< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

 

(مسألة 709) كما يجوز إحياء البلاد القديمة الخربة و القرى الدراسة التي باد أهلها (5) كذلك يجوز حيازة موادها و أجزائها الباقية من الأخشاب و الأحجار و الآجر و ما شاكل ذلك و يملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك(1)

الظاهر أنه لا اشكال عند الفقهاء في كون الحيازة -أي حيازة المباحات العامة- سبباً للملكية في الجملة بل جعلوا ذلك قاعدة من القواعد الفقهية وعبروا عنها بمسألة (من حاز ملك) واستدل الفقهاء بهذه القاعدة في عدة موارد من الفقه بعضها في باب اللقطة وبعضها في باب الاحياء، وبحثوا في جواز التوكيل في الحيازة،

ويقع الكلام اولاً في الادلة التي يمكن أن يستدل بها على كون الحيازة سبباً للملكية، بعد وضوح أن هذه العبارة الشهيرة لا أصل لها في كتبنا بل قيل بأنها لا أصل لها حتى في كتب العامة، نعم ذكرها صاحب العناوين[1] وكأنها من أقوال الائمة (عليهم السلام) وهكذا ذكرها صاحب الجواهر، ولكن الظاهر عدم ورودها في كتاب روائي، ولعل قصد صاحب العناوين وصاحب الجواهر انها متصيدة من الاخبار

واستدل على هذه القاعدة بدليلين:

الاول: بناء العقلاء على أن الحيازة مملكة ولذا يرتبون آثار الملكية على ما يحوزه الانسان من المباحات العامة في أمثال الاحتطاب والاحتشاش كالبيع والارث وغيرهما، بل لعل هذه من أقدم السير باعتبار أن أساس ملك الانسان للاشياء الموجودة على هذه الارض ناشيء من الحيازة، فالانسان الاول الذي عاش على هذه الارض لم تكن تربطه بالاشياء الموجودة على هذه الارض غير هذه العلاقة

بل إن العقلاء يستنكرون على من يحاول أن يأخذ ما حازه الآخر، فكأنهم يرون أنه بالحيازة خرج عن كونه من المباحات العامة، والظاهر أن بناء العقلاء على هذا تام ولا ينبغي التأمل فيه

واما الامضاء فيقال في تقريره بأن هذه السيرة تجري بمرأى ومسمع من المعصوم (عليه السلام) فلو كان لا يرى أن الحيازة مملكة لردع عنها، ومن سكوته وعدم ردعه نستكشف الامضاء

وقد يقال بأنه لا يستكشف من سكوت الشارع الامضاء باعتبار أن هذا لا يعرض أغراض الشارع ومقاصده للخطر.

ولكنهم يرتبون الآثار الشرعية على المملوك بالحيازة كالبيع والشراء والهبة وانتقاله بالارث، فلو كانت الحيازة ليست سبباً للملكية لنهى الشارع عن بيعه وهبته وانتقاله بالارث كما نهى عن كثير من المعاملات كالربا والبيوع غير الواجدة لشرائط صحة المعاملة

بل قد يقال بأنه يمكن الاستدلال بسيرة المتشرعة ايضاً، إذ لا اشكال في أن للمتشرعة بناء على أن الحيازة مملكة فهم يتعاملون مع ما يحوزه الانسان معاملة الملك، غاية الأمر انه ليس معلوماً أنها سيرة متشرعة بالمعنى الأخص والتي ينحصر وجهها بالتلقي من الشارع كما في مسألة الجهر والاخفات في الصلاة، وانما هي سيرة متشرعة بالمعنى الأعم أي لا ينحصر وجهها بالتلقي من الشارع

وافتراض أن كل اصحاب الائمة الذين بنوا على أن الحيازة مملكة انطلقوا في هذا البناء من الطبع العقلائي وباعتبارهم جزءاً من العقلاء بعيد، فإن معنى المتشرع أنه يحاول أن يكون عمله على الميزان الشرعي، فيستبعد أن ينطلق جميع المتشرعة من سجيتهم العقلائية على أن الحيازة مملكة، من دون أن يدور في خلد واحد منهم أن يسأل الشارع عن ذلك، إذ لا وضوح في لزوم موافقة الشارع مع العقلاء في كل ما اتفقوا عليه بل يحتمل أن يكون للشارع رأي آخر في هذه القضية، فلا بد أن بعضهم استفسر من الامام وانطلق في هذا العمل على أساس الموقف الشرعي، وبهذا يثبت أن الحيازة مملكة عند الشارع

الثاني: الاستدلال بالاخبار

ومنها صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : ((من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض، قد كلت وقامت ، (وسيّبها صاحبها مما لم يتبعه)، فأخذها غيره ، فأقام عليها ، وأنفق نفقتة حتّى أحياها من الكلال ومن الموت ، فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشيء المباح))[2] ، ويفهم من هذا أن المباح يملك بالحيازة كما أن مورد الرواية يملك بها، وعبر انه مثل المباح لأن البعير ليس من المباحات الاصلية، ولكن عندما سيبه صاحبه صار مثل المباحات الاصلية

ومنها: معتبرة السكوني ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ((إنَّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قضى في رجل ترك دابّته من جهد ، فقال : إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له ، يأخذها حيث أصابها ، وإن تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ ، فهي لمن أصابها))[3] ، والاستدلال بها مبني على أن ترك الدابة في خوف وعلى غير كلأ قرينة على اعراضه عنها، واذا اعرض عنها تكون من قبيل المباحات العامة فيملكها من يأخذها

والظاهر أن هذا يتفقون عليه وانما اختلفوا في خروجها عن ملكه بمجرد الاعراض او يعتبر فيه أن يأخذها الآخر

وفي سند الرواية عبد الله بن محمد والظاهر أن المراد به من يعرف ب(بنان) وهو اخو احمد بن محمد بن عيسى، وهو يروي عن ابيه محمد بن عيسى الاشعري، وهو لم ينص على وثاقته، الا انه روى عنه صاحب نوادر الحكمة ولم يستثنه ابن الوليد، وبناء على الحكم بتوثيق من يروي عنه صاحب النوادر مباشرة اذا لم يستثنه ابن الوليد كالحكم بعدم وثاقة من استثناه ابن الوليد، تكون الرواية معتبرة

ومنها معتبرة السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ( عليهم السلام ) ((أنّه سُئل عن رجل أبصر طيراً فتبعه حتّى وقع على شجرة ، فجاء رجل آخر فأخذه ؟ قال : للعين ما رأت ، ولليد ما أخذت))[4] وطريق الشيخ الصدوق الى السكوني صحيح فتكون الرواية تامة سنداً

ويفهم منها أن الطير بمنزلة المباحات العامة فيكون لمن أخذه، وفيها دلالة على أن أخذ الطير الذي لم يكن مسبوقاً بملكية أحد يكون سبباً للملكية


[1] العناوين الفقهية: 2/708.
[2] وسائل الشيعة: 25/458.
[3] وسائل الشيعة: 25/458.
[4] وسائل الشيعة: 25/461.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo