< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

(مسألة 709) كما يجوز إحياء البلاد القديمة الخربة و القرى الدراسة التي باد أهلها (5) كذلك يجوز حيازة موادها و أجزائها الباقية من الأخشاب و الأحجار و الآجر و ما شاكل ذلك و يملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك.

في الفرق بين اللقطة ومجهول المالك

كان الكلام في الاخبار التي ادعي انها ناظرة الى مجهول المالك لا الى اللقطة

ومنها: ما رواه الشيخ الكليني عن علي بن محمّد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق (والظاهر ان المراد به ابن اسحاق الاحمري وهو لم تثبت وثاقته)، عن عبد الله بن حماد ، عن علي بن أبي حمزة قال كان لي صديق من كتاب بني أُميّة فقال لي : استأذن لي علي أبي عبد الله ( عليه السلام ) فاستأذنت له، فأذن له ، فلمّا أن دخل سلّم وجلس ، ثمّ قال : جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً ، وأغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ((لولا أنّ بني أُميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلّا ما وقع في أيديهم

قال : فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي مخرج منه ؟ قال : إن قلت لك تفعل ؟ قال : أفعل ، قال له : فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت به ، وأنا أضمن لك على الله عزّ وجلّ الجنة))[1] فالرواية تتحدث عن مظالم أخذها من الناس وأغمض في مطالبها فهي أموال للناس في يده والامام أمره أن يخرج من جميع ما كسب في ديوانهم فمن عرف من الناس الذين أخذت اموالهم رد امواله اليه ومن لم يعرف يجب الصدقة به

فالرواية ليست ناظرة الى اللقطة إذ لم يفرض في هذه الاموال الضياع وانما هي ناظرة الى مجهول المالك

ومنها: صحيحة هشام بن سالم ، قال : سأل حفص الأعور أبا عبد الله ( عليه السلام ) ـ وأنا حاضر ـ فقال : كان لأبي أجير ، وكان له عنده شيء ، فهلك الأجير ، فلم يدع وارثاً ولا قرابة ، وقد ضقت بذلك ، كيف أصنع ؟ قال : ((رأيك المساكين ، رأيك المساكين ، فقلت : إنّي ضقت بذلك ( ذرعاً ، قال ) هو كسبيل مالك ، فإن جاء طالب أعطيته))[2]

وقالوا بأنها ناظرة الى مجهول المالك باعتبار انه أجير له مال وضعه عند صاحب العمل فلا يحتمل الضياع في المقام، ومات وليس له وارث ولا قرابة، هذا اذا افترضنا عدم ادخاله في عنوان وارث من لا وارث له فانه عبر (فلم يدع وارثا ولا قرابة) ولم يقل أن له وارثاً غير معلوم، فهو للامام، وقوله (رأيك المساكين) أي تصدق به على المساكين وقوله (هو كسبيل مالك) يبين فيه الامام انه صاحب المال فقال له اجعله كسبيل مالك

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رجل ترك غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً ، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثمّ باعه ، قال : ((لا يصلح ثمنه))

ثمّ قال: ((إنّ رجلاً من ثقيف أهدى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) راويتين من خمر، فأمر بهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاهريقتا ، وقال : إنّ الذي حرم شربها حرم ثمنها.

ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن أفضل خصال هذه الّتي باعها الغلام أن يتصدق بثمنها))[3]

ورواية أبي أيوب (المعلى بن محمد) قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : رجل أمر غلامه أن يبيع كرمه عصيراً ، فباعه خمراً ، ثم أتاه بثمنه ، فقال : ((إن أحب الاشياء إلي أن يتصدق بثمنه))[4]

والاستدلال بهما في محل الكلام باعتبار انه عندما باعه خمراً وأخذ الثمن من المشتري فالبيع باطل ومعناه أن الثمن باق على ملك المشتري فيكون الثمن مجهول المالك، وليس فيه احتمال اللقطة لأنه لم يضيع المال من مالكه

ومنها: رواية نصر بن حبيب صاحب الخان ، قال : كتبت إلى عبد صالح ( عليه السلام ) لقد وقعت عندي مائتا درهم ( وأربعة دراهم ) وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة فرأيك في إعلامي حالها وما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعاً ، فكتب : ((اعمل فيها واخرجها صدقة قليلاً قليلاً حتّى تخرج))[5]

وفي رواية عن الهيثم بن أبي روح صاحب الخان قال : كتبت الى عبد صالح ( عليه السلام ): إنّي أتقبّل الفنادق ، فينزل عندي الرجل ، فيموت فجأة ، ولا أعرفه ، ولا أعرف بلاده ، ولا ورثته ، فيبقى المال عندي ، كيف أصنع به ؟ ولمن ذلك المال ؟ قال ((اتركه على حاله))[6] فتكون هذه الرواية معارضة للرواية السابقة في الحكم مع أن كلا منهما تتحدث عن مجهول المالك

ومنها: رواية حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل من المسلمين ، أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً ، واللصّ مسلم ، هل يردّ عليه ؟ فقال : ((لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل ، وإلاّ كان في يده بمنزلة اللّقطة يصيبها ، فيعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردَّها عليه ، وإلاّ تصدّق بها ، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله الأجر ، وإن اختار الغرم غرم له ، وكان الأجر له))[7]

وقد يفهم من التعبير (كان في يده بمنزلة اللقطة) انها ليست لقطة بل بمنزلة اللقطة وواضح انه لم يفترض فيها الضياع

ولكن الامام أمر بتعريفها حولاً وهو من أحكام اللقطة لا من احكام مجهول المالك

ولعله يوجد روايات اخرى مراسيل تذكر في المقام

ولا بد من التنبيه على أن الوارد في معظم أدلة اللقطة هو عنوان اللقطة، الا أن الفقهاء اتفقوا على اعتبار الضياع في اللقطة، وظاهرهم ارسال هذا ارسال المسلمات، نعم ذكروا انه يكتفى بشاهد الحال اذا دلّ على تحقق الضياع فيكون لقطة حينئذ ويترتب عليه احكامها

ولكن كلمات اللغويين خالية من هذا، فقد عرفوا اللقطة بمعناها العام ب (ما اخذ من الارض)، مما يثير الاستغراب، ويمكن أن يقال انهم لم يذكروه لوضوحه

ولكن الظاهر من فقهائنا أن هذا من القضايا المسلمة، ويمكن أن نذكر بعض الامور المؤيدة لما ذكره الفقهاء

الاول: دعوى الوجدان بأن اللقطة لا تصدق حينما لا يفترض الضياع، فلو دخل شخص المسجد ووضع متاعه ثم ذهب ولم يعد، فلا يصدق عليه لقطة لو أخذه آخر

الثاني: إن اللقطة استعملت في بعض الروايات في المال الضائع -وهذا وإن لم يدل على اعتبار الضياع في مفهوم اللقطة- الا انه لم تطلق اللقطة في الروايات على المال الذي لم يفترض فيه الضياع

كما في رواية عليِّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوباً أو دابّة ، كيف يصنع؟ قال : ((يعرفها سنة ، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله ، حتّى يجيء طالبها فيعطيها إيّاه))[8] فاطلقت على الدراهم والمتاع الذي يصيبه الشخص، والظاهر أن الدرهم الذي يصيبه الشخص ضائع

وفي سندها مشكلة من جهة عبد الله بن الحسن (الذي يروي عنه الحميري وهو يروي عن جده دائما) فانه لم يوثق

وذكر بعض الاعلام انه يظهر من كتاب قرب الاسناد أن كل روايات الحميري او معظمها يرويها عن هذا الشخص فهو يعتمد عليه ويوثقه، باعتبار أن كتاب قرب الاسناد موضوع لتخصيص الاخبار المتميزة بقرب السند، وقرب الاسناد طريقة مستعملة لزيادة التوثيق في الحديث، وكأن للحديث طريقين أحدهما سنده قريب والآخر بعيد فيختار السند القريب لاضفاء ميزة على الحديث، وواضح أن هذا فرع إفتراض تمامية الحديث في حد نفسه

وبقطع النظر عن هذه القرينة فإن كثرة رواياته عنه اعتماد عليه

ويستبعد أن لا يكون للحميري طريق الى كتاب علي بن جعفر، ولكن لعل طريقه اليه طويل وهذا اقصر

وعلى كل حال فهذه الروايات التي اطلق فيها اللقطة على المال الضائع، وهذا وإن لم يكن دليلاً الا انه لا يخلو من دلالة اذا ضممنا الى ذلك انه لم تطلق اللقطة على المال المجهول المالك ولم يفرض فيه الضياع او فرض فيه عدم الضياع في الروايات التي تتعرض لذلك المال

 


[1] وسائل الشيعة: 17/199.
[2] وسائل الشيعة: 26/301.
[3] وسائل الشيعة: 17/223.
[4] وسائل الشيعة: 17/223.
[5] وسائل الشيعة: 26/297.
[6] وسائل الشيعة: 26/298.
[7] وسائل الشيعة: 25/464.
[8] وسائل الشيعة: 25/444.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo