< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

38/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب

كان الكلام في صحيحة زرارة الثانية، وقلنا أنها تتضمن أسئلة وانتهى الكلام إلى السؤال الثالث، وطُرحت عدّة احتمالات ذكرنا الاحتمال الأول منها وكذلك الاحتمال الثاني. الاحتمال الأول كان يفترض أنّ هناك علم بالطهارة بعد الفحص حال الصلاة، هو ظن إصابة النجاسة لثوبه وفحص عنها ولم يعثر على شيء، فحصل له العلم بعدم إصابة النجاسة لثوبه، يعني حصل له العلم بطهارة ثوبه، بعد الصلاة وجد النجاسة واحتمل أنها نفس النجاسة التي فحص عنها سابقاً.

الاحتمال الثاني: عكس هذا، بأن نفترض أنه فحص أثناء الصلاة ولم يعثر على النجاسة، لم يحصل له العلم بالطهارة، بخلاف الصورة السابقة كان يفترض حصول العلم بالطهارة في أثناء الصلاة. أمّا هنا، فلم يحصل، وإنما بقي شاكاً في الطهارة والنجاسة، لكن بعد الصلاة عندما وجد النجاسة علم أنّ النجاسة التي وجدها هي نفس النجاسة التي فحص عنها سابقاً، فهي عكس الاحتمال الأول، في الاحتمال الأول يفترض أنّ هناك يقيناً في أثناء الصلاة وشك بعد الصلاة، أمّا الاحتمال الثاني فيفترض أنّ يكون هناك شكٌ في أثناء الصلاة ويقين بأنّ ما وجده من النجاسة بعد الصلاة هو نفس ما فحص عنه سابقاً.

الفرض الثاني، أن يكون هناك شك في أثناء الصلاة ويقين بعد الصلاة، قلنا أنه ينطبق عليه الاستصحاب بلحاظ حال الصلاة وبلحاظ حال السؤال أيضاً، بلحاظ حال الصلاة باعتبار أنه كان على يقين من طهارة الثوب سابقاً ويشك في بقاء هذه الطهارة أو ارتفاعها، باعتبار أنه ظن إصابة النجاسة لثوبه في أثناء الصلاة، فنظر، فلم يرى شيئاً، والمفروض أنّ نظره وعدم وجدانه لشيءٍ لم تورث له العلم بالطهارة، وإنّما بقي شاكّاً في أنّ الثوب هل أصابته النجاسة، أو لا، فإذن: هو شاك في بقاء الطهارة المتيقنة سابقاً، فتتم أركان الاستصحاب حينئذٍ، فيقال: هذا على يقين من طهارة ثوبه سابقاً والآن في أثناء الصلاة هو يشك في بقاء هذه الطهارة أو ارتفاعها، فيجري في حقه الاستصحاب بناءً على ذلك. هذا بلحاظ حال الصلاة. غاية الأمر أنه بلحاظ حال الصلاة أنكشف له الخلاف بعد ذلك؛ لأنه تبيّن أنّ النجاسة التي رآها بعد الصلاة هي نفس النجاسة التي فحص عنها، يقولون حتى إذا أنكشف الخلاف مع ذلك يجري الاستصحاب في حقه؛ لأنّ أركان الاستصحاب متوفرة من يقين سابق وشك لاحق، فيجري في حقه الاستصحاب حتى إذا أنكشف خلاف ذلك بعد الصلاة.

نعم، في الفرض الثاني لا تنطبق قاعدة اليقين؛ لأنّ قاعدة اليقين يعتبر فيها أن يكون على يقين من طهارة الثوب في أثناء الصلاة، ثم يشك بعد الصلاة ويسري هذا الشك إلى اليقين السابق، فما دمنا لا نفترض يقيناً في أثناء الصلاة لا مورد لقاعدة اليقين، وفي الفرض الثاني افترضنا أنه في أثناء الصلاة هو شاك وليس على يقين من طهارة ثوبه، فلا مورد لقاعدة اليقين.

الاحتمال الثالث: أن يقال أنه لم يحصل له العلم لا أثناء الصلاة ولا بعدها، لا في أثناء الصلاة عندما ظن الإصابة ونظر فلم يرى شيئاً، حصل له العلم بالطهارة، ولا بعد الصلاة عندما وجد نجاسة علم بأنها هي النجاسة التي فحص عنها، وإنّما هو شك في كلٍ منهما، في أثناء الصلاة هو شاك في بقاء طهارة ثوبه أو ارتفاعها، بعد الصلاة هو أيضاً شاك في أنّ النجاسة التي رآها هي نفس النجاسة التي فحص عنها، أو لعلّها نجاسة طارئة حدثت بعد الصلاة، شكٌ في كلٍ منهما، في هذه الحالة قاعدة الاستصحاب تنطبق بشكل واضح بلحاظ حال الصلاة وأيضاً بلحاظ حال السؤال، أمّا بلحاظ حال الصلاة، فلأن أركان الاستصحاب متوفرة هنا يوجد شك في أثناء الصلاة بحسب الفرض ويقين سابق قبل عروض النجاسة، فيجري في حقّه الاستصحاب، أمّا بلحاظ حال السؤال أيضاً فُرض وجود شك بعد الصلاة وفي حال السؤال؛ لأنّه وإن وجد نجاسة، لكنّه لا يعلم بأنّ هذه النجاسة هي نفس النجاسة التي فحص عنها، لعلّها شيء جديد آخر، فإذن: هذا أيضاً يوجب له الشك، فيمكن إجراء الاستصحاب أيضاً بلحاظ حال السؤال كما يمكن إجرائه بلحاظ حال الصلاة. نعم، قاعدة اليقين لا تنطبق في المقام، باعتبار أنه لا يقين بطهارة الثوب حال الصلاة حتى يقال أنّ الشك المتأخر يكون شكاً سارياً وموجباً لزوال هذا اليقين. إلى هنا فرغنا من السؤال الثالث.

السؤال الرابع: قال: (قلت: فإني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدرِ أين هو فأغسله ؟ قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقينٍ من طهارتك)[1] . واضح أنّ هذا السؤال عن علمٍ إجمالي بإصابة النجاسة للثوب من دون تحديد موضع النجاسة، لكن يعلم بأنّ النجاسة أصابت ثوبه قطعاً، لكنه لم يستطع تحديد الموضع، والجواب كما هو واضح أنه يجب عليه أن يغسل تمام أطراف الشبهة، يعني محتملات هذا العلم الإجمالي حتى يكون على يقين من طهارة ثوبه .

السؤال الخامس: قال: (قلت: فهل علي إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال: لا ، ولكنك تريد أن تُذهب الشك الذي وقع في نفسك)[2] فحصٌ في الشبهة الموضوعية، هل يجب الفحص أو لا ؟ فقال: لا، إذا كنت تريد أن تزيل الشك، فأفحص، وإلاّ لا يجب عليك الفحص ابتداءً.

السؤال السادس: قال: (إن رأيت في ثوبي وأنا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة وتعيد إن شككت في موضع منه ثم رأيته، وإن لم تشك، ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته، ثمّ بنيت على الصلاة؛ لأنك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك)[3] . السؤال هو أنه رأى نجاسة في أثناء الصلاة، فما هو حكمه ؟ الإمام(عليه السلام) يُفصّل بين فرضين:

الفرض الأول: ما إذا شك في موضعٍ منه ـــــــ حسب الرواية ــــــــ (ثمّ رأيته)، هنا حكم بأنّ الصلاة تقع باطلة ويجب عليه إعادة الصلاة.

الفرض الثاني: فيما إذا لم تشك (ثمّ رأيته رطباً) هنا يحكم بصحة الصلاة، قطعت الصلاة وتغسله، ثمّ تبني على الصلاة، يعني الأجزاء السابقة يُبنى على صحتها ويبني عليها، لكن يجب عليه أن يغسل ثوبه لإتمام باقي الصلاة، وهذا حكم بالصحة؛ لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك، ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا.

هذه الفقرة من السؤال والجواب فيها احتمالان من حيث الشك (إن شككت في موضعٍ منه ثم رأيته، وإن لم تشك) يعني الشك في الفرض الأول والشك المنفي في الفرض الثاني، ما هو المقصود بهذا الشك ؟ الاحتمال الأول أن يكون المقصود به هو الشك البدوي في كلٍ منهما، يعني الشك المفروض في الفرض الأول هو الشك البدوي، والمنفي في الفرض الثاني(وإن لم تشك) أيضاً المراد به هو الشك البدوي. كأنه يقول له: إذا شككت شكّاً بدوياً غير مقرون بالعلم الإجمالي في موضع منه، شككت في البداية ثمّ رأيت النجاسة في هذا الموضع، في هذه الحالة يُحكم ببطلان الصلاة ووجوب الإعادة. وأمّا إذا لم تشك، المفروض أنّ الشك المنفي هو نفس الشك الثابت في الفرض الأول، يعني إذا لم تشك أصلاً، ثمّ رأيت النجاسة على ثوبك من دون أن يكون ذلك مسبوقاً بالشك، هو يحتمل أن تكون النجاسة قد وقعت الآن لا أنها موجودة من حين شروعه بالصلاة، وإنّما لعلّها وقعت الآن، هذا يُحكم بصحة صلاته إذا لم يكن عنده شك سابق، وإنّما هو الآن رأى النجاسة، يقول في هذه الحالة يُحكم بصحة الصلاة. هذا لأول وهلة الحكم بالبطلان في الفرض الأول على القاعدة؛ لأنه هو يقول إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته، يعني رأيت النجاسة التي كانت موجودة سابقاً عندما شككت في ذلك، يعني شك في النجاسة وصلّى، ثمّ رأى تلك النجاسة التي شك فيها، وهذا يكون موجباً لبطلان الصلاة بدون إشكال، فيُحكم ببطلان الصلاة.

وأمّا إذا لم تشك، لم يكن عندك شكٌ سابق وفجأة رأيت هذه النجاسة على ثوبك ويوجد احتمال أنها نجاسة وقعت الآن، في هذه الحالة لا داعي للحكم ببطلان ما تقدّم من الصلاة، وإنّما يُحكم بصحته ويبني عليه، لكن بعد تطهير الثوب. وعللّ هذا الفرض الثاني بالاستصحاب، أي عللّه بـــ(لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك).

الاحتمال الثاني في الرواية أن يُراد بالشك الشك المقرون بالعلم الإجمالي وليس الشك البدوي، إذا شككت في موضع منه، ثمّ رأيته، يعني حصل لديك علم إجمالي بأنّ النجاسة أصابت الثوب، ثمّ بعد ذلك شخّصت موضع النجاسة وانحل العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بأنّ النجاسة وقعت في هذا الموضع، في هذه الحالة يقول الصلاة محكومة بالبطلان ويجب عليك الإعادة. (وإن لم تشك)، قلنا أنّ الشك المنفي هو نفس الشك الثابت في الفرض الأول، (وإن لم تشك) يعني لم تكن تعلم بوقوع النجاسة علماً إجمالياً، وإنّما كان لديك شكٌ بدوي، في هذه الحالة عندما ترى النجاسة، يوجد احتمال أنّ هذه النجاسة وقعت الآن؛ لأنه لم يكن هناك علم بها سابقاً على نحو العلم الإجمالي، لعلّها وقعت الآن، هنا يُحكم بصحة الصلاة، فإذا غسل ثوبه وطهّره يجوز له أن يبني على ما تقدّم من الصلاة. هذا ما يُفهم من هذا السؤال.

الاستدلال بالرواية على الاستصحاب يكون بالفقرة الثالثة والفقرة السادسة؛ لأنّ باقي الفقرات لا علاقة لها بالاستصحاب، فلذلك لابدّ من ذكر هاتين الفقرتين وكيفية الاستدلال بهما على الاستصحاب، وهل تدلان على الاستصحاب أو لا ؟

بالنسبة للفقرة الثالثة، في الفقرة الثالثة يقول: (ظننت أنّ ثوبي أصابته نجاسة، فنظرت، فلم أرى شيئاً، ثمّ صليت، فرأيت فيه، قال: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت ولمَ ذلك ؟ قال: لأنَك كنت على يقين من طهارتك، ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً). في هذا السؤال طرحنا ثلاثة احتمالات، الآن نرى هذه الاحتمالات، هل يمكن الاستدلال بالرواية على الاستصحاب ككبرى كلّية بناءً على كل واحدٍ من هذه الاحتمالات، في كيفية الاستدلال بهذه الفقرة على الاحتمالات الثلاثة.

بناءً على الاحتمال الأول، هذا الاحتمال كان يقول هناك يقين حال الصلاة وشك بعدها. في حال الصلاة حصل له العلم واليقين بطهارة ثوبه، ظنّ إصابة النجاسة له، نظر فلم يرى شيئاً، كأن هذا الفحص والنظر عن النجاسة وعدم العثور عليها أورث له اليقين بطهارة الثوب، فصار في حال الصلاة على يقين من طهارة ثوبه، بعد الصلاة وجد نجاسة(فرأيت فيه) هنا نقول ليس لديه يقين بأنّ ما رآه هو نفس ما فحص عنه، وإنما يحتمل أن يكون هو نفس ما فحص عنه ويحتمل أن يكون نجاسة عارضة ولم تكن موجودة حال الصلاة. هذا الاحتمال الأول مبني على أن يكون المستفاد من قوله(فنظرت، فلم أرى شيئاً) هو حصول العلم واليقين بعدم الإصابة، يعني الإنسان عندما يظن إصابة نجاسة في ثوبه ويفحص وينظر في هذه النجاسة ولا يعثر عليها يحصل له اليقين بعدم الإصابة وبطهارة الثوب . وثانياً: أن يُستفاد من قوله في ذيل الرواية(ثمّ صلّيت، ثمّ رأيت فيه) ليس بالضرورة أن يكون رأيت هو نفس ما فحص عنه سابقاً، وإنّما (رأيت فيه نجاسة) قد تكون هي نفس ما فحص عنه سابقاً وقد تكون غيرها، كلٌ منهما محتمل؛ فلذلك يُستفاد من هذه العبارة خصوصاً أنه لم يقل (فرأيته فيه) كما في نسخة الشيخ الصدوق(قدّس سرّه)، لو قال(فرأيته فيه) واضح أنه حصل له اليقين بأنّ ما وجده بعد الصلاة هو نفس ما فحص عنه، لكن عندما يقول: (فرأيت فيه) كل منهما محتمل بأن يكون ما رآه هو نفس ما فحص عنه ويحتمل أن يكون ما رآه هو غيره؛ فلذلك بعد الصلاة لديه شك، وهذا الشك نستفيده من قوله(فرأيت فيه) وفي حال الصلاة لديه يقين بطهارة الثوب، وهذا يُستفاد من قوله: (فنظرت، فلم أرى شيئاً). بناءً على الاحتمال الأول قلنا أنه يمكن تطبيق قاعدة اليقين، لكن بلحاظ اليقين الذي حصل بعد الفحص لا بلحاظ اليقين الموجود قبل عروض النجاسة. هذا يقين حصل بعد الفحص بطهارة الثوب وعدم إصابة النجاسة له، بعد الصلاة وجد نجاسة يحتمل أنها هي نفس النجاسة التي فحص عنها، لا إشكال أنّ هذا الشك يكون شكّاً سارياً ويوجب تزلزل اليقين بطهارة الثوب حال الصلاة وزواله، فأركان قاعدة اليقين متوفرة في المقام، وفي نفس الوقت يمكن تطبيق الاستصحاب بلحاظ حال السؤال بأن يقال: هذا بلحاظ حال السؤال، يعني بعد الصلاة هو على يقينٍ من طهارة ثوبه والمراد باليقين هو اليقين السابق قبل عروض النجاسة ولا إشكال أنه في وقت ما كان على يقينٍ من طهارة ثوبه، ثمّ شك باعتبار أنه ظن بإصابة النجاسة ثوبه، وإلا قبل هذا هو كان على يقينٍ بطهارة ثوبه، والآن بعد الصلاة في حالا السؤال هو ليس لديه يقين بأنّ الثوب كان نجساً حين الصلاة؛ لأنّ النجاسة التي رآها في ثوبه يحتمل أنها لم تكن موجودة حال الصلاة وإنما لعلّه شيء أوقع عليه. فلا يقين بنجاسة الثوب حال الصلاة، وإنما هنا يوجد شك.

إذن: هنا مكلّف هو على يقين من طهارة ثوبه ويشك في زوال هذه الطهارة وارتفاعها في حال الصلاة، فيجري في حقه الاستصحاب. فإذن: كلتا القاعدتين يمكن تطبيقهما على مورد الرواية في هذا السؤال، ومن هنا قد يقال: لا يمكن أن نستفيد من هذه الفقرة من الرواية الاستصحاب، لعلّ الإمام(عليه السلام) إلى قاعدة اليقين التي تقول أنّ هذا اليقين الذي يحصل بعد الفحص حتى إذا تزلزل وزال بالشك الساري يجب عليك أن تبني عليه، هذا هو مفاد قاعدة اليقين، أنّ اليقين إذا حصل يكون حجّة ويجب العمل به حتى إذا زال بعد ذلك، وما يدرينا أنّ الإمام(عليه السلام) يكون ناظراً إلى الاستصحاب ؟ فلا يمكن الاستدلال بهذه الفقرة على الاستصحاب . هذا هو الاحتمال الأول في السؤال الثالث.

ما يلاحظ على هذا السؤال هو أنّ استفادة حصول اليقين بطهارة الثوب وعدم إصابة النجاسة له من جملة(فنظرت، فلم أرى شيئاً) ليس واضحاً، هذه الجملة لا يستفاد منها حصول اليقين بطهارة الثوب، وإنّما ما يستفاد منها هو عدم حصول العلم بالنجاسة؛ لأنه هو ظن إصابة النجاسة لثوبه، فحص، نظر ولم يعثر. هذا غاية ما يورث له هو عدم العلم بنجاسة الثوب، لكن هل معنى ذلك هو أنه يكون عالماً بطهارته ؟ هذا لا يمكن أن يُستفاد من هذه الفقرة، غاية ما يستفاد منها هو أنه نظر، فلم يرى النجاسة، هذا معناه أنه ليس لديه علم بالنجاسة، وعدم العلم بالنجاسة غير العلم بالطهارة، عدم العلم بالنجاسة أعمّ من حصول العلم بالطهارة ومن الشك في الطهارة، في كلٍ منهما يصدق أنّ هذا ليس عالماً بالنجاسة، إذا كان عالماً بطهارة الثوب يصدق عليه ذلك وينسجم معه، وإذا كان شاكاً في طهارة الثوب ونجاسته يصح أن يقال أنّ هذا ليس عالماً بالنجاسة . إذن: عدم العلم بالنجاسة الشيء الذي يمكن أن يستفاد من قوله(فنظرت فلم أرى شيئاً) أن هذا أعم من حصول العلم بالطهارة ومن الشك في الطهارة والنجاسة، هو ينسجم مع كلٍ منهما، هذا المكلف لا يوجد عنده علم بالنجاسة، قد يكون في بعض الأحيان له علم بالطهارة وقد لا يكون له علم بالطهارة، وإنّما هو يشك في الطهارة والنجاسة، والسر في ذلك هو أنّ الفحص والنظر ليس بالضرورة يورث العلم بالعدم، عندما يحتمل الإنسان حدوث شيءٍ ويفحص عنه ولا يجده هو ليس ملازماً للعلم بالعدم، قد يوجب ذلك الفحص وعدم العثور العلم بالعدم وقد في بعض الأحيان لا تحصل له حالة العلم والقطع واليقين بالعدم، وإنّما يبقى شاكاً، كلٌ منهما ممكن ومحتمل في هذه الرواية، ليس لدينا دليل على أنّ الفحص هو دائماً يورث العلم بالعدم، ظن إصابة النجاسة للثوب، فحص ولم يعثر ليس بالضرورة أن يحصل له العلم بالطهارة وعدم الإصابة، قد يحصل له العلم بعدم الإصابة وقد لا يحصل له العلم بعدم الإصابة. فإذن: من أين نستفيد حصول العلم بالطهارة واليقين بالطهارة بعد الفحص وعدم العثور من جملة(فنظرت، فلم أرى شيئاً) استفادة هذا المعنى من هذه العبارة غير ممكن. نحن نتكلم في حدود ما يستفاد من سؤال السائل، السائل في قوله: (فنظرت، فلم أرى شيئاً) هذه العبارة ليس معناها أنه افترض بعد الفحص حصول العلم بطهارة الثوب حتى نقول أنّ الإمام(عليه السلام) طبّق قاعدة اليقين بناءً على هذا الفرض؛ لأنه يعد الفحص حصل يقين وبعد ذلك يوجد شك، فيكون الشك سارياً إلى هذا اليقين. هذا لا يمكن أن يُفهم من قول السائل(فنظرت، فلم أرى شيئاً). بناءً على هذا الكلام؛ حينئذٍ لا يمكن تطبيق قاعدة اليقين على مورد الرواية؛ لأنّه في سؤال السائل لم يُفرض حصول اليقين بعد الفحص عن النجاسة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo