها واذا احياها فلا ينتقل الحق اليه فالاحقية في التصرف او الملكية باقية للاول، والوجه في ذلك هو أن جواز الاحياء والتصرف في الارض وهي مملوكة للغير او ان للغير احقية التصرف فيها على خلاف القواعد، وانما التزمنا بجواز التصرف للروايات فلا بد من أن نقتصر على مورد هذه الروايات وهو الاعراض عن احياء الارض ونلتزم بما تقتضيه القواعد في ما عدا هذا المورد، فإن جواز التصرف في الارض المملوكة للغير على خلاف القواعد سواء كان مالكها معلوماً او مجهولاً

الصورة الرابعة: اذا كان قاصداً ابقاء الارض مواتاً ليستفيد منها وهي موات كما لو أراد أن يستفيد من القصب او الحشيش الموجود فيها او يجعلها مرعى لاغنامه ودوابه، وذهب السيد الماتن الى أن حكمها كالثالثة فلا يجوز للغير احياؤها والتصرف فيها من دون إذن المالك، والوجه فيه هو أن تصرف الغير في الارض المملوكة للغير على خلاف القاعدة وخرجنا من القاعدة بمقدار ما دلت عليه الادلة، والوارد في الروايات عنوان (فأخربها) ويستفاد من اسناد الخراب اليه أنه تعمد اخرابها

وحينئذ يقال انه لم يفرض تعمد الخراب واماتة الارض في الصورة الرابعة وانما فرض فيها موت الارض وانه ابقاها مواتاً قاصداً الانتفاع بها وهي موات فهو وإن ترك احياء الارض عن عمد ولكنه لا بقصد اخرابها حتى يشمله العنوان المذكور في الروايات

وبعبارة اخرى: إن عنوان اخربها عنوان قصدي متقوم بقصد الخراب وفي المقام لم يفرض هذا الشيء فيه بل لعله فرض عدمه

واذا لم تشملها الروايات نرجع فيها الى القواعد والجاري فيها هو الاستصحاب ومقتضاه بقاء الحق للاول


[1] وسائل الشيعة: 25/414.
[2] وسائل الشيعة: 25/415.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo